ناشيونال إنترست| الازدواجية الباكستانية ودورها في خسارة الولايات المتحدة لحرب أفغانستان

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

“إن خسارة حرب فيتنام لم تكن في الميدان أو على صدر صفحات نيويورك تايمز أو في حرم الجامعات، وإنما كانت في واشنطن!”.

كتب “أتش آر ماكماستر” هذه الجملة في كتابه الناقد بشدة لحرب فيتنام والصادر عام 1997 تحت عنوان “تقصير في الواجب” (Dereliction of Duty). كان ماكماستر حينها رائدًا في الجيش الأمريكي. والآن هو فريق متقاعد ومستشار سابق للأمن القومي للرئيس دونالد ترامب.

من الغريب حقًّا أن “ماكماستر” ساهم في نهاية المطاف فيما ظنّ البعض أنه أمر مستحيل، عبر تكرار أخطاء فيتنام وخسارة حرب أفغانستان – في الميدان وفي واشنطن.

المأساة الحقيقية هي أن قادة أمريكا، خصوصا قادتها العسكريين، كانوا يعلمون منذ زمن طويل أنه لم يكن ممكنًا الفوز بحرب أفغانستان عبر اختيار طريقة قتال غير ملائمة لطبيعتها؛ ما أدى لخسارة المال والأرواح الغالية.

لقد طبقنا لمدة سبعة عشر عامًا عقيدة خاطئة لمكافحة التمرد في مواجهة حرب بالوكالة تشنّها باكستان على الولايات المتحدة وأفغانستان. في الوقت ذاته، قدّمنا للباكستانيين حزم مساعدات سخيّة لرشوتهم وتحفيزهم على عدم اتباع نهج يتعارض مع نهجنا، هم يرون أنه يخدم مصالحهم الوطنية.

لم تكن استراتيجية مكافحة التمرد مطلقًا استراتيجية ناجحة طالما سيطرت باكستان على خطوط إمداد قواتنا في أفغانستان غير الساحلية، ونظّمت الإيقاع العملياتي عبر جيشها بالوكالة، حركة طالبان، التي احتفظت داخل باكستان ببنية تحتية كبيرة تساعدها في التجنيد والتدريب والتمويل، حيث أصبحت هناك محصّنة من الهجمات.

في الحقيقة، سمح قادتنا عبر مزيج من انعدام الكفاءة واللامبالاة بأن تتعرض الولايات المتحدة للهزيمة على أيدي باكستان، بل ودفع أموال لها مقابل ذلك.

ولطالما كانت أهداف باكستان في أفغانستان مختلفة عن أهداف الولايات المتحدة. إن باكستان لم تتقاعس فقط عن مساعدة الولايات المتحدة في أفغانستان، لكن منذ البداية وعبر دعمها لحركة طالبان، عملت باكستان بنشاط ضد مصالحنا وهي مسؤولة عن إطالة الحرب وقتل وتشويه آلاف الأمريكيين والأفغان.

على سبيل المثال، كان “جلال الدين حقاني” (وهو قائد شبكة حقاني التي سيطرت على إقليم خوست في شرق أفغانستان، حيث كانت تتواجد معظم معسكرات تدريب أسامة بن لادن ومؤيديه) عميلاً للاستخبارات المركزية الأمريكية في الثمانينيات، وقد التقى بمسؤولين أمريكيين عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر بوقت قصير.

كتب الصحفي “ستيف كول” ما يلي:

“كانت هناك دائمًا شكوك بشأن ما إذ كان حقاني فعلا جزءًا من حركة طالبان، لأنه لم يخرج من قندهار، وهو لم يكن جزءًا من المجموعة الأساسية. وكان معقولاً جدا الاعتقاد عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر أنه من الممكن تغيير ولائه”. 

في مطلع أكتوبر 2001، أجرى حقاني زيارة سرية لباكستان، نصحه خلالها الفريق “محمود أحمد”، وهو متشدد ديني كان يشغل حينها منصب مدير وكالة الاستخبارات الباكستانية سيئة الصيت “آي أس آي”، بالصمود وعدم الانشقاق، واعدًا إياه بالمساعدة.

ولاحقًا، قرر حقاني البقاء مع حركة طالبان، وما تزال شبكة حقاني تمثّل تهديدًا ومصدرًا لعدم الاستقرار في أفغانستان.

كانت الولايات المتحدة مدركة منذ وقت مبكر لازدواجية باكستان. قال “غاري بيرنتسين”، وهو من أوائل عملاء الـ “سي آي آيه” الذي وصلوا إلى أفغانستان:

“افترضت من بداية الصراع أن مستشاري وكالة الاستخبارات الباكستانية يدعمون طالبان بالخبرة والمساعدة المادية، ولا شك أنهم كانوا يرسلون سيلاً ثابتًا من المعلومات الاستخباراتية إلى باكستان”. 

لقد استمر هذا النمط من السلوك الباكستاني المُضلل على مدار السنوات الـ17 الماضية.

في أواخر العام الماضي، وأثناء هجوم لحركة طالبان على إقليم غازني الأفغاني، عُثر على عدد كبير من المواطنين الباكستانيين بين القتلى، من المفترض أنهم ماتوا وهم يقاتلون في صفوف طالبان. وقد جرى لاحقًا إعادة جثث هؤلاء القتلى إلى باكستان.

في مقطع مصوّر جرى نشره مؤخرًا، شدّدت القاعدة على وحدتها مع حركة طالبان ودورها داخل تمرد طالبان، إذْ يقاتل الجهاديون، من بينهم باكستانيون، معًا لإعادة إحياء إمارة طالبان الإسلامية في أفغانستان.

مع هذا لم يفعل قادة أمريكا السياسيون وضباطها العسكريون الكبار أي شيء، مفضّلين البقاء في حيرة أو عدم اكتراث إزاء السبب الذي جعلنا لم ننتصر في أفغانستان.

قبل وقت قصير من وفاته عام 2015، ذكر الفريق “حميد غول”، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستاني، وهو إسلامي ملتزم ومعروف باسم “الأب الروحي لطالبان”، خلال مقابلة تلفزيونية باللغة الأوردية:

“يومًا ما، سيذكر التاريخ أن وكالة الاستخبارات الباكستانية طردت الاتحاد السوفيتي من أفغانستان بمساعدة الولايات المتحدة، كما سيسجل التاريخ أيضًا أن الاستخبارات الباكستانية هي من طردت الولايات المتحدة من أفغانستان بمساعدة الولايات المتحدة”. 

انفجر الجمهور الباكستاني الحاضر ضاحكًا وصفّق مرحبًّا بكلامه.

إن مشكلة قيام باكستان بدور المحرّض الحقيقي في الصراع الأفغاني، لم تُعالج مطلقًا معالجة كافية، كما بقيت ملاذات طالبان الآمنة في باكستان دون أن تُمسّ.

لم تُمارس مطلقًا ضغوط على نقاط الضعف التي تعاني منها باكستان، المتمثلة في اقتصادها المُحتضر وعجزها المالي والتهديد الوجودي للنزعة الانفصالية العرقية، لا سيما وسط مجتمعات البلوش والبشتون داخلها.

في ميدان المعركة في أفغانستان، أصبحت جهود الحرب عبارة عن برنامج يتحرك بشكل آلي، إذ طُمئن الجميع باستمرار بأن كل شيء يسير وفقًا للخطة وأن “هناك تقدمًا يُحرز” وهي جملة سمعتها مرارًا وتكرارًا أثناء عملي سنة 2010 في مقرّ قوة المساعدة الأمنية الدولية “إيساف” في كابول.

ونظرًا لافتقارنا لأية أفكار جديدة أو حتى اعترافنا بالواقع، فإننا اخترنا مواصلة اتباع نهج ثبت عدم جدواه في مكافحة التمرد بأفغانستان؛ ما أجبر الولايات المتحدة على الدخول في مفاوضات مباشرة مع طالبان، هو تنازل رفضنا سابقًا التفكير فيه.

مع هذا، فإن أي انسحاب أمريكي سيصبح هزيمة مُذلة ، في حال أُجبرت الولايات المتحدة على إجراء انسحاب استراتيجي من جنوب آسيا، لأننا لا نملك خطة للتصدّي للظروف الإقليمية المتغيّرة التي ستنشأ في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

إن ورقة المساومة الوحيدة التي تملكها الولايات المتحدة في محادثات السلام هي وجودنا في أفغانستان، الذي كان هدفًا رئيسيًا لمفاوضي طالبان، الذين يصرّون على إعلان الولايات المتحدة خطة للانسحاب في غضون ستة أشهر.

إن حجة “الوجود” الأمريكي ضعيفة في أحسن الأحوال. إذ ينبغي للولايات المتحدة أن تبحث عن أدوات تأثير جديدة تدعم موقفنا التفاوضي في المديين القريب والبعيد، وتوفر أساسًا لاستراتيجية جديدة في جنوب آسيا.

إن الجهود التي أُعلن عنها مؤخرًا والمتمثلة في تعزيز العلاقات العسكرية مع الهند، هي خطوة في الاتجاه الصحيح.

وينبغي للولايات المتحدة أيضًا اتخاذ إجراءات لعرقلة خطط المحور الصيني-الباكستاني لفرض هيمنته الإقليمية. تنوي بكين توسيع نطاق مبادرتها “الحزام والطريق” نحو جنوب آسيا، بما في ذلك أفغانستان، واستكمالها بتأسيس منشآت عسكرية مثل القواعد البحرية الصينية في بحر العرب.

يُعدّ مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان العنصر الأساسي في مبادرة الحزام والطريق. ويُمثل إقليم بلوشستان الواقع جنوب غرب باكستان مركز جاذبية مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وهو مسرح لتمرد ملتهب من أجل الاستقلال. ومؤخرًا، نفّذ جيش تحرير بلوشستان هجومًا كبيرًا وجريئًا على فندق “بيرل كونتيننتال” في قلب ميناء “غوادر” الذي تديره الصين، والذي يعدّ المشروع الأساسي في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.

إنَّ نَيل إقليم بلوشستان للاستقلال يمكن أن يخدم عددًا من المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، على سبيل المثال: تزويد أفغانستان بجار صديق وإمكانية الوصول إلى البحر، القضاء على منطقة رئيسية داخل البنية التحتية لدعم الإرهاب في باكستان، وممارسة ضغط إضافي على إيران، التي يعيش فيها أيضًا مجتمع بلوشي متململ، وعرقلة طموحات الصين بفرض هيمنتها الاقتصادية والعسكرية على جنوب آسيا.

إن أسس أية استراتيجية أمريكية جديدة في جنوب آسيا، ينبغي أن تشمل تحويل العبء والعمل عند الضرورة على تقويض خصومنا استراتيجيًّا.         

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا