لماذا أعلن تنظيم داعش الحرب على أقباط مصر

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

بعد مرور أربعة أشهر على التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم داعش والذي أدي لمقتل 25 فردا من المصلين المسيحيين في القاهرة, استهدف التنظيم الأقباط المصريين مرة أخرى, حيث نفذ التنظيم هذه المرة تفجيرين استهدفا كنيستين خلال احتفال "أحد السعف" الديني, ما تسبب في مقتل 44 شخصا على الأقل وإصابة العشرات. استهدف الهجوم الداعشي كنيسة في مدينة طنطا في دلتا النيل, وكنيسة في مدينة الإسكندرية حيث كان بابا الأقباط "تواضروس الثاني" يقود قداسا هناك. هذا ويعتبر هذين التفجيران الأكثر دموية منذ عقود ضد أكبر الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط
عندما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن التفجيرات بعد ساعات من وقوعها, لم يكن الأمر مفاجئا. حيث كثّف التنظيم من جهوده خلال الأشهر الماضية لنقل تكتيكاته الطائفية التي يمارسها في العراق إلى مصر. يأمل التنظيم, من خلال استعمال تلك التكتيكات, في زعزعة الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في الشرق الأوسط, وتوسيع نطاق مشروعه للإبادة الجماعية الذي يستهدف الأقليات في تلك المنطقة.

الحرب الحقيقية ضد المسيحيين
السلطات المصرية عاجزة حتى الآن عن مواكبة هذا التهديد المتصاعد. وهذا ربما يعود بصورة كبيرة إلى افتقارها إلى الكفاءة, ولكنه يعكس أيضا التطور المتزايد في هجمات داعش التي تستهدف مصر. وبينما يتخذ التنظيم موقفا دفاعيا في بقية مناطق الشرق الأوسط, يمثل برّ مصر الرئيسي (وادي النيل) جبهة مغرية محتملة لممارسة الجهاد. يبدو أن التنظيم بات الآن يركّز المزيد من الوقت, والموارد, والأهم من كل ذلك مهارته على مصر, ما قد يزيد الوضع سوءا في هذا البلد في المستقبل.

إن استهداف التنظيم لأقباط مصر هو إستراتيجية فظة ومتعمدة. يأمل تنظيم داعش في أن يكون إشعال جذوة الصراع الطائفي في مصر هو الخطوة الأولى في تدمير هذا البلد.

شهدت القاهرة ومنطقة الدلتا عددا من التفجيرات منذ عام 2013, نفذها تنظيم داعش, وجماعة "أنصار بيت المقدس" التي سبقته في الظهور, والتي أعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة في الرقة في عام 2014. لكن على الرغم من ذلك, شهدت تحركات تنظيم داعش قبل هذين التفجيرين تعثرا في برّ مصر- حيث يعيش 97% من سكان مصر- وهذا يعود في جزء منه إلى قوة الحكومة المركزية, والطبيعة غير الاحترافية لهجمات التنظيم, والأهم من كل ذلك ربما, هو التماسك النسبي للمجتمع المصري. كان أداء التنظيم أفضل حالا في شمال سيناء, حيث تمكّن من قتل ما يزيد عن ألف جندي حكومي خلال السنوات الأخيرة, لكن تلك الهجمات تقع في منطقة بعيدة جدا جغرافيا عن القاهرة بحيث لا تشكل أي تهديد وجودي على الحكومة المصرية.

بالرغم من أن هجمات "أحد السعف" لم تكن الأولى من نوعها التي تستهدف أقباط مصر على يد الجهاديين, والإسلاميين, أو حتى على يد حشود من المسلمين العاديين, إلا أنها تمثل تغيرا هائلا في طبيعة التهديد الذي يواجهه أقباط مصر الآن, ما سيكون له تداعيات واسعة النطاق على البلد بأكمله.

تنظيم داعش أخذ خطوة تصعيدية وبات يساوي بين الأقباط في مصر والشيعة في العراق, وهو ما يعني إباحة قتلهم بصورة عشوائية, ليس لسبب غير دينهم الذي يعتنقوه. منذ تفجير كنيسة القاهرة في شهر ديسمبر عام 2016, بات أنصار التنظيم على الإنترنت يروّجون بقوة لتلك الفكرة التي تفيد بأن أقباط مصر هم أولا وأخيرا مشركون, وأنهم يستحقون القتل بسبب " تحالفهم" المفترض مع الغرب والحكومة المصرية.

أطلق أنصار داعش المصريون حملة على الإنترنت تحت عنوان " تعقّب المرتدين في مصر" بهدف جمع معلومات لاستهداف الأقباط, حيث نشروا ملصقات مصممة على عجل بعنوان " مطلوب ميتا" لحث أنصارهم على استهداف الأقباط. التداعيات المحتملة لتلك الحملة ظهرت جليّا في شهر فبراير الماضي, عندما فرّ مئات الأقباط مذعورين من بيوتهم في شمال سيناء بعد أن قتل مسلحو داعش سبعة أقباط بطريقة وحشية.

لم تنجم هذه الإستراتيجية في الواقع عن مراجعة إيديولوجية أجراها تنظيم داعش. كما أن تنفيذ تلك الإستراتيجية ستكون له تداعيات خطيرة على الأمن في مصر, وعلى استقرار المنطقة بأكملها, وذلك في حال نجاحها. لقد كان أعضاء التنظيم, والجهاديون بشكل عام, في حيرة من أمرهم حول سبب فشل الجهاد في برّ مصر. يعتبر هذا السؤال أساسيا بالنسبة للتنظيم, ليس بسبب حجم مصر فحسب, ولكن لأنه يختبر أيضا حظوظ نجاح المشروع الجهادي في بلد لم تمزقه أي حرب أهلية, ولم يتزعزع استقراره بدرجة ميئوس منها.

هناك "دراسة" مفيدة عن الجهاديين كتبها أحد منظّري تنظيم داعش, أبو المودود الهرماسي, وهي بعنوان " سر اللغز المصري." يبدأ الهرماسي حديثه بإعرابه عن الأسى لأن المسلمين المصريين يشبهون القطيع بسبب عجزهم عن فهم " حقيقة الصراع" قبل أن يقدم "نصائحه لإنجاح الجهاد" ومن ضمن تلك النصائح " القتل الطائفي للأقباط" من أجل إشعال مناطق ريفية بعينها, "والأهم من ذلك هو الاستهداف المباشر لكل قبطي من دون استثناء." ويمضي قائلا إن إشعال الصراع الطائفي سيكون المفتاح  "لكشف حقيقة الصراع, وإيقاظ مشاعر المسلمين الكامنة تجاه الأقباط" بالنسبة للهرماسي, لم يترسخ الجهاد في العراق, وسوريا, واليمن إلا بعد استهداف الأقليات في تلك الأماكن. ويختتم مؤلف الدراسة حديثه بهذه الدعوة:" لا تتركوا مسيحيا كافرا إلا بعد تهديد حياته."

خلال الأشهر الأخيرة أيضا, بدأ تنظيم داعش في استخدام لهجة تهديد مشابهة ضد الصوفيين, الذين يشكلون نسبة كبيرة من المسلمين في مصر, وشمال إفريقيا, وفي أماكن أخرى, حيث قطع التنظيم رأسي شيخين صوفيين في سيناء, واجبر آخرين على إعلان "توبتهم".

من غير المرجح أن تنجح إستراتيجية داعش في مصر, ولكن محاولة تنفيذها سوف تخلّف وراءها أثرا مدمرا على الأقباط المصريين بصورة أساسية. إن برنامج داعش للإبادة الجماعية قد يرتد عليها بنتائج عكسية, تماما كما حدث مع الجماعات الجهادية السابقة التي نشطت في عقدي الثمانينات والتسعينات, حيث أدى قتلها العشوائي للمدنيين إلى خسارتها للدعم الشعبي. ولكن كما يلمح الهرماسي, منظّر تنظيم داعش, فإن هناك طائفية متجذرة داخل المجتمع المصري, يؤججها الإسلاميون منذ عقود, وأسهمت سياسات الحكومة في زيادة تأجيجها. لا تزال مصر, مثل العديد من دول المنطقة, تطبق قوانين إهانة الدين, وتضع قيودا تمييزية على بناء الكنائس, ولا تحاكم الأشخاص الذين يقومون باعتداءات طائفية, بينما يواصل الإسلاميون نشر كراهيتهم دون عقاب. إن تنظيم داعش لم يكن لينجح في استغلال الطائفية في مصر, وفي أماكن أخرى قبله, ما لم يجد أرضا خصبة تنمو فيها أفكاره المتشددة.  

للاطلاع على الموضوع الأصلى .. اضغط هنا

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا