الجارديان | الأزمة الكتالونية هي مفتاح صعود اليمين المتطرف الإسباني

بسام عباس

ترجمة بواسطة – بسام عباس

بدت فكرة جيدة جدًا في ذلك الوقت. ستسمح لي قضاء فترة من الإجازة البحثية في برشلونة كي أصحّح كل ما أعرفه عن القومية. أود أن أرى عن قرب كيف تفسد الرؤى القومية المتنافسة الوئام والتعايش السلمي بين المجموعات المتنوعة ثقافيًّا. سوف أفهم كيف يمكن لمبدأ تقرير المصير الوطني أن يلهم الناس بالسعي وراء المطالبة بدولتهم المستقلة، ولكن أيضًا فهم كيف أنَّ فكرة الوحدة الوطنية تهدد التنوع، وبصورة أكثر تحديدًا: استطعت معرفة كيف تحول المزاج السائد في برشلونة، الذي كان في وقت من الأوقات معقلًا للتعددية الثقافية والود، إلى هذا الغضب، وكيف أن الاستثنائية الإسبانية في عدم وجود حزب سياسي يميني متطرف قد وصلت إلى نهايتها. لذلك قبلت عرض أستاذ زائر في برشلونة دون تردد كبير.

للأسف، كان الواقع على الأرض أكثر تعقيدًا مما توقعت. صحيح كانت العوامل المعتادة في المكان، وكان الانهيار المالي في عام 2008 والركود الذي تلاه أكثر حدة في المناطق الأكثر ثراءً مثل كتالونيا، التي أصبحت أكثر ترددًا في مشاركة عائداتها الضريبية مع الأجزاء الأكثر فقرًا في البلاد.

واستخدم السياسيون من كلا الجانبين المشاعر الانفصالية المتزايدة لتعزيز أجنداتهم الخاصة. بالنسبة لـ “أرتور ماس”، رئيس حكومة كتالونيا، من 2010 إلى 2015، كانت هذه فرصة لدعم حظوظه الانتخابية المتدهورة، وذلك بالتحول عن النهج التقليدي الذي اتبعه سلفه، “جوردي بويول”، واحتضانه الانفصال. بالنسبة إلى “ماريانو راخوي”، رئيس وزراء إسبانيا من عام 2011 إلى عام 2018، وحزبه – حزب الشعب، يمين الوسط – فهذا بدوره يمنحه وسيلة لقمع الحركة الانفصالية (بتطبيق قرار سابق أصدرته المحكمة العليا في عام 2010)؛ ما زاد من سحق الأمل الكتالوني في مزيد من الحكم الذاتي.

لكن، كما علمت، لا الأحداث ولا الحجج الواضحة حول كون إسبانيا الضحية الأخيرة لظهور روح العصر الشعبوي اليميني المتطرف على المستوى العالمي، كافية لتفسير معضلات السياسة الكتالونية والإسبانية الحالية، كذلك لم تفلح نتائج الانتخابات العامة لهذا الأسبوع، والتي شهدت فوز اليمين المتطرف بثالث أكبر حزب في البرلمان، في تفسير ذلك.

لسبب واحد، لم تكن إسبانيا استثناءً كبيرًا عندما يتعلق الأمر بأفكار اليمين المتطرف التي يتم تمثيلها في البرلمان. والقليل من النقاد الدوليين يحيطون علمًا بالحقيقة، ولكن حزب فوكس (Vox)، الذي برز في الانتخابات الإقليمية الأندلسية عام 2018، والذي أسسه مجموعة منشقة عن حزب الشعب اليميني الوسطي، وبالتالي كانت بالفعل جزءًا كبيرًا من السياسة السائدة في إسبانيا. وبالمثل، لا يمكن تفسير مكاسب فوكس الأخيرة كدليل على طفرة غير مسبوقة في الشعور برهاب الأجانب. حيث يظل الشعب الإسباني أكثر تسامحًا تجاه المهاجرين من معظم نظرائه الأوروبيين.
ولكن مفتاح جاذبية حزب فوكس المتزايدة هو الأزمة الكتالونية (إذا نحَّينا جانبًا عوامل أخرى مثل استخراج الحكومة لجثة فرانكو). خلال الحملة الانتخابية، وعد حزب فوكس بشن حملة على الحركة الانفصالية الكتالونية، ووصف الاحتجاجات في برشلونة بأنها دليل على “انقلاب دائم”. 

بادئ ذي بدء، لا يمكن تفسير الاضطرابات الناجمة عن الحكم الصادر عن المحكمة العليا في الشهر الماضي على قادة كتالونيا الانفصاليين إلا جزئيًّا بالإشارة إلى مطالب تقرير المصير الوطني؛ لأن الاستقلال يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. يظهر أحدث مقياس من المركز الكتالوني لدراسات الرأي أن 34.5٪ فقط من السكان يعتقدون أن كتالونيا يجب أن تكون دولة مستقلة، في حين يعتقد 24.5٪ أنها يجب أن تكون دولة داخل إسبانيا فيدرالية، مقابل 27٪ يفضلون استمرار الوضع الراهن، وهذه حقيقة مؤكدة في الانتخابات العامة، حيث قام 43٪ من الناخبين بالتأييد للأحزاب المستقلة مقابل 40٪ ممن اختاروا أحزابًا غير مستقلة.

ربما الأهم من ذلك، بالنسبة لعدد كبير من الكتالونيين، فإن المظاهرات لا تتعلق بوضع كتالونيا في المستقبل على الإطلاق.

كما أنه ليس لدى المتظاهرين تعاطف كبير مع الزعماء الانفصاليين مثل “يواكيم تورا” أو ” كارلس بوتشدمون”، كما كشف الأداء السيئ لحركة (معًا من أجل كتالونيا) في صندوق الاقتراع أيضًا. فإن ما يوحِّد المشاركين في المظاهرات والإضرابات هو الغضب والازدراء لما يرون أنه نخبة سياسية فاسدة. في هذا الصدد، فإنهم يمثلون استمرارًا لحركة غاضبون ضد التقشف، التي احتلت ساحة بويرتا ديل سول في مدريد في عام 2011، أكثر من أي شيء آخر.

هذا لا يعني أن الأزمة الحالية مصطنعة أو مؤقتة، على العكس من ذلك، كانت أحدث موجة من الاحتجاجات، التي حشدتها لجان الدفاع في الجمهورية (CDR) أو تسونامي الديموقراطية، أكثر تنظيمًا وعدوانية من ذي قبل، فأرسلت موجات صدمة عبر إسبانيا وحول العالم. ما هو أكثر من ذلك، لم يكن المتظاهرون فقط من “المهمشين”، “والمشردين” و”الصفوف الخلفية” – وهم أكثر من يذكر في السرد الإعلامي المهيمن حول مثل هذه الأحداث – لكنهم شملوا “الأثرياء” و”الصفوف الأمامية”. وكان الكثير منهم من عمال الياقات البيضاء أو طلاب جامعيين، وكان المتظاهرون “غير المتفرغين” يقسمون وقتهم بين العمل أو الجامعة والتظاهرات في الشوارع. وهذا ما تؤكده بيانات الاستطلاع التي تظهر أن دعم الانفصال هو الأعلى بين أولئك الذين لديهم دخل صافٍ للأسر يتراوح بين 2000 و3000 يورو شهريًّا، يليهم أولئك الذين يحققون أكثر من 3000 يورو (متوسط الدخل في كتالونيا). بمعنى آخر، فإن الانفصالية الكتالونية هي ظاهرة من الطبقة الوسطى أو العليا، وليست “بالون” من السخط سينفجر في ذلك الوقت.

لا أحد يدرك هذا أكثر من “سانتياغو أباسكال”، زعيم حزب فوكس، الذي أصر على اللعب بالبطاقة الاقتصادية في الفترة التي سبقت الانتخابات. وقال أباسكال في مناظرة تلفزيونية في 4 نوفمبر: “الأزمة الاقتصادية ستجدنا بدون وحدة وطنية ودون أمن قانوني”. واختتم حديثه مقتبسًا من “راميرو ليديسما راموس”، أحد الأيديولوجيين في الحركة الفلانجية الفاشية: “وحدهم الأغنياء يمكنهم تحمل تكاليف عدم وجود بلد”.

بطبيعة الحال، فإن البلد المثالي لأباسكال، إسبانيا المركزية القوية، ليست هي الدولة التي يريدها الكتالونيون، فهي تفضل كتالونيا المستقلة أو منطقة الحكم الذاتي داخل إسبانيا مع سيطرة أكبر على سلطاتها المالية. ولا يبدو أي منهما على استعداد لقبول خيال الآخر، كما أظهرت نتائج الانتخابات، التي انقسمت بالتساوي بين اليسار واليمين.

إن الخطر الذي تواجهه إسبانيا في أعقاب الانتخابات العامة هو أن كل واحدٍ من هؤلاء يحاول استغلال الآخر. كانت هناك بالفعل علامات على ذلك قبل الانتخابات عندما أعلن فرعا مدريد من حزب الشعب والمواطنون أنهما قد يدعمان مبادرة فوكس لحظر الأحزاب المستقلة. وسواء اختاروا فعلًا اتباع هذا المسار الأكثر قسوة بدلاً من الانخراط في حوار مع الانفصاليين – وهي السياسة التي سيتبعها التحالف اليساري المكون حديثًا بين حزب العمال الاشتراكي الإسباني وحزب بوديموس– وهو ما لم يتضح بعد.

 الشيء الوحيد المؤكد هو أنه سيكون هناك مجال أقل بكثير للمناورة في بلد محاصر في وضع تغذي فيه القوميتان الكتالونية والإسبانية بعضهما البعض.

في هذه الأثناء، يواجه الأكاديمي الذي يأتي إلى برشلونة لرؤية القومية أثناء العمل مزيدًا من الغموض والتعقيد. لقد تعلمت بالفعل أهم درس، رغم أنني أمشي على حبلٍ مشدودٍ بين القوميات الكتالونية والباسكية والقشتالية المتنافسة، وهذا الدرس هو: الحلول المبسطة والحكمة التقليدية تعطيك الإجابات الخاطئة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا