اللبدي..الحسناء التي عرت بشاعة الاحتلال‎

محمود

كتب – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – يومان مضيا على تثبيت محكمة الاحتلال، للاعتقال الاداري للأسيرة الفلسطينية – الأردنية هبة اللبدي، التي تخوض إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ 27 يوماً.

اللبدي (32 عاماً) اعتقلت بتاريخ 20-8-2019، خلال عبورها على معبر الكرامة، متجهة إلى مدينة نابلس لحضور فرح إحدى قريباتها من بلدة يعبد بمحافظة جنين التي تنحدر منها، وتعيش اليوم في الأردن وتحمل الجنسيتين الأردنية والفلسطينية.

منذ يومها الأول في زنازين معتقل الجلمة، تعرضت اللبدي للتعذيب الممنهج في وضعية الشبح من الساعة التاسعة صباحا وحتى الخامسة من فجر اليوم التالي، وعشرون ساعة مقيدة بكرسي، دون استسلام للمحققين وضباط المخابرات الذين تناوبوا على محاولات انتزاع اعترافات وهمية منها.

صمدت هبة، وجن المحقق… الأمر الذي دفعهم لإبلاغها بنقلها إلى السجن، بينما كانوا في الحقيقة يرسلونها إلى غرف العصافير (وهو مصطلح يطبق على جواسيس من أصل فلسطيني يعملون لصالح الاحتلال في سجون الاحتلال يتظاهرون بأنهم أسرى، لانتزاع اعترافات من الأسرى عبر استدراجهم في الحديث) ، الذين بدورهم لا يتركون أذكى محاولة للإيقاع بالأسير، وكانوا سببًا في انتزاع الاعتراف من آلاف الأسرى.

لم يفلح العصافير في اصطياد هبة.. التي ظلت غزالة فلسطينية حرة الكلمة والروح، وإن بقي الجسد أسيراً.

وقدمت المحامية حنان خطيب شهادة نازفة عما تعرضت له موكلتها من تنكيل وتعذيب جسدي ونفسي، فقالت نقلا عنها إنها اعتقلت فور وصولها جسر النبي صباحا وتم توقيفها حوالي ساعتين.

وتنقل عنها: في البداية أغلقوا الباب علي وبقيت مجندة تحرسني، خلال هذه المدة تم تفتيشي تفتيشا شبه عار حيث رفضت إنزال ملابسي الداخلية أربع مرات على يد نفس المجندة، بعدها تم تعصيب عيني وتقييد يدي بقيود بلاستيكية وقدمي بقيود حديدية ونقلوني لقاعدة عسكرية تبعد حوالي ربع ساعة، أنزلوني وأبقوني تحت الشمس حوالي نصف ساعة، ومن ثم جاءت مجموعة مجندات واقتادوني لغرفة فسألوني عن وضعي الصحي وتم تفتيشي مرة أخرى، أخبرت المجندة بأنني بحاجة لتبديل الفوطة الصحية لأنني في الدورة الشهرية فوافقت بشرط أن تدخل معي المرحاض. كان المرحاض ضيقا جداً بالكاد يتسع لشخص، فدخلت معي بسلاحها وكانت تنظر إلي وأنا أبدل الفوطة الصحية فتملكتني الصدمة وشعرت بالحرج والإذلال وانتهاك صارخ لخصوصيتي ولحقوق الإنسان.

كما توضح هبة المشتبه بها بالانتماء للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ما تعرضت له في اليوم الأول كيف تم نقلها لشرطة المسكوبية في القدس المحتلة، وهناك أبقوها تنتظر ثلاث ساعات قبل نقلها إلى معتقل “بيتاح تكفا” بالقرب من تل أبيب.

وتابعت: وصلت بيتاح تكفا حوالي الساعة الثامنة مساء، كنت مرهقة كثيراً بسبب سفري من الأردن منذ ساعات الصباح الباكر وبسبب الدورة الشهرية وكل المعاملة القاسية، أنزلوني درجا وممرات ضيقة وكانت زنازين تحت الأرض على ما يبدو، فيما كانت المجندة المرافقة لي تدفعني دفعاً وتتعامل بفظاظة وعدوانية، بقيت في الزنزانة حوالي نصف ساعة وبعدها أخذوني للتحقيق لغاية ساعات الفجر من اليوم التالي.

وتابعت: خلال هذه الساعات الطويلة كانوا ينزلونني للزنزانة مرتين في أوقات وجبات الأكل كل مرة حوالي نصف ساعة فقط ومر يوم السبت بدون تحقيق، بعدها تم نقلي لجواسيس السجن في سجني مجدو والجلمة المعروفين بـ”العصافير” ثم أعادوني للتحقيق في “بيتاح تكفا”، طيلة 35 يوماً اعتقلت بظروف قاسية جدا والتحقيق كان عبارة عن تعذيب نفسي وكان عنيفا جداً؛ فمنذ حوالي التاسعة صباحاً لغاية ساعات الفجر من اليوم التالي، ساعات طويلة جداً داخل غرفة التحقيق جالسة على كرسي خشبي صغير مقيدة ومربوطة بشكل ثابت بالأرض مما سبب لي آلاماً شديدة في الظهر والأيدي والرقبة.

وتؤكد أن المحققين كانوا يصرخون عليها بصوت عال وكانوا يجلسون شبه متلاصقين بها حيث كانت كراسيهم قريبة منها وكانوا يحيطون بها وكأنهم يتعمدون ملامسة رجليها فكانت تحرك جسدها بعناء كبير لتبتعد عنهم، “لكنهم واصلوا الاستفزاز ولم يتورعوا عن البصاق نحوي ويرمونني بأقذر الشتائم ويسبوني. وبعض ما قالوه لي بأنني “سافلة”، “فاشلة”، “حشرة”، “حيوانة”، “بشعة جدا….علاوة على التهديد كالقول: “راح تعفني بالزنازين”. كلام قاس جداً أول مرة سمعته في حياتي. قالوا لي أنت متطرفة وسبوا الدين الإسلامي والمسيحي وقالوا لي كلاما عنصريا بذيئا كالقول: إحنا اليهود جوهرة وأنتم ديانات متطرفة، أنتم زبالة.

كما تؤكد محامية الدفاع أن الأسيرة اللبدي تعرضت لشتى أنواع التهديد والوعيد كالتهديد باعتقال الأم والأخت والخالة في محاولة لانتزاع اعتراف منها بما لم تفعله.

وتابعت: بعدما يئسوا وباءت محاولاتهم بالفشل هددوني بالاعتقال الإداري حيث قالوا لي: ما عندنا دليل ضدك لكن لدينا الاعتقال الإداري مع صلاحية تجديده لسبع سنوات ونصف، وبعدها سنعتقلك في الضفة الغربية تحت عيوننا ونمنعك من السفر للأردن ونمنع أهلك من زيارتك.

كما كشفت الأسيرة في حديث للمحامية الخطيب أن عدة محققين تناوبوا على التحقيق معها، منهم كولونيل يدعى راؤول وآخر اسمه فحم ادعى أنه سوري وعاش فترة في المغرب العربي وغيرهما، ولكن هؤلاء بالذات كانت معاملتهم سيئة جدا وأفرطوا في الشتم والتهديد، وخلال ذلك كان المحققون يلعبون أدواراً فأحدهم يمثل أنه جيد والآخر سيئ التعامل.

وتابعت في شهادتها المروعة عن اعتقالها في ما يشبه القبو: وضعوني داخل زنزانة ضيقة مليئة بالحشرات حيث كنت أصحى والصراصير والنمل والحشرات على ملابسي، أعطوني ثياب نوم رائحتها كريهة وقذرة، أما الحيطان فهي إسمنتية خشنة من الصعب الاتكاء عليها، وكنت أبيت في فرشة رقيقة بدون غطاء، بدون وسادة. الضوء مشعل 24 ساعة ومزعج للنظر، بدون تهوية طبيعية وبدون شبابيك، رطوبة عالية، المرحاض معطل وبدون ماء والرائحة كريهة.

وتابعت: طلبت فورة (خروج للساحة) نصف ساعة فرفضوا ووضعوني داخل زنزانة مجاورة لغرفة تحقيق مزعجة، وكنت أسمع صراخ معتقلين ومحققين، ويبدو أنهم أرادوا ترهيبي وإهانتي وإذلالي، كما كشفت أن الحمام في زنزانتها مثل القبر وهو مكان يتسع لشخص واحد بالكاد، قذر ولا يوجد مكان لتعليق الملابس، وبالخارج يقف على بابه سجانون وسجانة يسمعون صوت الماء، وكنت خائفة خلال استحمامي أن يفتح أحدهم الباب في أي لحظة.

وعن الطعام تقول الأسيرة اللبدي إنه مقزز فكانت تكتفي بقليل من الخبز واللبن كي تبقى على قيد الحياة، بينما اعتاد المحققون على تناول طعامهم الفاخر أمامها.

وعن ظروف الاعتقال في معتقل الجلمة قضاء حيفا، فكانت صعبة للغاية وعنها تقول: شعرت بأنني داخل بيت بلاستيكي فالزنزانة مقابلها ساحة مغطاة ببلاستيك من جميع النواحي وبدون تهوية طبيعية. الرطوبة عالية وبدون مكيف. صراصير ونمل وحشرات بكميات كبيرة جداً داخل الزنزانة وطعامهم لا يؤكل. انتظرت داخل سيارة نقل السجناء “البوسطة” حوالي ساعتين وبعدها قالوا لي بأنه عندي محكمة، وإذ بهم ينقلوني لسجن مجدو حيث بقيت ثلاثة أيام هناك. كانت الغرفة باردة جدا، طلبت غطاء فلم يعطوني سوى شرشف وفرشة رقيقة بدون ملف وبدون وسادة، كمية النمل كانت غير طبيعية. وبعد ذلك تم إرجاعي لتحقيق بيتاح تكفا حيث صدمت لأنهم أعلموني بانتهاء التحقيق ونقلي للدامون، وعندما أرجعوني من عند العصافير قالت لي المجندة: إذا لم تحتملي الوضع وتحتاجين مهدئات سأعطيكي فالكل هنا يتعاطى المهدئات، فقلت لها: أعطيها للمحققين الذين فقدوا أعصابهم وهم يحققوا معي فهم يحتاجوه أكثر مني.

كما استذكرت إبقاءها داخل البوسطة (مركبة نقل الأسرى) وهم يشغلون المكيف بدرجة حرارة عالية وينزلون لاستكمال الإجراءات: كانوا يبقونني حوالي 3-4 ساعات وكنت أقول للمجندة المرافقة إنه حار جدا فتقول لي إنني أعلم ذلك.

وتضيف: مكثت 9 أيام أخرى في بيتاح تكفا حققوا خلالها معي 3-4 مرات، وآخر 6 أيام لم يحققوا معي، وبدون سبب أبقوني بمثل هذه الظروف القاسية كنوع من التعذيب والانتقام، مشددة على أن العنف النفسي أشد من العنف الجسدي فهو متعب أكثر وآثاره لا تزول وهم كانوا يتعمدون إرهاقها نفسياً، موضحة أن كمية الحقد والعدوانية لم ترها من قبل.

وتابعت: كنت أشعر أنني بمحددة كلها أبواب وأقفال حديدية وكذلك قلوبهم من حديد، لقد فقدت الإحساس بوجودي كإنسانة فهم لا يعرفون الإنسانية، وأخبرت المحقق أن التعذيب النفسي عندهم أشد وأعظم من الجسدي فقال لي إنه يعلم ذلك.

وبعد “بيتاح تكفا” تم نقل هبة اللبدي في 18-9-2019 إلى قسم 3 في سجن الدامون مع الأسيرات الفلسطينيات. وعن ذلك قالت: “كل أسيرة ولها قصة، ولكن صدمتي كانت كبيرة عندما رأيت الأسيرة الجريحة إسراء الجعابيص والأسيرات المصابات. قصص الاحتلال عندما تسمعها من الخارج ليس كما تعيشها.

ربما يعجبك أيضا