رمضان حول العالم.. عادات وعبادات شهر الصيام في تونس

أشرف شعبان

رؤية – أشرف شعبان

لرمضان في تونس عبق خاص يتماشى مع تقاليد البلد الذي لا يزال يحافظ على هويته الإسلامية المتجذرة ولا يزال أبناؤه يتمسكون بتقاليدهم وعاداتهم الرمضانية التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم حتى باتت جزءا لا يتجزأ من الوعي المجتمعي.

رؤية هلال رمضان

يختلف الإعلان عن رؤية رمضان في تونس في العصر الحديث عن السابق، فحاليا يقوم مفتي الجمهورية بالإعلان عن رؤية هلال رمضان، عبر التلفزيونات المحلية مخبرا الشعب التونسي بحلول الشهر الكريم. أما في السابق فيتم الإعلان عبر إطلاق المدافع بعد اجتماع المجلس الشرعي الذي ينكب على كتابة وثيقة صحة رؤية الهلال، ويرسلها لملك تونس ليأذن بإطلاق المدافع.

وجبة الإفطار

يستهل التونسيون إفطار رمضان بترديد عبارة “صحة شريبتكم”، التي تعني بالصحة والعافية، وجرت العادة على أن يفطر التونسيون على التمر واللبن ثم يؤدون صلاة المغرب ليعودوا بعد ذلك إلى مائدة الإفطار التي تتميز بنكهة خاصة في رمضان، حيث تعدّ المرأة التونسية أطباقًا من أشهى المأكولات تحافظ فيها على عادات التونسيين وتقاليدهم.

وانطلاقاً من اليوم الأول لهذا الشهر الكريم، تأخذ مائدة الإفطار صبغة خاصة، وتعدّ في هذه الأيام أطباقاً من أشهى المأكولات التونسية، حيث تتميز مائدة الإفطار التونسية بنكهة خاصة لدى العائلات التي تصر على الحفاظ على تقاليدها وعاداتها، ومن العادات الحميدة التي تواكب هذا الشهر الكريم من ليلة دخوله التي يطلق عليها في تونس “ليلة القرش”، ما يُعِدُّه التونسيون في تلك الليلة من حلويات؛ ففي تونس يهيأ عادةً إما طبق “الرفيسة” المكوَّن من الرز المطبوخ بالتمر والزبيب، أو “المدموجة”، وهي ورقة من العجين المقلي مفتتة ومحشوة بالتمر والسكر.

وفي الشمال الغربي لتونس تحضر “العصيدة” بالدقيق والعسل والسمن، أما في الساحل فتصنع الفطائر بالزبيب، في حين أن أهل الجنوب يطبخون “البركوكش” – وهو دقيق غليظ الحبات – بأنواع من الخضر.

ومن أبرز الأطباق، طبق “البريك” الذي يتصدر المائدة في كل البيوت وبصفة يومية، وهو عبارة عن نوع من الفطائر تصنع من أوراق الجلاش، وتتشابه مع السمبوسة، ولكنها فطائر كبيرة الحجم تُحشى بالدجاج أو اللحم في مختلف المناطق غير الساحلية، مع إضافة البصل، والبقدونس المفروم، والبطاطا، وتقلى بالزيت.

ومن الأطباق الأخرى الشعبية التي توجد على مائدة الإفطار التونسية نجد “الطواجن” بأنواعها المختلفة و”الطاجين” طبق شعبي مميّز وتختلف صناعته من منطقة لأخرى وهوعبارة عن كيك مالح يصنع من الجبن الرومي أو الموزاريلا مع البيض والبهارات وبعض الخضروات وأنواع من اللحوم وتمتزج كل هذه اللوازم وتخبز في الفرن، أما السلطة على المائدة التونسية فلها أنواع كثيرة ويتم تقسيمها إلى سلطة مشوية وسلطة نيّة خضراء.

وخلال رمضان، تشتهر العديد من الأحياء العريقة، أبرزها “باب المنارة” و”باب الجديد” في العاصمة تونس ببيع أنواع تقليدية من الحلويات الرمضانية والتي تسمى بـ “الزلابيا” أو “المخارق” التي يتم صنعها من القمح والعسل والسمسم على شكل قطع مستديرة أو مستطيلة.

إلى جانب “الزلابيا”، تتميز هذه الأحياء ببيع “المقروض القيرواني” و”المهلبية” و”الصمصة” و”القطائف” التي تعد من الحلويات الشهيرة التي نقل التونسيون سر وصفاتها عن الشاميين والأتراك.

تراويح ومسابقات قرآنية

يحتل شهر رمضان مكانة روحية عميقة لدى التونسيين، حيث تمتلئ الجوامع في كل محافظات البلاد بروادها الذين يفترشون الشوارع والأحياء التي تقع بالقرب من الجوامع، وتصدح المآذن بتلاوات خاشعة للقرآن يؤمها أئمة من خريجي جامعة الزيتونة للعلوم الإسلامية.

ويتسابق التونسيون عقب إفطارهم إلى حضور صلاة التراويح، ومواكبة مجالس الذكر، وحلقات الوعظ الديني، والمحاضرات، والمسامرات الدينية، وتلاوة ما تيسر من القرآن إلى جانب عدد كبير من الاختتامات والإملاءات القرآنية، وحصص لختم الحديث النبوي الشريف.

ويجتمع الصائمون عند الصلوات في المساجد، وخصوصاً في جامع الزيتونة الذي يتحضر كل عام من أجل الموسم الرمضاني، وتعدّ الأيام الاخيرة من الشهر فرصةً للتوانسة للاجتهاد في الطاعات وصلاتي التراويح والتهجد.

وتنظم السلطات التونسية ما يزيد على الـ 400 مسابقة لحفظ القرآن الكريم في مساجد البلاد كافة، لعل أشهرها المسابقة الدولية لحفظ القرآن التي تشهد مشاركة أكثر من 15 دولة عربية وإسلامية، حيث يتولى الرئيس التونسي في ختامها تسليم جائزة رئيس الجمهورية الدولية للدراسات الإسلامية وتبلغ قيمتها 25 ألف دولار.

وتشهد أعرق الجوامع في البلاد، على غرار جامع الزيتونة بالعاصمة، وجامع عقبة بن نافع بالقيروان، احتفالات دينية خاصة طوال شهر رمضان، وتتحول إلى قبلة لآلاف الزوار من دول عربية وإسلامية، لا سيما في الأيام العشر الأخيرة من الشهر، وليلة 27 التي تختم فيها تلاوة القرآن.

شاشة رمضان في تونس

الإذاعة الوطنية من جهتها، تنشط في هذا الشهر، من خلال تقديم رزمة من البرامج الروحية، وموشّحات دينية، ويتردّد كثيرون إلى حفلات ونواد ثقافيّة.

كما تتبارى القنوات التونسية الحكومية والخاصة في جذب المشاهدين خلال رمضان، بوجبة درامية تجمع التاريخ والكوميديا إلى جانب الأعمال الاجتماعية، وبرنامج للكاميرا الخفية.
شهر الأفراح والمسرات 

ويتميّز الشهر المبارك في تونس بكونه شر الأفراح والمسرات حيث يتبارك التونسيين بهذا الشهر وتتعدد فيه المناسبات الأسرية منها إقامة مواكب الخطبة بالنسبة للفتيات وتقديم الهدايا لهن ليلة 27 رمضان وتسمّى (الموسم) للواتي تمت خطبتهن ويقع اختيار الهدايا حسب إمكانيات العائلة، كما تحتفل بعض العائلات في ليلة القدر بختان أطفالها بتنظيم سهرات دينية تحييها فرق إسلامية إلى حدود موعد السحور.

وتنظم العائلات الميسرة سهرات “السلامية” احتفالا بالشهر المعظم، و”السلامية” مجموعة من المغنين ينشدون على ضربات الدف أدوارًا تمجّد الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلّم – والأولياء الصالحين أو بعضًا من أشعار الصوفيين، وهذه الاحتفالات تقتصر على الرجال حتى يومنا هذا، غير أن النساء تشارك من بعيد بالزغرودة عند أجمل المقاطع.

وتجمع السهرات الرمضانية بين العبادة والمتعة والترفيه، ولكل طالب ما يريد، حيث يحظى شهر الصيام لدى مختلف فئات المجتمع بقداسة خاصة، إذ تستعد الأسر التونسية لاستقباله بشكل احتفالي، بتجديد مستلزمات المطبخ، وتهيئة المنزل لسهرات تتجدد كل عام إضافة إلى طلاء الجدران والأسقف بلون جديد مضيء.

ويعتبر رمضان عند العديد من التونسيين شهر تجديد العهد مع “اللمات” العائلية وتوطيد العلاقات الأسرية فهو شهر التزاور واللقاءات والخطوبات والأفراح، وفيه تتغير وتيرة الحياة والسهر، فرائحة أجواء الشهر تتميز بعبق خاص له نكهة مميزة من اللمات العائلية، وتشهد المدن الكبرى حركية وأنشطة ثقافية وتجارية مكثفة والتي من شأنها أن تمنح عشاق السهر فرصة التسلية، خصوصًا مع ارتفاع درجات الحرارة يقبل التونسيون على المهرجانات والسهرات والمقاهي التي تتحول إلى ملتقى العائلات والأصدقاء والخلان، وتحلو السهرات الرمضانية الصيفية لاسيما مع انطلاق فترة العطل المدرسية والجامعية، إضافة إلى عطل بعض الموظفين والعاملين السنوية.

أسواق رمضان في تونس

تشهد الشوارع التجارية والسياحية الكبرى في العاصمة وباقي الولايات حركة غير عادية قبل حلول الشهر الكريم من مختلف النواحي، سواء الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. ولعل أهم استعداد لهذا الشهر الفضيل هو اقتناء ما يسمى في المحكية التونسية بـ “قفة” رمضان، أي مختلف صنوف التوابل واللحوم والخضار والفواكه. وغالباً ما تسمع ترنيمات الباعة وهم يدعون الزبائن للنّظر ملياً في المنتجات التي يعرضونها ويشيدون بحلاوتها ويكتبون عبارات تفتح شهيّة الصائمين قبل موعد الإفطار.

وتبدأ حركة الأسواق الرمضانية في تونس منذ الساعات الأولى للصيام وتشتد طلبات الحرفاء خلال الفترة الزمنية المتراوحة بين منتصف النهار والثالثة بعد الزوال لتهدأ تماما قبل فترة وجيزة من الإفطار، لكنّها سرعان ما تعود خلال ساعات الليل وقد تتواصل في بعض محلات بيع الخضراوات والغلال والمرطبات إلى الساعة الواحدة ليلاً. تظل أسواق رمضان على هذه الوتيرة إلى غاية ليلة العيد التي عادة ما تعرف إقبالاً كبيراً على ملابس الأطفال وهداياهم وعلى الحلويات بأصنافها.

المسحراتي

ومن العادات التي لا تزال حاضرة في تونس، “المسحراتي” أو الملقب في تونس بـ “بوطبيلة” الذي وعلى غرار العديد من الدول العربية، يجوب الأحياء وينادي الناس للسحور عن طريق النقر على طبله، وهو ما يضفي حضوره جوا روحانيا خلال الشهر المبارك.

ربما يعجبك أيضا