هل تركيا عدو أم صديق؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – بسام عباس

في  أكتوبر، أرسلت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين رسالة إلى الرئيس دونالد ترامب أعربوا فيها عن "قلقهم البالغ إزاء استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان وتراجع القيم الديمقراطية في تركيا". وتعكس الرسالة إحباطا متزايدا لدى الكونجرس تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضرورة أن يتخذ الكونجرس موقفا قويا ضد تجاوزات الحكومة التركية.

أصبحت تركيا أحد أكثر الدول قمعًا في الشرق الأوسط. ف . وبطبيعة الحال فقد بدأ تدهور حقوق الإنسان وتجاهل القيادة التركية للمبادئ الديمقراطية قبل الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، ولكن أعضاء مجلس الشيوخ يستحقون الفضل في تسليط الضوء على المشاكل التي كانت إدارة ترامب– وإدارة أوباما من قبلها–  تفضل عدم التعامل معها مباشرة علانية. وكان الكونجرس قد أحال ذلك إلى البيت الابيض حتى اعتقل متين طوبوز في الرابع من أكتوبر.

وهو ليس مثل الآخرين الذين اعتقلوا، فلم يكن منشقا أو صحافيا أو محررا أو سياسيا كرديا أو ضابط شرطة أو قاضيا أو محاميا. فطوبوز هو العاملين المحليين في السلك الدبلوماسي، حيث أمضى أفضل سنوات العقود الثلاثة الماضية في العمل لدى القنصلية الأمريكية في اسطنبول. وكان اعتقاله خرقا دبلوماسيا كبيرا جعل إدارة ترامب توقف تأشيرات دخول غير المهاجرين الى الاتراك مما دفع الحكومة التركية الى الرد بالمثل.

كانت هناك بعض التكهنات بأن رئيس الوزراء التركي بي علي يلديرم عندما زار واشنطن الأسبوع الماضي سيبرم اتفاقًا حول هذه القضية. في الواقع لم يتم التفاوض حول "أزمة تأشيرة الدخول"؛ لأنها – كما هو معروف – ترتبط بمخاطر سياسية محلية تركية عالية تدور على بعد آلاف الأميال بعيدًا في قاعات وزارة العدل وقاعة المحكمة في مانهاتن السفلى. وأما طوبوز وآخرون مجرد لاعبين صغار في هذه المأساة، وإذا كان قادة تركيا مستمرون بهذه الطريقة، فإن هذا سيضعف سيادة القانون في الولايات المتحدة.

وليس لدى معظم الأمريكيين أدني فكرة بأن البعثات الدبلوماسية الأمريكية في أنحاء العالم لن تعمل بدون مساعدة من مواطني البلد المضيف الذين يعملون لصالح الولايات المتحدة. ويقوم موظفو السلك الدبلوماسي بجميع المهام. وكثيرًا ما تكون نقطة الاتصال الأولى عند زيارة السفارة أو القنصلية، التي تدير المداخل والمخارج جيدًا قبل وبعد مواجهة حراس البحرية. وهم إما سائقون أو منظفون أو طباخون.

ومع اعتقال طوبوز، انضم إليه موظف آخر في السجن التركي، وهو حمزة أولوكاي، وهو موظف منذ فترة طويلة في القنصلية الأمريكية في أضنة وسجن في مارس الماضي. وكلاهما متهم بأنه "عضو في منظمة إرهابية". لماذا تقوم الحكومة التركية باعتقال موظفين دبلوماسيين؟ ووفقًا لمسئولين في أنقرة، فإن تفسير حالة طوبوز هو أنه من الواضح أنه مؤيد كولن، وبالتالي يشتبه في أنه لعب دورًا في محاولة الانقلاب العام الماضي. ويزعم المحققون الحكوميون أن طوبوز كان على اتصال منتظم مع مشتبه بهم آخرين في المؤامرة.

فمن المستحيل أن نتأكد مما إذا كان طوبوز مذنبًا كما تؤكد الحكومة أم لا. وكثيرًا ما لا يطبق المدعون العامون في تركيا معايير قانونية في القضايا قيد التحقيق، بل يعملون كناشطين في حزب العدالة والتنمية الحاكم  الذي يقوده الرئيس أردوغان. ونتيجة لذلك، فإنهم يمارسون امتيازاتهم في مجال الادعاء بشكل مدمر، لا يؤثر سلبًا على المتهمين، بل أيضا على أسرهم خاصة في ظل البيئة السياسية المحفوفة بالمخاطر وغير المستقرة في تركيا.

كما أن الصحف التي تكتب عن الانقلاب ومؤامرة كولن المزعومة تتعرض للمضايقات. وطوال العشر سنوات الماضية، أدت التغييرات التي طرأت على ملكية وسائل الإعلام التركية الكبرى واعتقالات للصحفيين والمحررين إلى خلق بيئة صحفية مرتعشة يديرها صحفيون خائفون أو مبتدئون.

هذه الوزارة الافتراضية للمعلومات لا يمكن الوثوق بها في تقديم تقارير موضوعية عما حدث حقا في ليلة 15 يوليو 2016، أو مدى مشاركة حركة كولن. ومن الخطورة جدًا أن نتساءل عن الرواية الرسمية بأن جماعة كولن كانوا في مركز المؤامرة. ربما تقول إن طوبوز وكانتورك كانوا من المنقلبين المتآمرين. ولكن إذا لم يتمكن أي من المدعين العامين المحايدين أو الصحافة من إجراء تحقيق قانوني عادل، فإن القضية المرفوعة ضدهم وحركة كولن ستكون أكثر من مجرد التأكيد على ذلك، ونظرًا لما يعرفه الناس عن كولن وأتباعه، فإنه من المنطقي أنهم مذنبون. وهذا منطق ضعيف.

أما بالنسبة إلى حمزة أولوكاي، فإن قصته مختلفة إلى حد ما. حيث اتهم أولوكاي، وهو نصف كردي، بأنه مؤيد لحزب العمال الكردستاني، وهى الجماعة إرهابية استهدفت تركيا منذ 33 عاما.  ووفقا لزميل سابق، كان أولوكاي يعرف الكثير عن السياسة الكردية وما يحدث في الجنوب الشرقي ذي الأغلبية الكردية أكثر من أي شخص آخر. وهكذا لعب دورا هاما في مساعدة الدبلوماسيين الأمريكيين على فهم الديناميات السياسية في ذلك الجزء غير المستقر والعنيف من تركيا. ومن الممكن،  كما يفترض أحد– في إطار أن أي شيء ممكن أن يحدث– أن يكون أولوكاي عضوًا في حزب العمال الكردستاني. ولكن من الصعب الاعتقاد بذلك، نظرًا للمتطلبات الأمنية الصارمة للعمل في وظيفة في أي سفارة أو قنصلية أمريكية في الخارج، وحقيقة أن الولايات المتحدة منذ فترة طويلة قد صنفت حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية.

كما أن التفسيرات الرسمية لاحتجاز توبوز وزملائه ليست هي في الواقع أسباب اعتقالهم. حتى المراقبون العاديون للسياسة الداخلية التركية والسياسة الخارجية يعرفون أن الحكومة التركية أصرت على أن تقوم الحكومة الأمريكية بتسليم فتح الله كولن من مجمع سايلورسبورج في بنسلفانيا حيث كان يعيش منذ أواخر التسعينيات إلى تركيا لمحاكمته على الدور المزعوم في الانقلاب الفاشل الذي حدث في صيف 2016.
 وفي الأسبوع الماضي، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن مايكل فلين، قبل فترة وجيزة من بدء فترة ولايته كمستشار للأمن القومي للرئيس ترامب، ناقش مثل هذا الترتيب مع المسئولين الأتراك– مع احتمال أن يدفع الأتراك نحو 15 مليون دولار– في اجتماع خاص عقد في نيويورك في ديسمبر الماضي. وهذا يثير احتمال أن يواجه فلين وابنه، مايكل فلين الابن، تهمة المؤامرة الخطيرة من المستشار الخاص لوزارة العدل روبرت مولر، الذي يبدو أنه يحقق جديًّا في هذه المؤامرة المزعومة، التي وصفها فلين بأنها "فظيعة" و "كاذبة".

وبالمثل، فإن الأتراك قد بذلوا قصارى جهدهم لجعل قضية رضا ضراب تختفي. وضراب هو رجل أعمال إيراني تركي اعتقل في مارس 2016 بتهمة الاحتيال المصرفي، والتخطيط للالتفاف على العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران من خلال تجار الذهب في اسطنبول وبنك خلق المملوك للحكومة التركية. وتشكل قضية ضراب تهديدًا لأردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم  من ناحيتين:
أولاً، كان ضراب على علاقة مع أعلى مستويات الحكومة التركية. وإذا كانت المذكرات التمهيدية التي قدمها المحامون الأمريكيون المساعدون للمقاطعة الجنوبية في نيويورك هي مقياس لما سيأتي في شهادة قاعات المحكمة، فمن المحتمل أن يتم نشر الكثير من الغسيل التركي القذر.

ثانيًا، قد يُكشف النقاب عن كيف تهرب ضراب و بنك خلق من العقوبات التي وضعت البنوك التركية الأخرى في مرمى الخزانة الأمريكية. وأشارت تقارير صحفية في أواخر أكتوبر إلى أن خمسة مصارف تركية قد تواجه غرامات قد تصل إلى نحو ستة  مليارات دولار بسبب انتهاك العقوبات. ونفى المسئولون الأتراك هذه التقارير مؤكدين أنها شائعات، وزعم أردوغان أن القضية ضد ضراب هي جزء من جهد أمريكي لإسقاطه. ومع ذلك، إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البنوك التركية جراء قضية ضراب، فإن ذلك سيكون له تأثير سيء على القطاع المصرفي التركي بأكمله ويمكن أن يؤثر على المستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية وأردوغان نفسه، مما يعطي خصومهم قضية يمكنهم استغلالها لتسليط الضوء على تهور الحكومة.

وفي اجتماعه الأخير مع الرئيس باراك أوباما، سأل أردوغان عما إذا كان بإمكان الرئيس أن يفعل أي شيء بشأن قضية ضراب؛ وكرر ذلك أيضًا في اجتماعه الأول مع الرئيس ترامب. وبعد وقت قصير من تولي ترامب لمنصبه، أضاف فريق دفاع  ضراب عمدة نيويورك السابق رودي جولياني، الحليف المقرب من ترامب، إلى قائمته. وفي الوقت نفسه تقريبا، أطلق بريت بهارارا، المحامي الأمريكي الذي أقام الدعاوى ضد ضراب. ومع ذلك، فمن المقرر أن تعقد المحاكمة هذا الشهر.

هل يمكن أن يكون اعتقالات طوبوز وأولوكاي، فضلا عن المضايقات التي يتعرض لها كانتورك، جزءا من محاولة للضغط على الولايات المتحدة في نوع من الصفقة على كولن وضراب (أو أحدهما)؟ من الصعب أن نصدق ذلك، ولكن الرئيس التركي أردوغان أشار في سبتمبر إلى أن الحكومة التركية ستكون مستعدة لتبادل قس أمريكي يدعى أندرو برونسون، الذي اعتقل في سجن تركي بعد الانقلاب الفاشل، مع كولن. وبرونسون هو واحد  الأمريكيين المحتجزين في تركيا – والذين يصل عددهم إلى نحو 20 أمريكيًّا – بناءً على ما تعتبره جماعات حقوق الإنسان تهم زائفة تتعلق بدعم حركة كولن أو حزب العمال الكردستاني. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية حذرة جدًا في التعليق على احتجاز الأمريكيين ولم تتخذ أية إجراءات إلا بعد اعتقال طوبوز. وقد وصفت منظمة العفو الدولية المحتجزين الأمريكيين بأنهم "رهائن".
الكثير من أشكال العلاقة الاستراتيجية أو نموذج الشراكة التي يستخدمها الأمريكيون لوصف العلاقات مع تركيا. تلك الدولة ليست أكثر من صديق. إنها أقرب إلى كونها (عديق) "الصديق العدو".

المصدر – مجلس العلاقات الخارجية

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا