كيف تصدر إيران نموذج حزب الله للسيطرة على الشرق الأوسط؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – بسام عباس

أدت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك إطلاق صاروخ من اليمن إلى السعودية واستقالة رئيس الوزراء اللبناني الحريري، إلى زيادة القلق إزاء التأثير الكاسح لإيران. وقد زادت الحرب ضد تنظيم داعش من الهيمنة الإيرانية عبر بغداد ودمشق، وتقدمت إلى البحر الأبيض المتوسط. وتمثل العراق وسوريا ولبنان الخط الأمامي في هذا المد المتزايد للقوة العسكرية والاقتصادية الإيرانية.
 
استخدام إيران لـ"نموذج حزب الله"

إن تحقيق تقدم كبير في الشرق الأوسط يعود بالنفع على إيران بشكل مباشر حيث تمهد لها طريقًا من الخليج العربي إلى البحر المتوسط. لا يسمح الطريق من طهران إلى بيروت للحرس الثوري الإيراني وقوات القدس بنقل الأسلحة والإمدادات فحسب، ولكن ينقل أيضًا أيديولوجية إيران ونفوذها في عمق الأراضي العربية. وحزب الله هو الحلقة الأهم في هذا التطور. والآن، يتم تنفيذ استراتيجية مجربة ومختبرة ليتم تكرارها في أنحاء المنطقة.

يعتبر حزب الله أحد أكثر القوات المقاتلة قوة في المنطقة، بأسلحته المتطورة ويستجيب مباشرة لأوامر طهران، كما أنه يعتبر جيشا عصريا أكثر منه ميليشيا. ولجهودها في محاربة إسرائيل، تستخدم إيران قوات حزب الله المدربة تدريبا جيدا لتأمين الحدود اللبنانية مع سوريا، ووقف تقدم قوات المعارضة (وبالتالي دعم الأسد)، وتدريب الميليشيات في كل من سوريا والعراق.
 
العراق: صعود الميليشيات الشيعية

وتشكلت ميليشيات مثل حزب الله في الشرق الأوسط، باهتمام أقل تجاه الحدود الدولية، حيث أصبح الانتشار السريع لهذه القوات أسهل بكثير. وقد اكتسبت هذه الظاهرة زخمًا في عام 2014، عندما أصدر أكبر رجل دين شيعي في العراق -آية الله العظمى علي السيستاني- دعوة إلى حمل السلاح لوقف هجوم تنظيم داعش الوشيك على بغداد. وكانت النتيجة انخراط عشرات الآلاف من المقاتلين في وحدات الحشد الشعبي، والتي تم تدريبها على يد عسكريين إيرانيين. وقد أدمجت هذه الوحدات في النهاية في الجيش الوطني العراقي بموجب قانون إدارة هيئة الحشد الشعبي، الذي تم إقراره في نوفمبر 2016. ومن المفارقات، أن هذا الحشد الآن على خلاف مع السيستاني حول العديد من القضايا الرئيسية – ومنها تأثير إيران، وإرسال المقاتلين إلى سوريا.

والعديد من هذه الفصائل الشيعية موالية بشدة لإيران، ومنها: عصائب أهل الحق، وحزب الله العراقي، وسرايا الخراساني ومنظمة بدر، على سبيل المثال لا الحصر. وكثيرا ما يقاتلون إلى جانب -أو على الأقل بالتنسيق مع- القوات الخاصة العراقية التي تدربها الولايات المتحدة. وهذا يخلق خطرا كبيرا على المعدات والأسلحة، التي تسلمها الولايات المتحدة للجيش العراقي، وينتهي بها المطاف في أيدي الميليشيات المذكورة آنفا. وهي مشكلة ليست بجديدة على العراق.

إن التقدم الذي أحرزته، مؤخرا في كركوك، القوات العراقية الاتحادية، المدربة تدريبًا أمريكيًّا ووحدات الحشد الشعبي، والتي تتصادم مع مقاتلي البيشمركة المدربين والمسلحين أمريكيًّا أيضًا، يجسد هذه المعضلة. فهل هذه المساعدات والمعلومات، التي كانت مخصصة أصلا لمجموعة صغيرة من النخبة لمحاربة تنظيم داعش، تنتقل إلى شبكة من الجماعات المقاتلة العراقية، والتي ينفذ كثير منها أهداف طهران الإقليمية؟ وفي الوقت نفسه، طلب البنتاجون من الكونجرس تخصيص 1.8 مليار دولار من ميزانية العام المالي 2018 لتدريب وتجهيز القوات العراقية والسورية.
 
سوريا: إيران تتدخل لصالح الجيش السوري المنهك
وفي الوقت نفسه في سوريا، تم تشكيل مجموعات صغيرة مثل حزب الله بتوجيه من إيران وتدريب حزب الله. حيث كان الجيش السوري قد أُنهك وأوشك على الانهزام قبل أن تتدخل روسيا وإيران. واعتبارا من أكتوبر 2015، تشير التقديرات إلى أن الجيش السوري يضم 80 ألف إلى 100 ألف جندي . ومقابل ذلك، تم تشكيل وحدات دفاع محلية (قوات الدفاع الوطني) لملء الفراغ الذي تسببت فيه هزائم الجيش السوري. وهذا يجعل عشرات الآلاف من المقاتلين الإيرانيين أكثر فعالية من الجيش السوري المنهك. وقال الجنرال ماكماستر: إن نحو 80٪ من تلك القوات التي تقاتل باسم نظام الأسد هم عملاء إيرانيون.
 
لبنان: مجموعة من التعقيدات
إن لبنان يحمل تعقيدات مماثلة مثل العراق عند التعامل مع تدريب جيش وطني لمكافحة تنظيمي داعش والقاعدة. إن القوات المسلحة اللبنانية هي خامس أكبر مستفيد في العالم من التمويل العسكري الأمريكي. حيث قدمت الولايات المتحدة للجيش اللبناني أكثر من 1.4 مليار دولار منذ عام 2005. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة زودت القوات المسلحة اللبنانية في أغسطس 2017 بمركبات برادلي المقاتلة -من بين مواد دفاعية أخرى- فإن هذه المساعدات ربما تتعرض لخطر. وتقترح وزارة الخارجية تخفيضات كبيرة في ميزانية المساعدات الخارجية التي تقدمها للبنان لعام 2018.

وكما هو الحال بالنسبة للعراق، فإن إمكانية أن تقود ضغوط الحرب القوات التي تدعمها الولايات المتحدة إلى الانخراط في مهام قتالية مع ميليشيات محظورة تطرح تساؤلات خطيرة. وظهرت هذه التعقيدات بقوة في صيف عام 2017 عندما قام حزب الله والجيش اللبناني بالتنسيق بينهما لتطهير منطقة عرسال من المتطرفين، وذلك في إطار حملات منفصلة. ويقود حزب الله المعركة والمفاوضات أيضًا -مع الجيش اللبناني المهمش- مما يثبت أن حزب الله هو من يتخذ القرارات في النهاية. وهذا يعني بطبيعة الحال أن نفوذ إيران أصبح متنفذًا في دولة أخرى ذات أهمية حاسمة لاستقرار المنطقة، مع تواجد القوات الأمريكية أيضا التي تنفذ أجندة منفصلة. وقد ظهرت هذه المخاوف في عام 2010، عندما علقت الولايات المتحدة وفرنسا مؤقتا المساعدات للجيش اللبناني تحت الضغط الإسرائيلي، بناء على مخاوف من أن يستخدمها حزب الله.
 
التحديات السياسية والاقتصادية في المنطقة
من الناحية السياسية، ففي حين تشير إيران بأصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، أعلن رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، إن تورط إيران في الشئون اللبنانية أجبره على الاستقالة خوفًا على سلامته. كما يحذر من سيطرة ايران على سوريا والعراق، فضلا عن الدمار الذي سببه حزب الله في لبنان، وهو ما يشكل سابقة خطيرة لنفوذ إيران، ولكن ذلك يمكن أن يؤدي أيضا إلى سقوطها. وقد تكون نتائج استقالة الحريري بعيدة المدى من حيث عدم الاستقرار السياسي في لبنان وإثارة الارتياب حول انتخابات العام المقبل.

إن الحرب المستعرة عبر الحدود في سوريا تسبب بالتأكيد التوتر في لبنان. ووفقا لمصادر حكومية ومستقلة، فإن ما يصل إلى 1.5 مليون سوري، أي ما يقرب من ربع عدد السكان اللبنانيين، لجأوا إلى لبنان منذ اندلاع الحرب في مارس 2011. ووفقا للبنك الدولي ، تشير التقديرات إلى أنه بسبب الأزمة السورية انتقل نحو 200 ألف لبناني إلى تحت خط الفقر، إضافة إلى مليون فقير قبل ذلك. ويقدر أن نحو 250 ألف إلى 300 ألف مواطن لبناني أصبحوا عاطلين عن العمل، ومعظمهم من الشباب غير المهرة.

وأخيرًا، فإن اقتصاد لبنان الهش، والذي يعد أحد أعلى نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، والنمو الذي تراجع بسبب الحرب في سوريا المجاورة، ومع موجود حكومة تكافح من أجل الاتفاق على إصلاحات حيوية. وعلاوة على ذلك، فإن جميع المصارف اللبنانية تقريبا لديها علاقات مصرفية أمريكية تسهل المعاملات المالية بين المصدرين الأمريكيين والمستوردين اللبنانيين. ويمكن أن تتضاءل الودائع إذا اعتبرت هذه البنوك أن التعامل مع لبنان مخاطرة كبيرة جدا وأوقفت تصفية المعاملات بالدولار. وتنبع هذه المخاوف من احتمالية استخدام حزب الله للبنوك اللبنانية لتمويل الهجمات المستقبلية، فضلا عن إتاحة الفرصة أمام المؤسسات الإيرانية للوصول إلى الأسواق الأمريكية.
 
مصادر نفوذ إيران
وسواء كان حزب الله ينسق مع الجيش اللبناني أو قوات الحشد الشعبي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي أو نموذج حزب الله اللبناني أو الحرس الثوري الإيراني الذي قد بدأ يتشكل من مختلف قوات الدفاع الوطني والميليشيات الأجنبية ليحل محل الجيش السوري، فإن نفوذ إيران في المنطقة آخذ في الازدياد.

إن الطريقة المثلى لمواجهة هذه المجموعات المختلفة المدعومة من إيران، على الأقل في العراق ولبنان، هو أن ـعمل الولايات المتحدة على تدريب وحدات صغيرة من النخبة يمكن الاعتماد عليها بسهولة ولا تتأثر بالفساد. وبلغ عدد قوات العمليات الخاصة في العراق وسوريا عشرة آلاف. ويوجد في كلا الجانبين الآن وحدات صغيرة متنقلة ، منتشرة في ثلاثة دول لها أساليب عمل منفصلة، ​​وتتعامل مع الجهات الفاعلة في تلك الدول.

كذلك فإن تخفيف العقوبات على إيران، يفتح طريق آخر أمام نفوذها ليزداد اختراقها عمقًا في الشرق الأوسط. فالبضائع الايرانية تتدفق إلى العراق . كما أنها تعطي دمشق قروضًا بمليارات الدولارات وتوقع صفقات إعادة الإعمار في قطاعات الاتصالات والنفط والغاز الطبيعي والزراعة، بينما ينفذ حزب الله خطط طهران بغسل الأموال أو استخدام نفوذه في القطاع المصرفي لتجنب العقوبات. وكانت هناك تقارير عن قيام الخزانة اللبنانية بدفع رواتب الوزراء المرتبطين بحزب الله نقدا لتجاوز قانون منع نشاط حزب الله المالي الدولي الذي يستهدف بشكل صارم الأنشطة المالية للمنظمة في جميع أنحاء العالم. ويوجد حاليا وزيران من حزب الله في مجلس الوزراء.

ومن جميع وجهات النظر، فإن إيران في وضع يمكنها من بسط نفوذها، من خلال عملاء  مثل حزب الله، في أنحاء الشرق الأوسط لسنوات قادمة.

المصدر – جلوبال ريسك إنسايتس

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا