بعد «أوميكرون».. كيف نتجنب صدمات تحور الفيروسات في المستقبل؟

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

منذ أن أطلقت منظمة الصحة العالمية على متحور B.1.1.529 صفة متحور مثير للقلق اسمه أوميكرون، وذلك بناء على توصية الفريق الاستشاري التقني للمنظمة المعني بتطور الفيروس، وتتوالى النداءات بضرورة توافر جرعات اللقاحات في الاقتصادات الناشئة، وذلك في إشارة إلى أن المشكلة فعليًا ليست في العرض وإنما الطلب.

 استند هذا القرار إلى البيّانات التي حصل عليها الفريق الاستشاري بشأن تعرض متحور أوميكرون لطفرات عديدة قد تؤثر على سلوكه، أي مثلاً سهولة انتشاره أو شدة المرض الذي يسببه.

في هذا الصدد، توفر جنوب إفريقيا، حيث رُصِد “أوميكرون” للمرة الأولى، نقطة بيانات واحدة تدعم هذه الفرضية. فعلى الرغم من حقيقة أنه بالكاد جرى تطعيم 24% من سكان الدولة الإفريقية بشكل كامل، فإنّ وزارة الصحة طلبت من شركتَي “جونسون آند جونسون” و”فايزر” تعليق تسليم اللقاحات، لأن مخزونها الحالي كان أكثر من كافٍ مقارنةً بمعدلات الاستهلاك المتدنية الحالية، ويبدو جليا أن الطلب خارج الدول الغنية ليس هو العامل المقيّد الرئيسي للتلقيح، حسبما ذكرت وكالة بلومبيرج، اليوم (السبت).

ووفقاً للبيانات التي جمعتها منظمة “اليونيسف”، تُعَدّ الدول الـ51 التي لديها اتفاقيات توريد للقاحات تكفي لتغطية سكانها بالكامل، دولاً ذات دخل مرتفع باستثناء 14 دولة.

من جانب آخر، تعتبر الطاقة الإنتاجية لتصنيع اللقاحات، التي تقدر بواقع 11.435 مليار جرعة هذا العام، حسب قاعدة البيانات الموجودة لدى جامعة “ديوك”، غير كافية لتلقيح كل شخص على ظهر هذا الكوكب بجرعات مزدوجة، لكن الدول الغنية، حيث جرى تطوير معظم اللقاحات، تمكّنت من انتزاع نصيب الأسد من إنتاج كل من الجرعات التلقيحية الأولى، والثانية، والثالثة المعززة، حتى الآن.

تطعيمات ضد كورونا
تطعيم اليافعين ضد كورونا

معالجة إحجام الناس عن التطعيم

تشير الأرقام إلى أن ذلك الوضع من المحتمل أن يتغير في العام المقبل، إذ أكدت “اليونيسف” أنه سيكون لدينا القدرة على إنتاج نحو 23.53 مليار جرعة، وهو معدل أكثر من كافٍ لتلقيح كل شخص على ظهر هذا الكوكب ثلاث مرات. وفي هذه المرحلة قد يشكل التردد في العالم غير الملقح مشكلة حقيقية، بل إن كل ما نقوم به الآن من المرجح أن يزيد الأمر سوءاً.

غير أن معالجة إحجام الناس عن اتخاذ إجراءات ضد الأمراض الوبائية ليست بمشكلة حديثة. في الواقع، من ذروة القضاء على الجدري في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلى الحملة الحالية للقضاء على آخر بقايا شلل الأطفال ودودة غينيا، تدخل محاولات معالجة إحجام الناس عن اتخاذ إجراءات ضد الأمراض الوبائية في صميم عمل منظمات مثل منظمة الصحة العالمية عاماً تلو عام.

بذلك تصبح الدروس المستفادة من هذه التجربة للدول منخفضة الدخل واضحة إلى حد ما، إذ يحتاج الناس إلى خبراء خارجيين في الصحة العامة لإبداء اهتمام حقيقي بالمشكلات التي يواجهونها، بدءاً من نقص مياه الشرب والصرف الصحي ومرافق الطهي النظيفة، إلى الأمراض المهملة والمتوطنة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا والإسهال.

بشكل مثالي، يجب أن تشكل اللقاحات جزءاً من حزمة من التدابير لتحسين الصحة، وليس حملة تُطلَق لمرة واحدة بشكل مفاجئ في المجتمعات النائية. وإذا كانت كل من دوافع أولئك الذين يقودون حملات التلقيح والتأثيرات المباشرة على أولئك الذين يتلقون الجرعات غير واضحة، فقد يؤدي ذلك إلى بث الشك ونظريات التآمر في نفوس السكان، خصوصاً بين الفئات الضعيفة منهم.

على الجانب الآخر، تنطوي هذه المعركة على بعض المزايا، فقد أصبحت إفريقيا أكثر تحضراً من معظم دول آسيا، ما يعني انعزال عدد أقل من سكان الريف عن المعلومات الصحية الروتينية، وعلى الرغم من نقص التمويل فإن أنظمتها الصحية العامة معدة جيداً لمواجهة “كوفيد” لأن الأمراض المعدية شكّلت دائماً التهديد الرئيسي للسكان المحليين، وهو ما يتناقض مع المخاطر الصحية لدى الدول الغنية التي توجه الموارد أكثر نحو أمراض الشيخوخة، مثل السرطان وأمراض القلب.

لذلك، علينا الالتفات إلى تلك الدروس والعمل بسرعة على تلافي الأخطاء. وفي حين أن التعداد المنخفض لسكان إفريقيا الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً قد يحميهم من التفشيات الكبرى، فإنّ إرث فيروس نقص المناعة البشرية وانتشار نقص التغذية يعني أن عدداً كبيراً بشكل استثنائي من السكان يعانون من ضعف في جهاز المناعة، ما يساعد على تحور متغيرات جديدة مثيرة للقلق من سلالات الفيروسات التاجية مثل “كوفيد”.

قد تشعر الدول الغنية بالأمان خلف الحواجز التي أقامتها من التعزيزات وقيود السفر. غير أن تلك الدفاعات ستظل تحت هجوم مستمر إلى أن تتم حماية العالم بأكمله.

ربما يعجبك أيضا