نيويورك تايمز | ترامب قتل أخطر المحاربين الإيرانيين المبالغ في تقديرهم

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

عمل "قاسم سليماني" على توسيع حدود إمبراطورية إيران، لكنه في واقع الأمر هوى بها إلى أسفل سافلين.

قد يأتي يوم ويطلق على أحد شوارع طهران اسم ترامب. لماذا؟! لأنه أمر للتو باغتيال أغبى رجل في إيران وأخطر استراتيجي عسكري في الشرق الأوسط، وهو الجنرال قاسم سليماني.

لنفكّر مليًّا في الحسابات الخاطئة التي قام بها هذا الرجل. في العام 2015، وافقت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى على رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران، والتي يعود الكثير منها إلى عام 1979، في مقابل أن توقف إيران برنامجها للأسلحة النووية لمدة 15 عامًا فقط، مع الاحتفاظ بحق الحصول على برنامج نووي سلمي. لقد كانت صفقة عظيمة لإيران. حيث نما الاقتصاد بأكثر من 12% في العام التالي. ولكن ماذا فعل سليماني بهذه المكاسب؟
دشن هو والقائد الأعلى لإيران مشروعًا إمبراطوريًّا إقليميًّا عدوانيًّا جعل من إيران ووكلائها القوة المسيطرة الفعلية في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. وهو ما أزعج حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي السني وإسرائيل؛ ما دفعهم للضغط على إدارة ترامب للرد. وكان ترامب نفسه متلهفًا على تمزيق أي معاهدة أبرمها الرئيس أوباما، وخرج من الصفقة النووية، وفرض عقوبات نفطية على إيران أدت الآن إلى تقليص الاقتصاد الإيراني بنسبة 10% تقريبًا، وزادت من معدل البطالة بنسبة تزيد عن 16 %.
ولهذا يمكنني القول إن طهران كانت هي المتسبب في إطلاق النار في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. فماذا كانت الجائزة الثانية بالتحديد؟

فعبر حرمان نظام طهران من التمويل، عمد آيات الله إلى رفع أسعار البنزين في الداخل؛ ما أدى إلى اشتعال احتجاجات محلية هائلة. وتطلّب الرد عليها حملة قمع قاسية من رجال الدين الإيرانيين ضد شعبهم مما خلَّف آلاف السجناء والقتلى، ما أدى بدوره إلى زيادة إضعاف شرعية النظام.

ثم قرر السيد "العبقري العسكري" سليماني أنه من خلال تقديم الدعم لنظام الرئيس "بشار الأسد" في سوريا، والمساعدة في قتل 500 ألف سوري في هذه العملية، ستكون له الغلبة وسيحاول الضغط المباشر على إسرائيل. سيفعل ذلك من خلال محاولة نقل الصواريخ الموجهة بدقة من إيران إلى قوات الوكيل الإيراني في لبنان وسوريا.
للأسف، اكتشف سليماني أن قتال إسرائيل – وتحديدًا قواتها الجوية المشتركة والقوات الخاصة والمخابرات الإلكترونية – لا يشبه قتال جبهة النصرة أو تنظيم داعش. حيث ردّ الإسرائيليون بقوة، فأرسلوا مجموعة كاملة من الإيرانيين إلى بلادهم من سوريا في توابيت، وطردوا عملاءهم إلى أماكن بعيدة إلى غرب العراق.
في الواقع، لقد اخترقت المخابرات الإسرائيلية فيلق القدس بقيادة سليمان ووكلائه. وتمت معرفة أن سليماني سيهبط بطائرة تحمل ذخيرة دقيقة في سوريا في الساعة الخامسة مساءً، وقامت القوات الجوية الإسرائيلية بتفجيرها بحلول الساعة 5:30 مساءً. وأصبح رجال سليماني كالسمك في البرميل. ولو كان في إيران صحافة حرة وبرلمان حقيقي، لكان قد طُرد بفعل سوء الإدارة حينها.
لكن الأمر أصبح أفضل، ولكنه أسوأ في الحقيقة بالنسبة لسليماني. يقول العديد ممن نعوه إنه قاد الحرب ضد داعش في العراق، في تحالف ضمني مع أمريكا. حسنًا هذا صحيح. لكن ما أغفلوه هو أن تجاوزات سليماني وإيران في العراق ساعدت على ظهور تنظيم داعش في المقام الأول.
كان سليماني وزملاؤه في قوة القدس هم الذين دفعوا رئيس الوزراء العراقي الشيعي "نوري كمال المالكي" لطرد السنّة من الحكومة والجيش العراقيين، والتوقف عن دفع رواتب الجنود السنة، وقتل أعداد كبيرة من المتظاهرين السنة المسالمين، وعمومًا لقد حول سليماني العراق إلى دولة طائفية يهيمن عليها الشيعة. ولم يكن تنظيم داعش إلا رد فعل.
أخيرًا، حوّل مشروع سليماني بجعل إيران القوة المهيمنة في الشرق الأوسط إيران إلى أكثر قوة مكروهة في الشرق الأوسط بالنسبة للعديد من الشباب والقوات الصاعدة المؤيدة للديمقراطية – من السنة والشيعة – في لبنان وسوريا والعراق.
كما أشار الباحث الإيراني الأمريكي "راي تقية" في مقال حكيم في بوليتيكو: "بدأ سليماني في السنوات الأخيرة في توسيع حدود إمبراطورية إيران.
ولأول مرة في تاريخها، أصبحت إيران قوة إقليمية حقيقية، يمتد نفوذها من ضفاف البحر المتوسط إلى الخليج العربي. وقد أدرك سليماني أن الفرس لن يكونوا مستعدين للموت في ساحات المعارك البعيدة من أجل العرب، لذلك ركّز على تجنيد العرب والأفغان كقوة مساعدة. كان يتفاخر في كثير من الأحيان بأنه قادر على إنشاء ميليشيا في وقت قصير ونشرها ضد أعداء إيران على اختلافهم ".
وبالضبط فهؤلاء الوكلاء السليمانيون– حزب الله في لبنان وسوريا وقوات الحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن– هم الذين أنشأوا دولًا شيعية موالية لإيران داخل كل هذه الدول. وقد ساعدت هذه الدول الداخلية على وجه التحديد على منع أي من هذه البلدان من التماسك، وشجعت انتشار الفساد، وعرقلت تلك البلدان من تطوير البنية التحتية مثل المدارس والطرق والكهرباء.
وبالتالي، بات سليماني ووكلاؤه – صُناع القرار في لبنان وسوريا والعراق– قوى إمبريالية مكروهة على نحو متزايد في المنطقة أكثر من أمريكا وترامب. وقد أدى ذلك إلى نشوء حركات ديمقراطية شعبية حقيقية مسلحة من القاعدة إلى القمة في لبنان والعراق ضمت السنة والشيعة تطالب بحكم ديمقراطي غير فاسد وغير طائفي.
وفي 27 نوفمبر، قام الشيعة العراقيون– نعم الشيعة العراقيون – بإحراق القنصلية الإيرانية في النجف بالعراق، وقاموا بنزع العَلَم الإيراني من فوق المبنى ووضعوا العَلَم العراقي في مكانه. كان ذلك بعد أن أشعل الشيعة العراقيون، في سبتمبر 2018، النار في القنصلية الإيرانية في البصرة، وهم يهتفون منددين بتدخلات إيران في السياسة العراقية.
كان من شبه المؤكد أن "الاحتجاج" على مجمع سفارة الولايات المتحدة في بغداد الأسبوع الماضي برمته من تدبير سليماني كي تبدو كما لو أن العراقيين أرادوا الخروج ضد أمريكا، بينما كانت مظاهراتهم في الواقع في الاتجاه المعاكس. تم الدفع بأفراد من الميليشيات المؤيدة لإيران بين المتظاهرين، ولكن لم ينخدع أحد في بغداد بهذا.
بطريقة ما، فهذا ما قتل سليماني، فبعد أن أراد أن يغطي إخفاقاته في العراق، قرر أن يبدأ في استفزاز الأمريكيين هناك بقصف قواتهم، على أمل أن يبالغوا في رد فعلهم ويقتلوا العراقيين؛ ما يؤدي إلى تحويل غضبهم ضد الولايات المتحدة. وبدلًا من أن يلتقط ترامب الطُعم، أمر بقتل سليماني!
ليس لديّ أي فكرة عما إذا كان هذا عملًا حكيمًا أو ما هي الآثار طويلة المدى التي ستترتب عليه؟ ولكن هناك أمران أعرفهما عن الشرق الأوسط:
أولًا: في كثير من الأحيان في الشرق الأوسط، يكون عكس كلمة "سيئ" ليس "جيدًا". وغالبًا ما يتبين أن العكس هو "اضطراب". ولا يعني أن التغيير الجيد هو ما سيعقب ذهاب ممثل سيء حقًّا للسياسة مثل سليماني. سليماني هو جزء من نظام يسمى الثورة الإسلامية في إيران، وقد تمكنت تلك الثورة من استخدام أموال النفط والعنف للبقاء في السلطة منذ عام 1979، وهذه هي مأساة إيران، تلك المأساة التي لن تغيرها وفاة جنرال إيراني.
إن إيران اليوم ما هي إلا خَلَفٌ لحضارة عظيمة وموطن شعب موهوب للغاية وأصحاب ثقافة مهمة. وأينما ذهب الإيرانيون إلى العالم اليوم، فإنهم يزدهرون كعلماء وأطباء وفنانين وكُتّاب وصانعي أفلام، غير أن أشهر صادرات جمهورية إيران الإسلامية تتمثل في التفجيرات الانتحارية والإرهاب الإلكتروني وقادة الميليشيات بالوكالة. في الحقيقة لقد كان سليماني على الأرجح الإيراني الأكثر شهرة في المنطقة الذي يتحدث عن الفراغ المطلق لهذا النظام، وكيف أنه أهدر حياة جيلين من الإيرانيين بالبحث عن الكرامة في جميع الأماكن الخاطئة وبكل الطرق الخاطئة.
الشيء الآخر الذي أعرفه هو أنه في الشرق الأوسط لا تجري الأحداث السياسية المهمة إلا في صباح اليوم الذي يلي يوم غد. نعم، في الأيام المقبلة سيكون هناك احتجاجات صاخبة في إيران، وستُحرق الأعلام الأمريكية ويزداد العويل على "الشهيد". وفي صباح اليوم الذي يلي الغد؟ سيكون هناك ألف محادثة هادئة داخل إيران لن يتم الإعلان عنها. سيتحدثون عن مأساة حكوماتهم وكيف أهدرت الكثير من ثروات إيران ومواهبها في مشروع إمبراطوري جعل إيران مكروهة في الشرق الأوسط.
وفي صباح بعد الغد، سيحتفل حلفاء أمريكا العرب السنّة بهدوء بوفاة سليماني، لكن يجب ألا ننسى أبدًا أن الخلل في العديد من الأنظمة العربية السنية – افتقارهم إلى الحرية والتعليم الحديث وتمكين المرأة – هو ما جعلهم أكثر ضعفًا؛ وهو ما أعطى إيران القدرة على السيطرة عليها من الداخل عبر وكلائها.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا