لماذا الصمت الأوروبي تجاه سياسات أردوغان في ليبيا؟

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

منذ عام 2011، ولحد الآن وسياسات أنقرة إقليميا ودوليا، تقوم على إشعال النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية، في سوريا وشرق المتوسط وفي ليبيا وأفريقيا ومناطق أخرى، مع غياب موقف واضح الاتحاد الأوروبي تجاه سياسات أردوغان التي تتنافى مع قواعد النظام الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي خاصة ما يتعلق بالتورط بدعم التنظيمات المتطرفة مباشرة وتدوير الإرهاب والمرتزقة في مناطق الصراع.. وهذا ما يثير الكثير من الشكوك حول مواقف الاتحاد الأوروبي؟ وإن كانت هناك صفقات واتفاقات مع أردوغان لم يتم الإعلان عنها -أخرها مؤتمر برلين2- حول ليبيا؟.  

خاطب رئيس جهاز المخابرات الليبية اللواء حسين العائب رئيس الحكومة يوم 25 يونيو 2021  بشأن عزم تنظيم القاعدة الإرهابي تنفيذ عمليات غرب البلاد، وأوضح خطاب مسرب نشرته وسائل إعلام ليبية أن جهاز المخابرات الليبي تواردت إليه معلومات شبه مؤكدة أن ما يعرف بـ”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” يعتزم تنفيذ عمليات إرهابية في ليبيا وتحديدا بالمنطقة الغربية طرابلس – الزاوية – صرمان. 

وأثار تسرب الخطاب إلى الإعلام حفيظة الليبيين حول دلالات التوقيت خاصة أنه موسوم بالـ”سري وعاجل وهام” وموجه من جهات أمنية يفترض أن تعي معنى السرية “رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية وجهاز الأمن الداخلي، وجهاز مكافحة الإرهاب وجهاز دعم الاستقرار”.

إن تسريب خبر عزم تنظيم القاعدة شن عمليات إرهابية، ممكن أن تكون تركيا خلفه، إذ يأتي في توقيت حساس بعد انتهاء مؤتمر برلين 2 وقرار ‘خراج المرتزقة والقوات الأجنبية، ما يمكن أن تستفيد منه تركيا من التسريب هو  تعزيز فكرة بقاء قواتها والجماعات المرتزقة في ليبيا، ما بعد الانتخابات الليبية وربما ما بعد ذلك، وهي تطرح نفسها داعما للحكومة الليبية ولسير الانتخابات في ليبيا المقرر عقدها في ديسمبر 2021.  

الحضور “الجهادي” في ليبيا

بدا أن “الجهاديين” في ليبيا فقدوا اتجاههم  في أوائل عام 2021 ، لم يتعاف داعش قط من فقدان موطئ قدمه في درنة وسرت في عام 2016، كما فشل في الاندماج في البنية الاجتماعية القبلية إلى حد كبير في ليبيا، وقُتل زعيم التنظيم  أبو معاذ العراقي ، على يد الجيش الوطني الليبي في عام 2020، وتناثرت بعض فلول تنظيم داعش، في المدن الكبرى  وشن تنظيم داعش هجوما في الجنوب في محافظة فزان.

ويعتبر فرع القاعدة في ليبيا، التنظيم الثاني في شمال أفريقيا بعد الجماعة الجهادية في الجزائر، التي أعلنت مبايعتها للقاعدة في يناير2007، وهنالك معسكرات تدريب للتنظيمات الجهادية في المناطق الصحراوية النائية التي تغيب فيها سيطرة الحكومات وباتت تهدد فرنسا في مالي ودول الناتو.

ويعتبر معسكر أو قاعدة الوطية الجوية، غرب ليبيا، أحد المعسكرات الرئيسية لتنظيمات وفروع القاعدة في شمال أفريقيا، كذلك معسكرات مصراته وبنغازي والجبل الأخضر.

قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان يوم الثاني من يونيو 2021 ،إن الولايات المتحدة تعرض مكافأة بقيمة سبعة ملايين دولار مقابل اعتقال الجزائري أبو عبيدة العنابي، المعروف أيضاً باسم يزيد مبارك، والذي أصبح في نوفمبر 2020  زعيماً لـ”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” خلفاً لمواطنه عبدالمالك دروكدال الذي قُتل في يونيو 2020 في شمال مالي بأيدي القوات الفرنسية المنتشرة هناك.

الوجود التركي في ليبيا ومنطقة الساحل وغرب أفريقيا

من المتوقع أن تبدي أنقرة اهتماماً متزايداً بمنطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا ، وأن تواصل جهودها نحو تعزيز الدور التركي هناك في ظل صعوبة الفصل بين تطورات الملف الليبي وملف غاز شرق المتوسط ​​وتداعياتهما لمنطقة الساحل والصحراء وتطلع تركيا للعب دور أكبر على الصعيدين القاري والدولي. 

وتسيطر تركيا على عدد من القواعد العسكرية والجوية والبحرية في الغرب الليبي، أشهرها: قاعدة الوطية، وقاعدة معيتيقة المجاورة للمطار الذي هبط فيه آكار، وجندت أنقرة أكثر من 20 ألف مرتزق سوري.

تشكل مسألة سحب القوات الأجنبية من ليبيا ملفا مركزيا في مؤتمر برلين، إذ تغذي قوى خارجية تحديدا تركيا  بشكل واسع النزاع في البلاد كما تضع عقبات أمام تنفيذ تفاهمات الأطراف الليبية على طريق تسوية الأزمة، وقدرت الأمم المتحدة المرتزقة  بنحو 20 ألف إلى جانب المقاتلين الأجانب في ليبيا وينتشر مئات من العسكريين الأتراك بموجب اتفاق ثنائي مبرم مع حكومة طرابلس السابقة.

مهادنة الاتحاد الأوروبي لسياسات أردوغان

يمكن لتركيا أن تعتمد على الدعم أو الصمت من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة لأنها كانت تهدد بدفع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوروبا في شتاء عام 2019، ,كانت الرسالة واضحة للاتحاد الأوروبي: إما السماح لتركيا بالاستيلاء على جزء من البحر الأبيض المتوسط ​​والاستيلاء على جزء من ليبيا وإرسال السوريين إلى هناك، أو أن السوريين – وبعضهم من المتطرفين – سيكونون مشكلة أوروبا. 

إن سياسة مهادنة دول أوروبا خاصة ألمانيا لسياسات أردوغان في ليبيا، واستمرار بقاء القوات التركية والمرتزقة في ليبيا، رغم الضغوطات الدولية ورغم مخرجات برلين واحد واثنين، يثير الكثير من الشكوك، حول الموقف الأوروبي تجاه سياسات أردوغان ؟

النتائج

ـ ليس من المستبعد أن هناك صفقات غير معلنة ما بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، في أعقاب سياسات أنقرة وحضورها في شرق المتوسط وتهديدها للجزر اليونانية، وقد يكون هناك اتفاق ما بين الطرفين ” إطلاق يد أردوغان في ليبيا، مقابل ترك منطقة شرق المتوسط وعدم تهديد اليونان”  وربما هناك صفقة ما بين الطرفين، أن يكون وجود المرتزقة والقوات التركية في ليبيا مقابل تعهد تركي بإيقاف موجات الهجرة من داخل ليبيا و تركيا إلى دول أوروبا.

ـ من المتوقع أن تزداد مظاهر الأمننة والعسكرة في علاقة تركيا بدول المنطقة خلال المرحلة المقبلة في ظل المشاهد الأمنية والجيوسياسية المتشابكة والمعقدة في منطقة الساحل والصحراء، وتتزايد احتمالية اندلاع صدام فرنسي – تركي في المستقبل، قد يتخذ أشكالاً وتعابير مختلفة، في ظل تهديد التوسع التركي لمصالح فرنسا ونفوذها التقليدي في القارة الأفريقية ، والقلق المتزايد من دول أوروبية بشأن التحركات التركية في منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا في ظل حساسية الملفات التي تهدد الأمن الأوروبي. 

ـ إن بقاء المرتزقة والقوات التركية حتى ما بعد الانتخابات الليبية المقرر عقدها في ديسمبر 2021، يعني تهديدا لعقد الانتخابات.

ـ  من المتوقع أن يبقى الموقف الأوروبي مهادنا لسيسات أنقرة إقليميا ودوليا.. في سوريا وشرق المتوسط و في ليبيا وغرب أفريقيا، ربما ماعدا الموقف الفرنسي، كون تركيا تطرح نفسها “ندا” لفرنسا في غرب أفريقيا وفي الساحل الأفريقي، وهذا يعني أن الدور التركي في ليبيا سوف يترسخ أكثر باستنساخ السيناريو السوري.

ربما يعجبك أيضا