eurasiafuture | لحظة الحقيقة.. لماذا تستمر إخفاقات جامعة الدول العربية؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

أقول لمن يتذمرون من أن الاتحاد الأوروبي شديد البطء في عمليات صُنع القرار، أو أن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) تعمل ببطء شديد في إطار عمليات صنع القرار، عليهم أن يكونوا شاكرين لأن أنظمتهم أكثر فاعلية من جامعة الدول العربية، وهي هيئة متعددة الأطراف أقدم من المنظمتين سالفتي الذكر.

وقد تأسست الجامعة العربية في القاهرة عام 1945 من أجل تعزيز الوحدة بين الدول العربية التي خرجت لتوّها من نيران الهيمنة الإمبريالية، ولكنها لا تُعد اليوم أكثر من مجرد "دكانة كلام" مذهبة، حيث ينخرط القادة العرب في اجتماعات مقتضبة بينما يتبادلون المجاملات الفارغة، قبل العودة إلى الحرب ضد بعضهم البعض، وتمويل الإرهاب ضد بعضهم البعض، ومقاطعة بعضهم البعض، والتهكم علانية على بعضهم البعض أيضًا. وحتى قضية فلسطين– وهي القضية الوحيدة التي ينبغي أن توحِّد العالم العربي أكثر من أي شيء آخر – جرى تحويلها بدرجة كبيرة إلى لغة خالية من أي أعمال القمم العربية واحدة تلو أخرى.

وربما يسأل مراقبون عن تطورات أشكال التعاون متعدد الأطراف في جميع أنحاء العالم، كيف حدث ذلك؟ وفي نهاية الأمر، فإن جنوب شرق آسيا وأوروبا موطن العديد من اللغات المختلفة وحتى الأبجديات المختلفة، في حين أن اللغة العربية في العالم العربي هي اللغة الأم ولغة الكتابة. ليس لدى جنوب شرق آسيا وأوروبا أغلبية واضحة من السكان الذين يمارسون دينًا واحدًا، بينما في العالم العربي الإسلام هو الدين الأكثر انتشارًا. وجنوب شرق آسيا هي موطن لكثير من الدول التي تتكون من جزر كلٌّ لها تاريخ مختلف، في حين يختلف شمال أوروبا مناخيًّا عن جنوبها، وعلى النقيض من ذلك، نجد أن العالم العربي هو أكثر تشابهًا من الناحية المناخية والطوبوغرافية من منطقة جنوب شرق آسيا أو قارة أوروبا.

وعندما أَسأل العرب: لماذا أصبح زعماؤهم أكثر تفرقًا من ذي قبل؟ يردون عليَّ بكل الأعذار التي يمكن تصورها، والتي تتراوح بين الاختلافات في اللهجات العربية، وبين المقاربات المختلفة للعلمانية في مقابل النزعات الدينية، وحتى يقدمون دفاعات قوية حول أسباب كون الوحدة العربية أمرًا مستحيلاً؛ ذلك لأن المطبخ المغربي يختلف عن مأكولات بلاد الشام، بينما يختلف الترفيه الخليجي عن الموسيقى اللبنانية!

ربما يكون العرب الذين يقدّمون هذه الأعذار قد تناسوا أن سنغافورة هي أمة مكونة من ثلاث مجموعات عِرقية مختلفة تاريخيًّا ومستقلة في الوقت الحاضر، ومع هذا فهي تعيش الآن في وئام في إحدى أكثر دول العالم نجاحًا في التجارة مع غيرها من دول الآسيان المتعددة الأعراق والثقافات، بما في ذلك ماليزيا وإندونيسيا. قد يتناسى مثل هؤلاء العرب أيضًا أنه عندما أُرهِقَ الأوروبيون من تقتيل بعضهم البعض بناءً على اختلافات في الطوائف المسيحية، أصبحت القارة أكثر ازدهارًا من أي وقت مضى؛ لأن الفروق بين الأرثوذكسية والبروتستانتية والكاثوليكية الرومانية أكبر من تلك التي بين الإسلام السني والإسلام الشيعي؛ لأن فكرة أن الانقسام السُّني الشيعي هي ذريعة لعدم الوحدة العربية جرى تفنيدها، على الأقل لأن الدول العربية التي تقاطع دولة قطر المسلمة السنية، هي كلها دول ذات أغلبية إسلامية سنية. ومع ذلك فخلال 25 أو 30 سنة الماضية لم يتم مناقشة الفجوة السنية الشيعية، ومنذ منتصف القرن العشرين، لم يتم بلورة مثل هذا الانقسام.

حقيقة الأمر هي أن الجشع الوطني وقصر النظر الثقافي والموقف الذي يجمع بين غطرسة الإمبراطورية وعقدة الضحية المحتلة، لا يزال يؤخر تقدم العالم العربي. ولا يوجد شيء يجعل هذا واضحًا تمامًا كما يفعل نقص الطاقة المكرسة لتحسين الوضع المادي لشعب عربي واحد، كما يتم عرضه مرة تلو الأخرى خلال اجتماعات الجامعة العربية.

وهكذا، ففي حين كان العربُ متّحدين في الماضي، وفي حين أن العناصر الضرورية التي تعزّز الوحدة أقوى في العالم العربي منها في جنوب شرق آسيا أو أوروبا، فعندما يتعلق الأمر بالشقاق والفرقة، تجد العرب قد تفوقوا في الاقتتال الداخلي وحتى التخريب عبر الوطني، على جميع الجماعات البشرية المعترف بها في العالم.

لكن عندما كان الأوروبيون يعيشون في العصور المظلمة، كان العالم العربي رائدًا في الرياضيات والطب والهندسة المعمارية والزراعة والأنظمة القانونية العادلة. وبالمثل، عندما كانت التكنولوجيا، مثل تلك التي توحد أراضي جنوب شرق آسيا، تبدو مهمة مستحيلة، فإن الخلافة العربية كانت تنمو بقوة وتزدهر بفضل الوحدة العليا. ومع ذلك، فاليوم نادرًا ما تتم مناقشة سبب الوحدة العربية، على الرغم من أن الجامعة العربية تم تأسيسها في سنواتها الأولى لتكون بمثابة منتدى لتعزيز التعاون وتمهيد الطريق نحو عالم عربي أكثر اتحادًا.

إن حل جميع المشاكل التي تواجه العالم العربي – والتي تتراوح من مكافحة التطرف، إلى سد فجوة الثروة بين دول مثل السعودية من ناحية واليمن من جهة أخرى، والعمل على تنويع المحفظة الاقتصادية الأوسع للدول العربية الغنية بالنفط – يتمثل في الوحدة. فإذا ما اتحد العالم العربي لتشكيل اتحاد واحد أو كونفدرالية، فإنه سيكون ثالث أكبر دولة في العالم، بعد الصين والهند وقبل الولايات المتحدة. وبسبب ثروته من الطاقة، وتحكمه في بعض الممرات البحرية الأكثر أهمية في العالم، ومناخه الجذاب وسكانه الأصغر سنًا من إجمالي عدد سكان أوروبا، فإن مثل هذا الاتحاد العربي سيكون قوة عالمية كبرى.

لكن وبدلاً من الطموح إلى مكانة القوة العظمى، يتطلع القادة العرب، وحتى المواطنون العاديون إلى أقل من ذلك بكثير، ويمكن أن تكون جامعة الدول العربية واحدة من أقوى الهيئات في التاريخ الحديث، ولكنها بدلاً من ذلك تبدو وكأنها نادٍ للابتسامات والأحضان القسرية التي لن تدوم طويلاً بما يكفي للتوقف مؤقتًا عن سياسات التآمر التي تحدّد بشكل مأساوي العلاقات بين العديد من الدول العربية. 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا