«الفيدرالي الأمريكي» يسعى لمنع انزلاق الاقتصاد إلى الركود.. هل ينجح؟

عبدالرازق محمد

قفز معدل التضخم في مارس الماضي إلى أعلى مستوى له خلال 40 عامًا ويبدو أن الفيدرالي الأمريكي لن يتراجع عن تشديد السياسة النقدية حتى يعود إلى مستويات مقنعة


مثّل ارتفاع التضخم خلال الربع الأول من العام 2022 ضغطًا على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي “البنك المركزي” ما دفعه لرفع الفائدة مرتين.

ورفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة فى مارس 2022 بـ0.25%، ثم 0.5% في مايو الحالي، للحيلولة دون الوصول إلى الركود التضخمي. ويعرف الركود التضخمي بـ”النمو سلبي في الناتج المحلي الإجمالي لأي بلد خلال ربعين متتاليين”.

التضخم

التضخم الأعلى خلال 40 عامًا

قفز معدل التضخم في الولايات المتحدة بنهاية مارس الماضي إلى أعلى مستوى له خلال 40 عامًا، وبلغ 8.5% على أساس سنوي، من جراء ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية تحت ضغط الحرب الروسية الأوكرانية، في حين بلغ التضخم الأساسي مع استبعاد السلع المرنة الطاقة والغذاء 6.5%.

ودفع النمو في التضخم في البلدان المختلفة أكثر من 22 بنكًا مركزيًّا حول العالم إلى رفع سعر الفائدة خلال الأيام القليلة الماضية، لكبح جماح التضخم وانتشال الأسواق من الركود التضخمي. وخلال الفصل الأول من العام الحالي، حقق الاقتصاد الأمريكي أسوأ أداء منذ منتصف 2020، بعد أن انكمش بمقدار 1.4% مع ارتفاع مخاطر التضخم.

محاولات الفيدرالي لعلاج الانكماش

انكماش مفاجئ

وفقًا لتقرير صادر عن البنك المركزي الأمريكي نقلت جزء منه اقتصاد الشرق، فإنه يعتزم رفع الفادة مجددًا في يونيو ويوليو المقبلين، في تكرار لما حدث عام 1994، عندما رفع الفيدرالي معدلات الفائدة 7 مرات خلال عام، بينها مرتين بواقع 0.5%.

وتحت ضغوط التضخم، ترتفع أسعار الفائدة وتتزايد الاحتمالات بأن يصاب الاقتصاد الأمريكي بالركود، وهذه الاحتمالات تأتى بالتزامن مع خفض صندوق النقد الدولي لتوقعات نمو الاقتصاد الأمريكي إلى 7.3% في 2022، و2.3% خلال 2023.

طمأنة السوق

الانفاق الاستهلاكي

في 4 مايو الحالي، حاول رئيس الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، طمأنة السوق الأمريكية بشأن خطته الخاصة برفع أسعار الفائدة، قائلًا إنه “لا يوجد شيء في الاقتصاد يوحي بأننا على وشك الركود، ويوجد احتمال قوي أننا سنكون قادرين على خفض التضخم دون التسبب في خسائر فادحة في الوظائف” وفقًا لما نقلته محطة CNN الإخبارية.

وأشار باول إلى أن أزمة سلاسل التوريد قد تستمر إلى وقت أطول من المتوقع بسبب إجراءات إغلاق كورونا في الصين، وقد تزيد الحرب الروسية الأوكرانية من الضغوط التضخمية. ويشار هنا إلى أن الرفع الأخير في معدلات الفائدة كان الأعلى منذ العام 2000، وهي خطوة يراها أغلب خبراء الاقتصاد حول العالم بأنها “تاريخية”.

مراكمة الأصول

انتهج الفيدرالي الأمريكي سياسة التوسع في ميزانيته منذ جائحة كوفيد-19، وبلغت أصول البنك نحو 9 تريليونات دولار في مارس 2022، في مقابل 4.1 تريليون دولار قبل الجائحة، وفي مارس 2020 قفزت إلى 5.2 تريليون دولار بمعدل تغير 26% عن الشهر السابق.

واستمر الفيدرالي الأمريكي في عمليات الشراء للأصول بمعدل 3.3%، ومتوسط شراء شهري يقدر بـ192 مليار دولار، وبلغ إجمالي مشترياته خلال 25 شهرًا 4.7 تريليون دولار، بما يعطيه القدرة على التصدي للركود عبر التخلي عن أصوله، والوصول إلى معدلات تضخم 2019 المثالية عند 2%.

وارتفعت تكاليف التوظيف خلال الربع الأول من العام الحالي بأكبر نسبة مقارنة بالبيانات التي تعود إلى أوائل العقد الأول من القرن 21، وزاد الإنفاق المعدّل وفق التضخم بقدر غير متوقع الشهر الماضي، وفقًا لـ”الشرق بلومبيرج”.

مرونة استهلاكية

لماذا يتخوف المستثمرون من الركود؟

في نهاية مارس الماضي، ظهر منحنى العائد على سندات الخزانة الأمريكية متراجعًا لأول مرة منذ سبتمبر 2019، وهو وضع غير طبيعي يرتبط ظهوره غالبًا بركود وتباطؤ اقتصادي في السوق الأمريكية، وكلما احتفظت الحكومة بأموال المستثمر لفترة أطول أو طال أمد استحقاق السند، زادت المخاطر التي يتحملها المستثمر حامل السند، بحسب أرقام.

وشهدت الأسابيع الأخيرة إقبالًا من المستثمرين على سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل، مع هروب من نظيرتها قصيرة الأجل، ما زاد من الطلب على الأولى، وبالتبعية قلل من العائد عليها، ومضي الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة، يجعل السندات الطويلة الأجل أفضل بالنسبة للمستثمر من تلك قصيرة الأجل، فالأخيرة سيحصل المستثمر على أمواله، وتصبح عملية استثمارها مجددًا صعبة.

محاولات لتخطي الأزمة

سجل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة 6 حالات ركود، سبق هذه الحالات الست انعكاس المنحنى مدة بلغت في المتوسط 12 شهرًا، وبفرض أن الركود المقبل سيكون على نفس النهج، فمن المتوقع أن يقع بعد عام من انعكاس المنحنى، أي في 2023.

ولكن باول مستمر في خطته في رفع سعر الفائدة، رغم تحذير محللي اقتصاد من أن انتهاج سياسة الرفع المستمر للفائدة في محاولة لوقف التضخم، قد يؤدي إلى الركود، ما يعترف به رئيس الفيدرالي الأمريكي.

استمرار تشديد السياسة النقدية

قال جيروم باول إن الفيدرالي “سيواصل الدفع” باتجاه تشديد السياسة النقدية، حتى يصبح واضحًا أن التضخم يتراجع، وأضاف في ندوة نظمتها صحيفة وول ستريت جورنال “ما نحتاج أن نراه هو أن ينخفض التضخم بطريقة واضحة ومقنعة، وسنواصل الدفع حتى نرى ذلك”.

وفي المقابل تأتي تصريحات البيت الأبيض قلقة، وتشير تصريحات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى أن إدارته تدرس إمكانية إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها سلفه، دونالد ترامب، في 2018 على منتجات صينية بقيمة 350 مليار دولار سنويًّا، ما قد يسمح بإبطاء ارتفاع الأسعار.

ويُفترض أن تنتهي صلاحية هذه الرسوم الجمركية في 6 يوليو المقبل، وأعلن مكتب الممثلة التجارية الأسبوع الماضي بدء مشاورات لتعديلها أو حتى إلغائها في سياق تضخم غير مسبوق منذ بداية الثمانينيات. وقال بايدن: “نناقش الأمر، لم يتمّ اتخاذ أي قرار بعد”.

ربما يعجبك أيضا