جلوبال ريسك إنسايتس | كيف أصحبت فنزويلا مسرحاً للتنافس بين موسكو وواشنطن؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

أعطت مفكرة "جون بولتون"، مستشار الأمن القومي، للعالم تلميحات، وذلك خلال حضوره مؤتمرًا صحفيًّا في البيت الأبيض هذا الأسبوع، حيث كتب فيها: "5 آلاف جندي إلى كولومبيا". هل هذه استراتيجية مجدية للمساعدة في ضمان الاستقرار في فنزويلا؟ ما هي مخاطر تدخل الجيش الأمريكي في دولة أخرى في أمريكا اللاتينية، حيث لا تزال الذكريات حية بتدخل الولايات المتحدة؟ هل سيتسبب ذلك في الصراع مع روسيا؟

أثارت المفكرة الصفراء لمستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" دون قصد سلسلة من الأسئلة حول ما استعدت به الولايات المتحدة للمساعدة في ضمان شرعية زعيم المعارضة الفنزويلية "خوان جويدو". بعد إعادة انتخاب "نيكولاس مادورو" في مايو 2018 ، والذي رفضت الجمعية الوطنية التي تسيطر عليها المعارضة الاعتراف به كرئيس. ورد مادورو بالقول إنه سيكمل فترته الرئاسية الأولى؛ ومن ثم يؤدي اليمين الدستورية لفترة ثانية في 10 يناير 2019. غير أن خوان جويدو أكد أن كرسي الرئاسة شاغر، حيث إن انتخاب مادورو كان غير عادل؛ وهو ما أدى إلى نشوب الأزمة الحالية.

الهدف الأمريكي
إن الهدف  الأمريكي هو دعم خوان جويدو، الذي أعلن في الفترة الأخيرة نفسه رئيسًا مؤقتًا للبلاد. وقد اعترفت به الولايات المتحدة والعديد من دول أمريكا اللاتينية الأخرى. ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى الانقسام بين الاعتراف بجويدو ضد مادورو على أنه معركة بين دعم الولايات المتحدة أو روسيا في حرب بالوكالة تعيد إلينا ذكريات أيام الحرب الباردة.

سيكون إرسال خمسة آلاف جندي أمريكي إلى كولومبيا خطوة استفزازية للمساعدة في تنصيب زعيم أكثر ديمقراطية في السلطة. ولأن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في العالم، فهذا يعزّز بالتأكيد مصالح الأمن القومي الأمريكي. وفي حين أنه من غير المحتمل أن يتم تنفيذ هذا الانتشار بموافقة الكونجرس، فإن ذلك لن يمنع إدارة ترامب من اتخاذ إجراء أحادي الجانب من قبل، ولكن من المحتمل أن يؤدي إرسال القوات الأمريكية إلى إحداث مزيد من الفوضى على الأرض، لا سيما إذا كانت ضد المرتزقة الروس.

ووفقًا لقاعدة بيانات المؤشرات العالمية لمركز بيو للأبحاث، فإن 47٪ من الفنزويليين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة، حيث أعرب 20٪ فقط عن ثقتهم بالرئيس ترامب. كما تلقى الشعب الفنزويلي موجة مستمرة من الرسائل المعادية لأمريكا من مادورو وسلفه "هوجو شافيز". وعلى الرغم من وجود معارضة كبيرة لوجهة النظر تلك حاليًا، بيد أنه من غير المحتمل أن يستجيب الجمهور إيجابيًّا لغزو عسكري أمريكي لفنزويلا، وهذا ما يؤدي– دون شك– لانتهاك سيادة البلد، ما لم يتلق دعم الهيئات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة أو منظمة الدول الأمريكية.

أمريكا ضد روسيا في فنزويلا
وفي المقابل، لدى روسيا أهداف استراتيجية مختلفة تمامًا في فنزويلا، وتعارض بشدة إرسال الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لدعم خوان جويدو. وبينما توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا بعد انتخاب شافيز في عام 1999، تمكن تشافيز وبوتين من تكوين شراكة وثيقة. لقد لعبت روسيا دورًا مهمًا في مساعدة فنزويلا على الحفاظ على الهوية السيادية في أمريكا اللاتينية التي تتحدى دور الولايات المتحدة في المنطقة، بينما كانت واشنطن حريصة على قمع هذه الهوية. وكانت فنزويلا أيضًا واحدة من الدول القليلة التي صوتت ضد قرار الأمم المتحدة الذي يدين ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، ما أدى إلى فرض عقوبات عليها وتدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة.

في جلسة حديثة لمجلس الأمن الدولي، استغلت روسيا الفرصة لتذكير زملائها من الدول بشأن مخاطر التدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية، متهمةً الولايات المتحدة بمحاولة تدبير الانقلاب. ويتفق "نيكولاس مادورو" مع الموقف الروسي، وحذر من أن الغزو الأمريكي سيكون أكثر كارثية من فيتنام. إذًا، الحرب بالوكالة قد بدأت تشتعل بالفعل، حيث قامت روسيا بنقل مقاولين عسكريين خاصين إلى فنزويلا للمساعدة في دعم مادورو، رغم أن الكرملين نفى حتى الآن تلك التقارير.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه القوات الروسية متورطة في سوريا والنزاع في شرق أوكرانيا، تُعد فنزويلا مسعىً محفوفًا بالمخاطر نظرًا لبعدها عن موسكو ووجود العديد من الحلفاء الأمريكيين في المنطقة، خاصة كولومبيا المجاورة. ومن وجهة النظر الاستراتيجية، يبدو أن روسيا ستكون في وضع غير مواتٍ إذا ما أرادت أن تقحم نفسها أكثر في الشئون الفنزويلية الداخلية.

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت بالفعل فرض عقوبات على شركة النفط الحكومية "بي. دي. في. إس. أيه"، ويبدو أن بولتون أصبح قلقًا من وصول تأثير النفوذ الكوبي والإيراني إلى فنزويلا. كما اخترقت  إيران وروسيا والقوى المعادية الأخرى فنزويلا مرارًا وتكرارًا كوسيلة لكسب النفوذ في الأمريكتين، كذلك فالبلاد لها تاريخ طويل من القادة الأقوياء المناهضين للولايات المتحدة.

سياسة الرئيس ترامب الخارجية
في الوقت الذي يبدو فيه الرئيس "دونالد ترامب" ينتهج سياسة خارجية تتماشى مع الكرملين في كل شيء من داعش إلى أوكرانيا وحلف الناتو، فإن فنزويلا تبرز باعتبارها نقطة هامة في المواجهة. ولذلك يبقى أن نرى إلى أي مدى يرغب ترامب في الانفصال عن بوتين في هذه القضية. وفي الحين ذاته، يتطلع فريق سياسته الخارجية بقيادة "جون بولتون" ووزير الخارجية "مايك بومبيو" ونائب الرئيس "مايك بنس" لجعل فنزويلا أولوية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي.

إن ذرائع السياسة الخارجية بين موسكو وواشنطن تذكرنا بالمعارك السابقة حول يوغسلافيا في عام 1999، والعراق في عام 2003، وليبيا في عام 2011. وقد أدت هذه المعارك الثلاثة، سواء كانت بقيادة الناتو أم الولايات المتحدة، إلى تدهور العلاقات مع روسيا. وتميل روسيا إلى دعم القادة الشعبيين المنتخبين ديمقراطيًّا من أجل ضمان الاستقرار، وترى في حملات قصف حلف الناتو أو الغزوات العسكرية انتهاكًا لسيادة الدولة لدعم تغيير النظام، لا سيما إذا حدثت دون موافقة مجلس الأمن الدولي.  وإذا غزت الولايات المتحدة فنزويلا أو لعبت دورًا أكثر نشاطًا في إثارة الاضطرابات، فإنها ستُسبب بلا شك تصدعًا خطيرًا مع موسكو، بغض النظر عن مدى التقارب بين الرئيسين الأمريكي ترامب ونظيره الروسي بوتين.

الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية
منذ أن صدرت "عقيدة مونرو" في عام 1823، اعتبرت الولايات المتحدة، أمريكا اللاتينية ضمن نطاق نفوذها، على غرار ما نظرت موسكو لأوروبا الشرقية. وفي القرن العشرين، أدى هذا إلى سلسلة من التدخلات، سواء بشكل علني أو سري في دول مثل بنما ونيكاراجوا وجواتيمالا وغيرها. ولذلك ففكرة تغيير النظام في أمريكا اللاتينية بهدف تثبيت قادة موالين للولايات المتحدة غير متوافقين مع روسيا ليس بالأمر الجديد.

تتميز فنزويلا بعدد سكانها الكبير واحتياطياتها النفطية ونظامها السياسي الاشتراكي، وهو هدف متكرر بين صانعي السياسة من المحافظين الجدد مثل "جون بولتون" وأعضاء إدارة "جورج دبليو بوش". كما يستخدم الجمهوريون فنزويلا في السياسة الداخلية كمثال لما يتخيله الديمقراطيون الاجتماعيون والتقدميون لمستقبل الولايات المتحدة إذا ما عادوا إلى السلطة. في هذه الحالة، من المهم أيضًا معرفة أن الأحداث في فنزويلا تتحرك في اتجاه الولايات المتحدة من أجل تقديم مزيد من الدعم للرئيس.

باختصار، تحتل فنزويلا حيزًا استراتيجيًّا في كل من السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، وقد يؤدي هذا الاقتران إلى تحويل الاستجابة للتهديد إلى شروط سياسية وليست أمنية. ربما لا يكون التدخل العسكري الأمريكي وشيكًا، كما يقول "جون بولتون"، ولكن فنزويلا هي دراسة حالة مهمة للاستهلاك السياسي المحلي والسياسة الخارجية التي تعود إلى عقود. وباستخدام هذه المقاييس، فإن مخاطر استجابة واشنطن كبيرة، ومن المرجح أن تظل فنزويلا في مقدمة أجندة إدارة ترامب في أمريكا اللاتينية.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا