securitystudies | تعرف على شبكات النفوذ القطري في الداخل والخارج

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

لقد تحولت قطر منذ نصف قرن إلى واحة صحراوية صغيرة لجماعة الإخوان المسلمين، وللعديد من الإسلاميين الأكثر فتكًا في العالم. في عِقد الستينيات، حظر جمال عبد الناصر جماعة الإخوان المسلمين المصرية ؛ ما أجبر الآلاف من محرضي وشيوخ ومنظمي الأنشطة المجتمعية في الجماعة للذهاب إلى أماكن أخرى في الشرق الأوسط وأوربا وأمريكا الشمالية.

منذ ذلك الوقت، أصبحت إمارة قطر الخليجية، قاعدة العمليات الأكثر ضيافة وحفاوة بالإخوان. بعدها بوقت قصير، بات الإسلام السياسي بنسخته الإخوانية عمليًّا بمثابة الأيديولوجية الرسمية لقطر، إذ رحّبت أسرة "آل ثاني" الحاكمة بهؤلاء الإسلاميين وأغدقت عليهم بالأموال وبأوسمة الشرف الحكومية، بالإضافة إلى تأسيسها لمؤسسات إسلامية جديدة ستعمل لاحقًا على تلقين آلاف الأشخاص أفكارًا عقائدية.

نجحت قطر أيضًا نجاحًا باهرًا في شراء النفوذ لخدمة مصالحها في واشنطن. إن المدى الذي وصل إليه نفوذ قطر وعملياتها المعلوماتية التي تشنّها، هو واحد من أقل القصص تغطية وتمحيصًا في السنوات القليلة الماضية، لكن ولحسن الحظ، هذا الأمر بدأ يتغير.

وبسبب رعايتها للإخوان المسلمين وتحالفها مع إيران، بدأ عدد متزايد من الأمريكيين يدركون أن قطر قوة خبيثة، ليس فقط في الشرق الأوسط، لكن في هذا البلد أيضًا.

;إنفاق الأموال الكثيرة بالطبع هو أسهل طريقة لتغيير أو تعديل رواية سياسية عامة، فامتلاك ثروة كبيرة يسمح لك بكسب أصدقاء فورًا، على أمل أن كرمك هذا سيُثري هؤلاء الأصدقاء الجدد أيضًا، وتنفق الدول الكثير من الأموال في الولايات المتحدة لخدمة مصالحهم، والدول الغنية بالطبع لديها القدرة على إنفاق الأموال ببذخ.

لكن ليس كل الأموال التي تنفقها الدول من أجل جعل صوتها مسموعًا داخل أروقة الحكومة الأمريكية متساوية: هناك عدد من الحلفاء المؤيدين لأمريكا الذين يسعون لتحقيق أجندة سياسية منسجمة مع المصالح الاقتصادية والأمنية الوطنية للولايات المتحدة.

لكن على الجانب الآخر، هناك دول تدفع مبالغ هائلة للتأثير على السياسة الأمريكية ضد مصالحنا. وبفضل موقفها المعروف من الإرهاب، وتحالفها مع إيران والإسلام السنّي، فإن ملايين الدولارات التي أنفقتها قطر في محاولة منها للتأثير على التصورات والسياسات هنا في واشنطن، تندرج تمامًا ضمن الفئة الأخيرة الأكثر خطورة.

وبالرغم من كونه بلدًا غير مستقر نسبيًا – حيث يشكّل العمال الأجانب نسبة هائلة تُقدّر بـ 88% من السكان – إلا أن ثروة قطر الهائلة يمكنها تغيير السياسة عبر التلاعب بعناية بالروايات والتصورات، مستخدمة المعلومات كسلاح للتأثير على الجمهور في الولايات المتحدة، ولا شك أن المبالغ المالية المُنفقة هائلة للغاية، كما تتسم جهود التملص من قانون تسجيل العملاء الأجانب وقوانين الإفصاح الأخرى بأنها شاملة، لدرجة أننا لا نملك بأي حال من الأحوال صورة كاملة بشأن نطاق لعبة النفوذ القطرية، لكن ما نعرفه مقلق بما يكفي:
– لقد تمكّن المال القطري من شراء جماعات ضغط كانت قد "شجعت" عددًا من الأشخاص المؤثرين على تخفيف مواقفهم تجاه دعم قطر للإرهاب والإسلام السياسي، ومهاجمة منافسيها الإقليميين الرئيسيين، لا سيما السعودية والإمارات.
– استطاعت قطر شراء وسائل إعلام تخلق ساحة المعركة أو البيئة التي تؤدي، كما رأينا، وفي وقت قصير، لحدوث تغيير كبير في السياسات تستفيد منه قطر.
– كما استطاعت قطر تعزيز الروايات المؤيدة لها في عقول نخبة السياسة الخارجية المحترفة في الحكومة الأمريكية، عبر تقديم مِنَح كبيرة لمراكز أبحاث وجامعات، وأيضًا عبر الاستخدام الذكي لقاعدة القيادة المركزية الأمريكية في "العُديد" كمنصّة لتملّق واستمالة جيل من القادة العسكريين وصنّاع القرار الأمريكيين، وربما يكون هذا العنصر الأكثر إثارة للقلق.

شراء جماعات الضغط والشخصيات المؤثرة
بمجرد تصاعد الحرب الدبلوماسية مع السعودية في عام 2017، أدركت قطر الحاجة لوجود غطاء جوي أكبر لها في واشنطن، لا سيما فيما يتعلق بتمويلها للإسلاميين والإرهاب، وقد أسفر هذا عن نجاح عمليتها الهادفة لكسب النفوذ التي جرت بمساعدة المال القطري وجماعات ضغط وعملاء أمريكيين، تحديدًا جماعات مثل شركة (Stonington Strategies)، التي يديرها "جوي اللحام" و"نيك موزين" النائب السابق لرئيس هيئة موظفي عضو مجلس الشيوخ "تيد كروز". فقد تلقى هذان الشخصان نحو سبعة ملايين دولار من قطر، وفقًا لتقرير كاشف نشرته مجلة "تابليت".

بالطبع، فإن سبعة ملايين دولار ليست إلا جزءًا بسيطًا من المال الذي تعترف قطر بإنفاقه على جماعات الضغط سنويًا، وتذهب معظم هذه الأموال لشراء خدمات شركات العلاقات العامة والحملات الإعلانية، ومشغلي وسائل الإعلام، وأعضاء الكونغرس والجنرالات والموظفين السابقين، الذين يتلقون أموالاً لفتح أبواب مهمة للوصول إلى أشخاص مؤثرين داخل الحكومة الأمريكية.

ومن دون شك، استعان القطريون بـ "موزين" و"اللحام" فقط لأنهما يتمتعان بعلاقات وثيقة بالمجتمع اليهودي الأمريكي الموالي لإسرائيل، بالإضافة إلى الدائرة الضيقة للرئيس ترامب، كما استخدم هذان الشخصان المال لعقد حفلات عشاء فاخرة لداعمي إسرائيل، في محاولة سخيفة لإقناعهم بأن قطر (راعية حماس والإخوان المسلمين وحليفة إيران وتركيا) صديقة لإسرائيل.

لقد استهدف "موزين" و "اللحام" بعضًا من أكثر القادة نفوذًا في المجتمع اليهودي وغير اليهودي المحافظ، وهو أمر سيصيبك بالفزع لو كنت من الذين يهتمون بمصالح إسرائيل. ولحسن الحظ لم ينجح هذا المسعى، على الأقل ليس بالمستوى الذي كانت تأمله الدوحة.

بالطبع لا يرغب أحدٌ في أن يكون في موقع الدفاع عن سجل قطر بخصوص الإرهاب، حتى من أجل حقيبة أموال، لقد أدرك القطريون أو جماعات ضغطهم بذكاء، أن أفضل سبيل لإنفاق أموالهم هو جعل شخصيات أمريكية مؤثرة بارزة تهاجم عدوها الرئيسي، السعودية. نحن ما زلنا نرى آثار بعض تلك الأموال في الهجمات شديدة العدائية والجنون ضد الرياض، والصادرة من جهات غير متوقعة في مجال التعليق السياسي، من معلقين من اليمين واليسار.

إن هذه الشخصيات المؤثرة، سواء كانت ممولة أم لا، تعمل على أفضل وجه عندما يمر أمامها مواد للتعليق عليها، تكون في العادة مقالات إخبارية، وواحدة من أهم القصص الإخبارية في العام الماضي، كانت مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

إن هذه القصة لم تستحوذ فقط على مساحة هائلة من التغطية، لكن جرى استخدامها أيضًا عمدًا كشرارة لإشعال نقاشات سياسية تخدم أجندة قطر الإقليمية. وحتى هذه اللحظة، يُستغل مقتل خاشقجي، كقميص ملطخ بالدماء، لتبرير تخفيض مستوى التحالف الأمريكي – السعودي في لحظة مهمة يتشكّل فيها سلام هشّ بين إسرائيل وجيرانها العرب.  

قطر وحملات القرصنة والتجسس الإلكتروني  
لقد كُتب الكثير هنا بشأن جمال خاشقجي وفائدته كأداة في الحملات المعلوماتية التي أفادت قطر وحليفتها الإسلامية تركيا. لكن هذه ليست المرة الوحيدة التي شنّت فيها قطر حملة قذرة في الولايات المتحدة ضد أعدائها.

التجسس الإلكتروني هو قرصنة أو سرقة الاتصالات الإلكترونية للجهة المستهدفة، ويشمل هذا أمورًا مثل: سرقة أسرار متعلقة بممتلكات الدولة، والتلاعب أو تخريب منتجات أو أنظمة سلاح. ونظرًا لأن معظم الناس يمارسون أعمالاً تجارية على الإنترنت أو عبر نصوص ورسائل إلكترونية، فإنه بإمكان حملات التجسس الإلكتروني أن تلحق ضررًا فادحًا بالمواطنين والبلدان.

وتزعم تقارير أن قطر تقف خلف قرصنة ما يزيد على ألف شخصية بارزة، بداية من لاعبي كرة قدم ونجوم في بوليود، وصولاً إلى خبراء في مراكز بحثية وصحفيين.

ووفقًا لدعوى قضائية جرى رفعها مؤخرًا، قيل إن "موزين" واللحام" المالكَيْن لشركة Stonington للعلاقات العامة، يقفان خلف قرصنة وتوزيع رسائل إلكترونية تعود لـ "إليوت برويدي"، وهو شخصية بارزة في مجال جمع التبرعات للحزب الجمهوري، ولديه سجل عمل طويل ضد الإسلاميين والإرهاب. بطبيعة الحال، كان "برويدي" هدفًا رئيسيًا للجهود القطرية في الولايات المتحدة، وقد كان إخراس جهوده ضد قطر أمرًا مهمًا لجماعات الضغط ومموليهم في الدوحة.  

كان سيتم إخراس صوت "برويدي" عبر حملة ترهيب إعلامية. تزعم الدعوى القضائية المرفوعة أن "غريغ هاورد" نائب رئيس شركة " Mercury Public Affair" (وهي شركة علاقات عامة ومسجلة بوصفها عميلاً أجنبيًا لقطر في الولايات المتحدة) عمل جاهدًا لتسريب معلومات منتقاة بعناية من رسائل "برويدي" الإلكترونية لصحفيين راغبين بشدة في تقويض هذا الحليف الجمهوري لدونالد ترامب.

وبالطريقة ذاتها التي جرى بها تحويل قضية الدفاع عن خاشقجي لسلاح، استغلت الهجمة الإعلامية ضد "برويدي" الصحافة الفاسدة والراغبة في نشر تلك المعلومات المسروقة طالما كانت ستخدم روايتهم.

مؤسسة "بروكينجز" ومؤسسة قطر الخيرية
بوصفه كاتب عمود لحساب أهم وأكثر الصحف قراءة في أهم مدينة في العالم، كان لدى جمال خاشقجي إمكانية وصول لجمهور قيّم للغاية: صنّاع القرار وخبراء المراكز البحثية والمسؤولون الحكوميون الذين كانوا يقرأون صحيفة "واشنطن بوست" يوميًا. إن الاحتكاك بهذا الجمهور هو فرصة ذهبية لإجراء عمليات تأثير على القرار.

ورغم الاحتفاء الشديد بخاشقجي بعد وفاته على صفحات الجرائد، إلا أن لغته الإنجليزية كانت ضعيفة للغاية لدرجة أنه كان يقوم بما هو أكثر من مجرد الاستعانة بعدد من المحررين لمساعدته على كتابة أعمدته؛ إذ علمنا لاحقًا أن خاشقجي كان لديه ما يمكن وصفه بـ "المشرف" المسؤول عن صياغة الرسائل التي تضمنتها مقالاته في صحيفة واشنطن بوست، لقد روت هذه الموظفة في مؤسسة قطر الخيرية لصحيفة "واشنطن بوست كيف أنها شكّلت المقالات التي كان يكتبها خاشقجي لكي تكون ملائمة للجمهور الأمريكي.

نحن نميل للتفكير في المؤسسات الخيرية بوصفها مؤسسات غير حزبية وغير ربحية، لكن وضع مؤسسة قطر الخيرية مختلف؛ فهدف هذه المؤسسة هو خدمة أولويات الدولة، وبالرغم من انتقادها بشكل روتيني بسبب ترويجها للتطرف الإسلامي، بما في ذلك معاداة السامية، إلا أن هذه المؤسسة كانت منذ بدايتها أداة لهذه الإمارة لاستعراض قوتها الناعمة لخدمة مصالحها القومية. وفي الواقع، فإن المسؤولين الثلاثة الرئيسيين في هذه المؤسسة هم أعضاء في قمة هرم الأسرة الحاكمة في الدوحة: أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني"، ووالده الأمير السابق لقطر "حمد بن خليفة آل ثاني" وزوجة والده "موزة بنت ناصر".
 
تملك مؤسسة قطر الخيرية حرفيًّا "مركز بروكينجز الدوحة"، وهو الفرع القطري لأحد أعرق المراكز البحثية في العالم "معهد بروكينجز". إن امتلاك مؤسسة قطر الخيرية كليًّا لهذا المركز، يعني أن مركز بروكينجز الدوحة خاضع بالكامل لقادة قطر، وأظهر تقرير كاشف في صحيفة "نيويورك تايمز" ومجلة "تابليت" في عام 2014، أنه بدلاً من أن ينشر هذا المركز تحليلات محايدة مدعومة بالبيانات بشأن المنطقة، تدخلت أموال قطر للتلاعب في أعمال المركز البحثية. وقال "سليم علي"، وهو زميل زائر سابق في معهد بروكينجز الدوحة، لصحيفة نيويورك تايمز: "لقد كان انتقاد الحكومة القطرية من المواضيع الممنوع الاقتراب منها" مضيفًا: "لو كان عضو كونغرس يستخدم تقارير معهد "بروكينجنز"، فعليه أن يعرف أنه لا يحصل على الصورة كاملة".

وفي سجال صحفي يغلب عليه الطابع الانتقادي مع "ستروب تالبوت" رئيس معهد "بروكينجز"، تطرّق الكاتب "لي سميث" إلى القصور الواضح في تغطية معهد "بروكينجز" لشؤون منطقة الشرق الأوسط:
"العديد من الأشخاص الذين يتابعون تطورات الشرق الأوسط، لا سيما عملية السلام بين العرب وإسرائيل، ربما يرغبون في الحصول على "تحليل محايد مستند إلى الحقائق" بشأن سبب احتضان قطر، التي تُعدّ ظاهريًّا حليفًا لأمريكا، لرئيس مجموعة قتلت أمريكيين وشنّت حربًا ضد حلفاء الولايات المتحدة. وربما يستفيد القرّاء أيضًا من إلقاء نظرة فاحصة على الأنشطة الأخرى لرعاية الإرهاب التي تقول تقارير كثيرة، من بينها وزارة الخزانة الأمريكية، فضلاً عن مصادر أخرى ذات مصداقية إن قطر منخرطة فيها، لكنني لا أجد على موقع معهد بروكينجز على الإنترنت أي حديث للعلاقة الوثيقة والحميمة بين الدوحة ورئيس تلك الجماعة التي أدرجتها وزارة الخارجية على قائمة المنظمات الإرهابية".

ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام وصنّاع القرار يتعاملون مع معهد بروكينجز بوصفه مصدرًا مستقلاً وذا مصداقية للتحليلات الخاصة بالشرق الأوسط.

عمليات التأثير في الدوحة
تندرج كل هذه الأمور السابقة – شراء أصحاب النفوذ والتجسس الإلكتروني وتمويل الإعلام وشراء المراكز البحثية – تحت فئة حرب المعلومات، وتستند حرب المعلومات إلى فكرة استخدام المعلومات كسلاح، عبر الاستفادة من وسائل إعلامية متنوعة، مثل الكتب والمقالات، والمقابلات التلفزيونية، ومنشورات المدونات، والتغريدات، ومثلها مثل طبيعة المعلومات ذاتها، فإن العلميات المعلوماتية هي مؤقتة نسبيًا، وتستند إلى تقارير مثيرة، وغالبًا ما تكون موجّهة لبيع روايات ربما يتضح عند التدقيق فيها أنها مزيّفة أو مضللة بالكامل.

أما عمليات التأثير، فتستغرق زمنًا أطول بكثير، ويُقاس نجاحها غالبًا بالسنوات والعقود، وهذا لأن الركيزة الأساسية لعمليات التأثير هي الاستخدام الاستراتيجي للمؤسسات والعلاقات بين الأشخاص.

إن وجود علاقة طويلة الأمد مع مؤسسة ما يبني نوعًا من النية الحسنة التي يمكن أن تكون ذات قيمة هائلة لجماعات الضغط، والمدهش أن الأمر لا يتطلب إلا القليل من الجهد والتواصل حتى يصبح الشخص المستهدف حليفًا.  
 
نحن نعرف أنه عندما يذهب سياسيون أو رجال أعمال في رحلات فاخرة مدفوعة التكاليف بالكامل، فإن هذا يُعدُّ مثالاً واضحًا على الرشوة. أما تبادل المنفعة (مثل الذهاب في رحلة إلى "منتدى الدوحة") فليس من الضروري أن يكون فوريًا ولا يتعين أن يكون ظاهرًا للعيان، لكن هناك وعد بتقديم نوع من المنفعة: المال والشهرة والتقدم الوظيفي أو حتى الاستقامة الأخلاقية. إن الدول الثرية مثل قطر لديها القدرة على تقديم هذا النوع من المنافع لعدد كبير من الأشخاص، ليس فقط صُنّاع القرار، لكن أيضًا رموز إعلامية ومحللين في مراكز بحثية ورموز أكاديمية وطلاب أيضًا.

ينفق القطريون ببذخ على الجامعات، ليس فقط في الولايات المتحدة، لكنهم أنشأوا أيضًا شبكة من الجامعات في بلدهم، إذْ دفعت مؤسسة قطر الخيرية مئات ملايين الدولارات لست جامعات أمريكية (كورنيل وتيكساس أي أند أم، كارنيغي ميلون، جامعة فرجينيا كومنولث، جورج تاون، وجامعة نروثويسترن) لإنشاء فروع لها في مجمّع المدينة التعليمية في الدوحة.

إن هذه المؤسسات الأكاديمية هي المكان الذي ينبغي الذهاب إليه للتواصل مع بعض أبرز الأكاديميين وأكثرهم تأثيرًا، والميزة الإضافية الأخرى تتمثل في قدرتك على إمكانية الوصول إلى الآلاف من الأهداف المستقبلية التي يسهل التأثير عليها عبر عمليات التأثير، وكذلك الأمر مع الجسد الطلابي في هذه الجامعات.

يعقد الأساتذة والطلاب اتفاقًا ضمنيًّا مفاده أنه لو أرادوا الاستفادة من السخاء القطري، فإنه ستكون هناك حدود للمواضيع التي يناقشونها. والأمر الذي يحدث كثيرًا أيضًا هو أن قضاء المرء وقتًا طويلاً في بلد أجنبي وتلقيه أجرًا مرتفعًا هناك، يجعله بطبيعة الحال يكنّ مشاعر طيبة للغاية تجاه هذا البلد المضيف.   

الأمر ذاته ينطبق على الأفراد الذين تمركزوا في قاعدة "العُديد" الجوية في قطر، التي تستضيف القيادة المركزية الأمريكية، وكذلك المجموعة 397 الاستكشافية الجوية التابعة لسلاح الجو الأمريكي. لقد أصبحت تلك القاعدة الجوية، التي بُنيت في عام 1996، مركزًا استراتيجيًّا مهمًا للتخطيط والقيادة عقب غزو أفغانستان في عام 2002. وفي العِقدين التاليين لبنائها، منحت تلك القاعدة عشرات آلاف الجنود وصنّاع القرار الأمريكيين الفرصة للعيش والعمل إلى جوار مضيفيهم القطريين. وبطبيعة الحال، حظي هؤلاء بإقامة مريحة هناك بفضل ثروة قطر الهائلة.

وبفضل الحضور العسكري الأمريكي في القاعدة الجوية، باتت قطر تمتلك سيطرة شبه كاملة على كوكبة من المختصين في شؤون الأمن القومي في واشنطن. وبدلاً من أن تكون قاعدة العُديد ميزة استراتيجية لأمريكا، باتت هذه القاعدة أداة قطرية لابتزاز الولايات المتحدة.
وفي خضم الخلاف مع السعودية والإمارات بسبب تمويل قطر للإرهاب، أدلى وزير الدفاع الأمريكي الأسبق بتصريحات رقيقة تجاه قطر.

وفي العام 2017، حصلت "آن بيترسون"، سفيرة أمريكا السابقة المثيرة للجدل لدى مصر، بكل أريحية على وظيفة مرموقة في البنتاغون. ومن المعلوم أن "بيترسون" كانت تجمعها علاقة طيبة مع الإخوان المسلمين؛ ما تسبب في فضيحة وجعلها أكثر سيدة مكروهة في مصر، وليس مفاجئًا أن انتهى المطاف بـ "بيترسون"، لتكون رئيسة لمجلس الأعمال الأمريكي – القطري.  

مَن يعارض قطر؟ ولماذا؟
في مطلع هذا الشهر، شاركت مؤسسة "مجموعة الدراسات الأمنية" في تنظيم مؤتمر بشأن هذه الموضوع، استضافه "منتدى الشرق الأوسط". وليس من المستغرب أن يلفت دور قطر الريادي في دعم الإخوان المسلمين، عبر توفير ملاذ آمن ومنصات إعلامية هائلة لهم، انتباه الولايات المتحدة، خاصة المحللين والأكاديميين والخبراء في شأن الإسلام السياسي وخطره.

لكن هؤلاء الخبراء ليسوا وحدهم، فبعد عودة ظهور الإخوان المسلمين نتيجة لأحداث الربيع العربي – بدعم واضح من قطر- أصبح دعم الدوحة للجماعات الإسلامية قضية ملحة للجارتين السعودية والإمارات، بالنسبة لهذين البلدين الحليفين للولايات المتحدة، لم يكن دعم قطر للإخوان منحصرًا فقط في احتضان الإرهاب العنيف الموجّه لأمريكا وأوروبا، بل شمل أيضًا التحريض على الثورات داخل هذه البلدين. وينعكس هذا على نحو متزايد في الاهتمام الهائل على وسائل التواصل الاجتماعي الذي حظيت به هذه المسألة من جانب العرب الرافضين لحكم الإسلام السياسي والإخوان.

بالطبع، ينبغي على الأمريكيين، لا سيما الذين يهتمون بالتحالف الأمريكي  الإسرائيلي أن يكونوا حذرين بشأن حروب المعلومات، وجهود كسب النفوذ التي تقوم بها قطر في هذا البلد وأن ينهضوا لمعارضتها.

ويمكن القول إن قطر كانت أكثر شراسة من أي بلد آخر في ممارسة لعبة كسب النفوذ في الخارج في السنوات الأخيرةـ فقد موّلت الدوحة مراكز بحثية ووسائل إعلامية تحقق لها الاستفادة القصوى من كل دولار تدفعه. وبهذه الطريقة، تكون قطر قادرة على تشكيل ميدان معركة المعلومات، وبدلاً من الاكتفاء بالرد على قصة ما، يسمح امتلاك وسائل إعلامية أو الدخول في شراكة معها  بخلق بيئة تخدم مصالحها.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا