intpolicydigest | حلول مُبتكرة .. تعرف على التجربة الإماراتية في مجال الأمن الغذائي

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في ظل المخاوف المتزايدة من تغير المناخ، والتمدن والزيادة السكانية في دول مجلس التعاون الخليجي، هناك قضية رئيسية مطروحة على طاولة كل دول الخليج، ألا وهي الأمن الغذائي.

وبالنسبة إلى منطقة تستورد ما يصل إلى 90% من إمداد الغذاء الحالي، يظل الاكتفاء الذاتي تحديًا كبيرًا، ووفقًا للإحصاءات المتعلقة بالمياه، تستهلك دول مجلس التعاون  في الوقت الحالي ما يصل إلى 500% من إجمالي موارد المياه العذبة، وحيث إنه من المتوقع أن يرتفع الطلب بنسبة 40% خلال الـ30 سنة المقبلة، من المتوقع أيضًا أن ينخفض الترسيب في المنطقة، وبالإضافة إلى هذا، لأن ثلث إمداد غذاء المنطقة يمر عبر ممر مائي ضيق واحد، فإن تأكيد السيطرة على هذه الممرات الضيقة يمكن أن يصبح سياسيًّا ويتسبب في حالة طوارئ خاصة بالأمن الغذائي، والمثال الأحدث هو الأيام الأولى من مقاطعة  قطر في 2017 (لاحظ أن معدل الاعتماد على الواردات في الخليج يصل إلى 70%). وأخيرًا، ما يُعقِّد المسألة هو هدر الطعام في المنطقة.

في تقرير صدر في 2019 من مجمع دبي الصناعي ووحدة المعلومات الاقتصادية التابعة لإيكونوميست، يبلغ هدر الطعام السنوي في السعودية حوالي 427 كجم للشخص و197 كجم للشخص في الإمارات. وعلى النقيض، يتراوح هدر الطعام في أوروبا وأمريكا الشمالية من 96 إلى 115 كجم للشخص.

وبينما تواصل المنطقة النمو على نحو متزايد، تبنّت الإمارات عدة تكتيكات شاملة للتعامل مع الأمن الغذائي، وسيُبرز هذا المقال القليل منها، من ضمن هذه الأساليب استراتيجية الأمن الغذائي الشاملة، والزراعة بالتكنولوجيا المتقدمة، وكذلك أيضًا إقامة منصات دولية لرعاية الحوار والابتكار المتعلقين بحلول الأمن الغذائي.

في أواخر العام الماضي، أعلنت وزيرة الدولة الإماراتية للأمن الغذائي، مريم المهيري، الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، وبحسب المهيري، تأتي الخطة في وقت عصيب نظرًا لأن "مناخ الإمارات تجعلها ضروريًّا لنا على نحو استثنائي أن نطور خططًا شمولية وطموحة من أجل ضمان أمننا الغذائي". وتقوم الخطة على ثلاثة عناصر رئيسية: المعرفة بحجم الاستهلاك المحلي، وسعة الإنتاج، والمعالجة والاحتياجات الغذائية. بالإضافة إلى هذا، تركز المبادرات طويلة المدى على تسهيل تجارة الغذاء العالمية، وتنويع مصادر الواردات الغذائية، وتحديد خطط الإمداد البديلة. تسعى الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي إلى نقل الدولة إلى أفضل عشر دول في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول 2021، وهي رؤية تتماشى مع رؤية 2021 الخاصة بالدولة (في الوقت الحالي، تأتي الإمارات في المركز 31).

إن جزءًا من نهج الدولة لتحقيق هذه الأهداف هو زيادة إنتاج الغذاء المحلي، وأحد الطرق لفعل هذا هي الزراعة العمودية. في العام الماضي، خصّصت دبي 7600 متر مربع من الأراضي لأول 12 مزرعة عمودية بالمنطقة، وهي طريقة وظفتها سنغافورة (التي تحتل المركز الأول في مؤشر الأمن الغذائي العالمي).   

بالإضافة لهذا، أطلقت الدولة عدة برامج رئيسية يمكن أن تحتذي بها الدول المحيطة؛ نظرًا للمناخ المتشابه وعمليات التمدن التي تشهدها. تشمل هذه المبادرات منصة وادي الغذاء، وهي قاعدة بيانات تحتوي على معلومات تخص الأبحاث وتنمية الأمن الغذائي، بما فيها تمويل الموارد، وآليات تسجيل براءة الاختراع، وتجميع للمكتشفات العالمية. أيضًا، كطريقة لحشد الجمهور في معالجة الأمن الغذائي، أطلقت الإمارات منظومة الحوكمة الوطنية للأمن الغذائي، وهي هيئة صناعة سياسة تشمل ممثلين وأطرافًا معنية من جميع قطاعات المجتمع لمناقشة ومعالجة سياسات الأمن الغذائي. وحيث إن الكثيرين يجادلون بأن قضايا تغير المناخ، والجفاف، والأمن الغذائي كانت مسببات رئيسية للربيع العربي، تُعد هذه المنصة طريقة مناسبة لضمان المشاركة الشعبية في التعبير عن تلك المخاوف ومعالجتها. 

واحدة من الطرق الأخرى التي تتبناها الدولة هي الزراعة بالتكنولوجيا المتقدمة. وكما ذُكر سابقًا، تأخذ الإمارات زراعتها العمودية من سنغافورة؛ بيد أن هذه ليست الطريقة الوحيدة؛ فقد تبنت الدولة أيضًا الزراعة دون تربة والزراعة في الماء، وهي بديل للطرق كثيفة الاستهلاك للماء والتي ارتفعت من 50 مشروعًا في 2009 إلى 1000 في 2017. تشمل الركائز الأخرى لأجندة الأمن الغذائي الاستزراع المائي، وبصفتها دولة ساحلية، استثمرت الإمارات أكثر من 27 مليون دولار لتنمية ظروف استزراع محكومة للأسماك، والرخويات، والنباتات المائية، والطحالب، من ضمن كائنات أخرى تعيش في المياه العذبة والمياه المالحة. علاوة على هذا، اعتمدت الدولة أجهزة استشعار في المشروعات الزراعية الصغيرة والكبيرة. ووفقًا للمهيري، يُستخدم الجيروسكوب، والمسرعات، وشاشات الجي بي إس لتحديد مستويات الملوحة والمعادن في التربة، بالإضافة إلى مستويات الضوء والرطوبة، وتستطيع الدولة الآن استزراع السلمون.

وأخيرًا، في محاولات لكي تصبح مركزًا عالميًا للابتكار، استضافت الإمارات في السنوات الأخيرة عددًا كبيرًا من المنصات الدولية لتشجيع مناقشات الزراعة المستدامة والأمن الغذائي. ففي 2014، أطلقت أبو ظبي المنتدى العالمي السنوي للابتكار في الزراعة، وبحضور من أكثر من 120 دولة في 2018، استضاف المعرض شركات ناشئة ومسئولين حكوميين، وسلاسل إمداد، ومنتجي غذاء من عدة قطاعات زراعية من ضمنها الزراعة الداخلية، وإنتاج الحيوانات، والمحاصيل، والاستزراع المائي. وبالإضافة إلى ذلك، كانت دبي هي المضيف السنوي لمعرض جلفود، أكبر معرض لتجارة الأغذية والمشروبات في العالم.

وهذا العام، ركز المهرجان، الذي جذب ضيوفًا من أكثر من 120 دولة، على تغيير اتجاهات المستهلك باتجاه الخيارات الصحية أكثر، وأيضًا معالجة هدر الطعام والشراكات الدولية في تجارة المنتجات الزراعية. وأخيرًا، مع اقتراب إكسبو دبي 2020، تخدم الاستدامة كموضوع فرعي رئيس في المعرض الدولي.

وختامًا، وفي الوقت الذي تواجه المنطقة قحولة متزايدة بسبب تغير المناخ، وكذلك أيضًا الحاجة المُلحة للتنويع الاقتصادي، أثبتت الإمارات نفسها كرائد طموح في مجال الأمن الغذائي والاستدامة، وبسبب شُهرتها كمركز عبور وابتكار دولي، وثروتها الضخمة للاستحواذ على التكنولوجيات المتقدمة والاستثمار فيها، فهي قادرة على تطوير طرق شاملة بسهولة للتعامل مع الأمن الغذائي. وهكذا، ينبغي عليها الآن أن تسعى لتوزيع طرقها وتكنولوجياتها إلى جيرانها، لا سيما إلى الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي الأقل نسبيًّا مثل عمان والكويت (اللتين تواجهان ظروفًا مناخية وتحديات أمن غذائي مماثلة).

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا