ثلاثة سيناريوهات للمواجهة بين بكين وواشنطن في بحر الصين الجنوبي

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

“لو قررت الصين أن تمضي قدمًا وتعلن إقامة منطقة تحديد الهوية لأغراض الدفاع الجوي فوق بحر الصين الجنوبي، فإن الأمور قد تزداد تعقيدًا.”

لكن الأمر المحيّر هو أن الصين تدرك تمامًا مخاطر هذه الاستراتيجية، أو مخاطر تقييد حرية ملاحة الأسطول الأمريكي، والتي تعد واحدة من أهم مصالح الولايات المتحدة طويلة الأمد في هذه المنطقة. ونظرًا إلى أن الحكومات أحيانًا لا تفهم حتى أنها تمارس لعبة خطيرة إلا بعد أن تجد نفسها متورطة فيها؛ فإنه من الصواب توخي الحذر الشديد.

من السهل تخيّل حدوث مواجهة أكثر خطورة في بحر الصين الجنوبي. فأي تصادم عرضي سيكون سيئًا بما فيه الكفاية، لكن لو وقع سيناريو شبيه بإسقاط طائرة الخطوط الجوية الكورية رحلة 007، حيث تقوم مقاتلة صينية بفتح النار على طائرة أمريكية، فإن الوضع قد يصبح قبيحًا بسرعة كبيرة. ولو فتح طيار أمريكي النار على طائرة صينية، فإن رد فعل الجمهور الصيني سيصبح قويًا لدرجة لا تتمكن فيها بكين من السيطرة عليه.

لا ترغب الصين ولا الولايات المتحدة في حدوث حرب، على الأقل في المستقبل القريب. وبالرغم من الحشود العسكرية الصينية، إلا أن جيش التحرير الشعبي الصيني ليس جاهزًا لمحاربة الولايات المتحدة. أما واشنطن فإنها بالتأكيد تُفضّل تفادي الفوضى وحالة عدم اليقين الناتجة عن أي صراع عسكري مع الصين.

مع ذلك، تتعهد بكين وواشنطن بالتزامات في بحر الصين الجنوبي، ربما سيجد البلدان صعوبة في التراجع عنها. خلال الأسبوعين الماضيين، نتج عن هذه الالتزامات حرب كلامية يرى محللو العلاقات بين البلدين أنها مثيرة للقلق. تتمثل المشاكل الأساسية في جهود الصين لتوسيع (أو إنشاء) جزر في أرخبيل “سبراتلي”، وهو ما قد يوفّر الأساس نظريًا لمزاعم أحقية الصين في تلك المياه الإقليمية. إن إصرار الولايات المتحدة على حرية الملاحة قد يؤدي لإيصال هذه التوترات لدرجة الغليان. إليكم ثلاث طرق يمكن بموجبها أن تؤدي التوترات في بحر الصين الجنوبي لحدوث صراع بين البلدين.

بناء الجزر في بحر الصين الجنوبي

على مدى الأشهر القليلة الماضية، زادت الصين من وتيرة بناء ما يُطلِقُ عليه المراقبون: “سور الرمال العظيم” ويتمثل هذا “السور العظيم” في توسيع مجموعة من الجزر في أرخبيل “سبراتلي” بهدف إنشاء مدارج جوية وتخزين أسلحة وإقامة منشآت دائمة. يبدو أن بكين ملتزمة بالدفاع عن هذه الجزر الجديدة بوصفها جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وهو موقف لا تدعمه “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”. إن الولايات المتحدة لديها أفكار أخرى، وقد كررت القول إنها ستسيّر دوريات لتأمين حرية الملاحة في مناطق تزعم الصين أنها جزء من مياهها الإقليمية.

هناك احتمالات حقيقية بحدوث صراع. فلو دخلت سفن أو طائرات أمريكية منطقة بحرية تزعم الصين أنها خاضعة لسيادتها، فإن البحارة والجنود والطيارين الصينيين يتعيّن عليهم توخي الحذر الشديد بشأن طريقة الرد. إن أي رد عسكري قد يقود بسرعة إلى حالة تصعيد، لا سيما لو تكبّدت القوات الأمريكية أضرارًا فادحة. من السهل أيضًا تخيل سيناريو تؤدي فيه عمليات بناء الجزر لتوريط الصين في صراع مع دولة من مجموعة “آسيان”. في هذه الحالة، فإن أي دورية لتأمين حرية الملاحة قد تضع الصين في موقف محرج مع الطرف الثالث.
(هذا المقال جرى نشره في عام 2015)

حدوث صدام في الجو بين المقاتلات الأمريكية والصينية

لقد اقتربت الصين والولايات المتحدة بالفعل من الدخول في صراع بسبب حوادث اصطدام الطائرات. فعندما اصطدمت طائرة (P-3 Orion) بطائرة صينية اعتراضية من طراز (PLAN J-8) في عام 2001، أدى ذلك لاتهامات ومفاوضات قبل إعادة طاقم طائرة (P-3) إلى الولايات المتحدة، وإعادة الطائرة الأمريكية… داخل صندوق.

من السهل تخيّل حدوث مواجهة أكثر خطورة في بحر الصين الجنوبي. فأي تصادم عرضي سيكون سيئًا بما فيه الكفاية، لكن لو وقع سيناريو شبيه بإسقاط طائرة الخطوط الجوية الكورية رحلة 007، حيث تقوم مقاتلة صينية بفتح النار على طائرة أمريكية، فإن الوضع قد يصبح قبيحًا بسرعة كبيرة. ولو فتح طيار أمريكي النار على طائرة صينية، فإن رد فعل الجمهور الصيني سيصبح قويًا لدرجة لا تتمكن فيها بكين من السيطرة عليه.

لو قررت الصين أن تمضي قدمًا وتعلن إقامة منطقة دفاع جوي فوق بحر الصين الجنوبي، فإن الأمور قد تزداد تعقيدًا. لقد تجاهلت الولايات المتحدة بشكل متعمّد منطقة الدفاع الجوي الصيني فوق بحر الصين الشرقي، لكن بكين لديها مصالح أكبر وحضور أكبر في بحر الصين الجنوبي. إن إعلان الصين إقامة منطقة أخرى لتحديد الهوية لأغراض الدفاع الجوي سيؤدي بالتأكيد لحدوث رد فعل مشابه من الولايات المتحدة، ما يضع الطائرات الأمريكية والصينية على مسافة قريبة من بعضها البعض.

حادث غواصة غير مقصود

أثناء الحرب الباردة، تعرضت غواصات الاتحاد السوفيتي وحلف الناتو لـ “حوادث اصطدام وشيكة” لا حصر لها، إذْ طاردت الغواصات بعضها واصطدمت أحيانًا ببعضها الآخر في المحيط الأطلنطي والقطب الشمالي وبحر الشمال. لم تقع حتى الآن حادثة مشابهة بين الغواصات الصينية والأمريكية، وهذا يُعزى جزئيًا إلى عجز الصين حتى الآن عن تسيير دوريات منتظمة لغواصات نووية مسلحة بصواريخ باليستية، والسبب الآخر يعود إلى أن مدى الغواصات الصينية لا يتجاوز المدى الذي كانت تصله نظيرتها السوفيتية. ولكن في وقت أصبح فيه سلاح الغواصات الصيني أكثر ميلاً للمغامرة، فقد تزداد إمكانية وقوع حوادث بين الغواصات.

يجادل الكثير من المحللين بأن جيش التحرير الشعبي الصيني يحتاج إلى إرسال غواصاته إلى ما بعد “سلسلة الجزر الأولى” حتى يتمكن بشكل جدّي من تهديد وصول الولايات المتحدة إلى الساحل الصيني. إن التجهيز لمهمة كهذه سيتطلب زيادة وتيرة عمليات غواصات الجيش الصيني، ما سيضع الغواصات الصينية غالبًا على مسافة قريبة من نظيرتها الأمريكية واليابانية. الأمر المؤكد هو أن الغواصات الصينية تصدر صوتًا مرتفعًا، ما سيمنح الوقت الكافي للغواصات الأمريكية للابتعاد عن طريقها، لكن القول ذاته ينطبق على الغواصات السوفيتية أثناء معظم عهد الحرب الباردة.

لو وقعت حادثة كبيرة بين الغواصات الأمريكية والصينية، فإن طريقة إيصال هذا الخبر للإعلام قد تبعث الأمل في خفض التصعيد (نحن غالبًا لا نسمع عن هذه الحوادث إلا بعد مرور وقت طويل). لكن حادثًا كهذا سيضع مزيدًا من الأرواح والممتلكات في خطر مقارنة مع حادث بين طائرتين.

أفكار ختامية

إن وقوع حرب بالخطأ هو أمر نادر، لكنه ليس مستحيلاً. القاسم المشترك لكل هذه السيناريوهات هو احتمال أن يصبح الرأي العام الصيني (أو أقل ترجيحًا الرأي العام الأمريكي) محتقنًا لدرجة تضع صُنّاع القرار الصينيين في مأزق كبير. لو شعر “شي جي بينج”، الذي جعل من السياسة الخارجية الحازمة ركنًا أساسيًا لإدارته، بأنه لا يستطيع التراجع أو النجاة سياسيًا، فإن الأمور قد تصبح غامضة بسرعة كبيرة.  

وكما جادل “ديني روي”، فإن الصين تلعب دور المهاجم في بحر الصين الجنوبي. إن خلق الصين لحقائق على الأرض، يخلق وضعًا يصبح فيه السلوك الأمريكي العادي يبدو وكأنه تدخل مزعزع للاستقرار. لكن الأمر المحيّر هو أن الصين تدرك تمامًا مخاطر هذه الاستراتيجية، أو مخاطر تقييد حرية ملاحة الأسطول الأمريكي، والتي تُعدُّ واحدةً من أهم مصالح الولايات المتحدة طويلة الأمد في هذه المنطقة. ونظرًا إلى أن الحكومات أحيانًا لا تفهم حتى أنها تمارس لعبة خطيرة إلا بعد أن تجد نفسها متورطة فيها، فإنه من الصواب توخّي الحذر الشديد.
  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا