الصحافة الفرنسية| ماكرون يبعث برسائل الأمل.. وكورونا يتسبب في أكبر أزمة اقتصادية عالمية

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – محمد شما

التواضع والأمل والمجتمع.. ماكرون يغيّر نبرته وأسلوبه حيال كورونا

نشر موقع "لادوفين" الفرنسي تحليلًا صحفيًّا للخطاب الأخير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول أزمة فيروس كورونا؛ فَمِن: "نحن في حالة حرب" في خطابه الأول، إلى "معرفة كيف نعيد بناء أنفسنا.. وسأبدأ بنفسي أولًا"، استعرض ماكرون موقفه عبر التحدث بشكل دقيق حول الجدول الزمني والتفاصيل الحاسمة..

1. التواضع

لقد خلع ماكرون الزي العسكري لقائد الحرب وارتدى زي رجل الاجتماعات وأعلن تمديد الحجر حتى 11 مايو. ومثل أزمة السترات الصفراء، عندما أعلن ندمه على كلماته الصغيرة المدمرة بعبارة "لقد تغيرت وتعلمت الكثير"، لم يتردد الرئيس الفرنسي هذه المرة في الاعتراف بأن إدارته "لم تكن مستعدة" للأزمة، متحدثًا عن ارتكاب أخطاء، كما اعترف بأنه من الصعب التحدث بوضوح والقول بأن علينا التعايش مع هذا الفيروس لفترة طويلة. يقول جايل سليمان من معهد "أودوكسا" لاستطلاعات الرأي: إن الانتهاء من الجدل حول الأقنعة والتحدث عن الاختبارات، كانا من أهم أولويات الفرنسيين التي يجب التحدث عنها"، وقد جرى بالفعل الاعتراف بالأخطاء.

لقد كان الحذر مطلوبًا بشأن التتبع الرقمي على سبيل المثال، والذي كان من الممكن أن يعيد إحياء "الأمة الناشئة" ويُنهي العالم القديم الذي يعيش فيه الرئيس الشاب منذ الانتخابات الرئاسية، فضلًا عن أن التعامل مع العاملين عن بُعد لم يكن على نفس قدم المساواة مع موظفي الصفين الأول، الذي يشمل مقدمي الرعاية والثاني، وهو مستوى موظفي القطاعات الأساسية.

2. ترك الانتصارات الأولى للفرنسيين

كما يمكن ملاحظة تطور النبرة والأسلوب والمضمون أيضًا في الشكر الوافر للفرنسيين ليشاركوه الفضل في النتائج مع أبطال المستشفيات ومحلات السوبر ماركت والمواطنين في الحجر. فالرئيس الذي كان يتحدث عن "الجنس الغالي المتمرد" في عام 2018، امتدح "حس الانضباط لدى الشعب الفرنسي الذي يشاع عنه أنه غير منضبط". ومع كل جملة حول إعادة البناء، لم يتردد في إشراك الفرنسيين، حتى أنه ذكر كلمة "أمة".

ولم تحظ أوروبا إلا بجزء صغير فقط من خطاب الرئيس ماكرون، في سابقة هي الأولى في جميع خطاباته، ربما لأن فرنسا لا تتبنى نفس استراتيجيات الخروج من الحجر الصحي التي يتبناها جيرانها الألمان والإسبان والإيطاليين، ولا يريد الرئيس أن يرفع الحجر، لا وفقًا للعمر ولا للمنطقة، في دولة تستقبل دور رعاية المسنين فيها كبار سن أكثر من جميع الدول الأخرى، ولا يتم تنظيم هذا الدور بشكل فيدرالي.

3. دقة البيانات

حتى هذا الخطاب، ترك الرئيس ماكرون البيانات المفصلة لرئيس وزرائه ووزيري الصحة والاقتصاد. غير أن "برونو كوتيريس"، الباحث في مركز البحوث السياسية بكلية العلوم السياسية يقول: هذه المرة، كان الرئيس الفرنسي يُدلي أحيانًا بإجابات دقيقة على الأسئلة التي يطرحها الجميع، وكان من الضروري وضع حدٍّ للغموض، سواء بشأن الأقنعة أو الاختبارات، هذان السؤالان اللذان يشغلان بال الفرنسيين، وسوف ينتظرونه للإجابة عنهما في 11 مايو. لكن على الأقل، بات لديهم جدول زمني وصاروا يعرفون أن أطفالهم سيستأنفون الدراسة تدريجيًّا قبل العطلات، وأنهم لن يتمكنوا من الجلوس في ردهات المقاهي أو في المسارح أو الاستادات أو على الطرقات قبل منتصف يوليو القادم.

4. انعطاف اجتماعي

منذ يوم السبت الماضي، يحث أصحاب العمل على استئناف النشاط في أسرع وقت ممكن دون قيود، وتقدموا بمقترحات قابلة للاشتعال اجتماعيًّا كتقليل أوقات العمل، والتطرق إلى العطلات الرسمية وعطلات نهاية الأسبوع. لكن النقابات اليسارية بدورها، وأكثر منافسيها جرأة، ومحترفي السياحة والمطاعم، علقوا على هذه المقترحات ووصفوا أصحابها بأنهم يريدون تحميل الموظفين ثمن الأزمة.

من جانبه وقف إيمانويل ماكرون في صف المعارضين للمقترحات، سعيًا إلى هدفه المتكرر منذ بداية الأزمة وهو: عدم فقدان الوظائف أو المهارات أو البراجماتية؛ لأنه يرى أن البطالة الجزئية تُعد بمثابة الطريق لتأميم الأجور وأموال التشغيل خلال الأزمة. ويظهر الرئيس ماكرون هذا الانعطاف الاجتماعي من خلال الدفع الفوري للمساعدات الاستثنائية للأسر الأشد فقرًا وللطلاب الأكثر هشاشة. وبالفعل استوعبت منظمة أصحاب العمل في فرنسا (ميديف) هذه الرسائل وراجعت موقفها؛ حيث قال المتحدث الرسمي باسمها: "يسعدنا أن يضع الرئيس مسارًا لإعادة البلاد لمسارها الصحيح؛ لأن هذا يشير إلى أن الوباء يتقلص بفضل إجراءات الحجر الصحي، ما يسمح للشركات بالتأهب للتعافي بشكل جيد، وعودة الأطفال إلى المدرسة".

أما فيما يخص عودة المدارس فيبقى رد فعل المعلمين صارمًا للغاية، حيث أعلنت فرانسيت بوبينو، السكرتير العام للنقابة الوطنية للمعلمين أن إعادة فتح المدارس في 11 مايو أمرٌ خطير؛ لأن جميع الأماكن العامة ستكون مغلقة، مثل دور السينما والمسارح، بخلاف المدارس فقط، بالرغم من أن الجميع يعلم أنها توفر بيئة لنقل الكثير من الأمراض؛ وهذا الأمر يتعارض تمامًا مع باقي الإجراءات.

5. رسالة الأمل

ودون أن يشجع على التراخي، اختتم الرئيس ماكرون خطابه بالتفاؤل قائلا: "الوباء بدأ يتباطأ، والأمل يولد من جديد"، وذلك بعدما كان يقول في السابق "نحن في حالة حرب". وتابع: "سيكون لدينا أيام أفضل، وسنعيش أيامًا سعيدة، وهذه قناعتي". لكن مثل هذه التصريحات قد تمثل خروجًا طفيفًا عن مبدأ التواضع الذي اعتمده الرئيس في خطابه، عندما قال: "إن كل شيء سيعتمد على تطور الوباء". وفي الحقيقة، سينتظر الفرنسيون مساء العاشر من شهر مايو المقبل بفارغ الصبر لحساب عدد الأقنعة التي بحوزتهم، والتحقق مما إذا كان بوسعهم الخضوع لاختبار الفيروس، والاستماع إلى الأرقام الجديدة التي سيلقيها على مسامعهم البروفيسور سالومون؛ ففي أوقات الأزمات، دائمًا ما تكون النتائج أكثر أهمية من الأسلوب.

لماذا اختار الرئيس الفرنسي 11 مايو موعدًا لبداية الخروج من الحجر الصحي؟

اختار الرئيس أقرب موعد اقترحه المجلس العلمي المكلف بمتابعة وباء كورونا (بين 11 مايو و2 يونيو) لثلاثة أسباب رئيسية وهي: حلول الموعد النهائي لتوفير ما يكفي من الاختبارات والأقنعة، وإمكانية إعادة فتح دور الحضانة والمدارس (دون الجامعات)، والعمل خلال الأسبوعين المقبلين على استئناف النشاط مع مراعاة التطورات الصحية وبالتشاور مع الشركاء الاجتماعيين.

 الفرنسيون يغيّرون نمط استهلاكهم بسبب فيروس كورونا

من جانبها، سلّطت جريدة "لاتريبون" الضوء على ما طرأ على الفرنسيين من تغيير في السلوكيات الاستهلاكية بسبب أزمة فيروس كورونا، حيث صرحت السيدة كريستيان لامبير رئيسة الاتحاد الوطني لنقابات المهن الزراعية، أن الفرنسيين غيروا نمط استهلاكهم بشكل كامل؛ ما تسبب في إعادة تنظيم شامل للإمدادات الغذائية.

وقالت رئيسة النقابات الزراعية إن "الزيادة بنسبة 140٪ التي طرأت على مبيعات الدقيق، أو الزيادة بنسبة 99٪ في مبيعات المعكرونة، تمثّل تغييرًا في النمط الاستهلاكي لا يمكن تصديقه، لكنه حدث بالفعل، حيث قام الفرنسيون بشراء الكثير من السلع الاحترازية خشية نقصها. وبسبب عدم خروجهم من المنازل كالمعتاد، اشتروا المنتجات الجافة التي يمكن الاحتفاظ بها، مقابل شراء كميات أقل من الجبن واللحوم".

وبعد إغلاق المطاعم، تغيرت أساليب وأماكن الشراء أيضًا، وذلك عبر اللجوء بشكل كبير إلى خدمات "درايفر" للشراء من خارج المتاجر باستخدام السيارة، وذلك لعدم وجود اتصال. فمبيعات النبيذ عبر هذه الخدمة على سبيل المثال ارتفعت بنسبة 65 ٪، الأمر الذي لم يسبق رؤيته من قبل. وبشكل عام، ظلت الأسعار مستقرة باستثناء بعض أنواع الفاكهة والخضروات الطازجة التي تمثل 12٪ من الإنفاق، حيث تقول السيدة لامبير: تمثل الزيادة بنسبة 12٪ في منتجات الفاكهة والخضروات الطازجة زيادة تُقدّر بنحو 12 إلى 15 يورو شهريًّا لكل أسرة من أجل تناول الفواكه والخضروات الفرنسية".

وتابعت لامبير قائلة: "يمكن للزراعة الفرنسية أن تفي بهذا الطلب الذي تحتاجه بشدة"، حيث ترى أن السبب وراء التخلص من محاصيل الهليون أو الفراولة أو بقائها في الحقول دون حصاد يرجع في الأساس إلى مشكلة السعر المنخفض للغاية الذي يقترحه الموزعون. واستكملت: "عندما لا يكون السعر مربحًا لا يحصد المزارعون المحصول، وكل الظروف مواتية الآن لحصاد الفواكه والخضروات". وبهذا الصدد، رحّبت السيدة لامبير بالتفاهم بين المنتجين والنقابات والتعاونيات والصناعيين وشركات النقل؛ ما ساهم في ضمان عدم نقص السلع.

وبينما دافعت رئيسة الاتحاد الوطني لنقابات المهن الزراعية عن الحاجة إلى تطبيق نموذج الإنتاج الصناعي لتزويد الموزعين بالسلع نظرًا لأن الفرنسيين يشترون ثلاثة أرباع مشترياتهم من متاجر التوزيع الشامل، فقد أشادت بالتقارب بين القائمين على توفير الإمدادات الغذائية.

لماذا لا تفرض إيران الحجر على نفسها؟

تساءلت جريدة "لاكروا" المتخصصة في الأديان عن السبب الذي يمنع إيران حتى الآن من فرض الحجر الصحي. فمع وجود أكثر من سبعين ألف حالة مؤكدة رسميًّا وأكثر من أربعة آلاف حالة وفاة، تُعد إيران واحدة من أكثر الدول تأثرًا بالوباء بعد العديد من الدول الأوروبية. ومع ذلك، لم تفرض الحكومة الإيرانية الحجر الصحي وسمحت باستئناف بعض الأنشطة الاقتصادية في نهاية هذا الأسبوع.. فكيف تدير إيران الأزمات؟

لقد تم اكتشاف أول حالة إصابة بمرض كوفيد-19 رسميًّا في إيران يوم 19 فبراير الماضي، واليوم باتت الدولة الإسلامية واحدة من أكثر الدول في العالم تضررًا من الوباء، كما يشتبه الكثيرون في أن الأرقام الرسمية أقل من الواقع.

من جانبه، يرى جوناثان بيرون، الخبير في العلوم السياسية، أن إدارة إيران للأزمة كانت "غير منظمة بدرجة تصل إلى الفوضوية"، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الصعب، كما ارتفعت الأصوات المعارضة بين المطالبين بفرض إجراءات قوية ومن يرفضونها، خوفًا من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. ونتيجة لذلك، اتخذت الدولة عددًا محدودًا جدًّا من التدابير وتأخرت كثيرًا؛ وبالفعل لم تكن هناك سياسة واضحة، واعتمدت الحكومة على استراتيجية مناعة القطيع.

وفي أواخر شهر فبراير الماضي، بدأت بعض المدارس والجامعات في الإغلاق، وأعقبتها دور السينما والملاعب وبعض المتاجر، وجرى فرض العمل من المنزل على الجهاز الإداري للدولة، كما جرى إغلاق أربعة مواقع حج دينية شيعية، خاصة في مدينة قم، وألغيت صلاة الجمعة، ومع ذلك، لم يُفرض الحجر الصحي. وفي يوم 19 مارس، سافر الإيرانيون عبر الدولة للاحتفال مع أسرهم بعطلة رأس السنة الفارسية، ونشروا الفيروس، وفقًا لتحليل السيد بيرون.

وفي 25 مارس، أعلن الرئيس حسن روحاني عن حظر السفر بين المدن، كما ناقش البرلمان يوم 7 أبريل نصًّا لفرض الحجر الصحي العام لمدة شهر، وهو الإجراء الذي يطالب به العديد من المسئولين في وزارة الصحة والعاملين في المجال الطبي، لكن النص لم يتم اعتماده، وبات العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي يخشون من العواقب الاقتصادية التي ستكون كبيرة للغاية. وفي وقت لاحق، أعلن روحاني إعادة فتح الشركات منخفضة المخاطر، قائلاً إنه يريد الحفاظ على الأنشطة الاقتصادية قدر الإمكان، وهو ما أثار مخاوف مقدمي الرعاية؛ لأن الوباء لا يزال خارج السيطرة.

عدم الاستقرار والتضخم المرتفع

لماذا لا تُتّخذ إجراءات أكثر شدة؟ يحلل جوناثان بيرون السبب وراء ذلك قائلًا: "تعيش إيران في الأشهر الأخيرة في سياق خاص يمتلئ بالتوترات الاجتماعية، وصار الضغط الاقتصادي اليوم كبيرًا لدرجة تحول دون فرض الحجر العام". ووفقًا لتييري كوفيل، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس)، يعاني الاقتصاد الإيراني بالفعل من صعوبات كبيرة، مع عدم استقرار كبير وتضخم بنسبة 40٪ تقريبًا.

وقد تفاقمت تلك الأزمة الاقتصادية بسبب التوترات مع الولايات المتحدة وانخفاض أسعار النفط. يقول تيري كوفيل إن العقوبات الأمريكية أدت إلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية التي تمثل نحو 40٪ من الإيرادات المالية للدولة. وبذلك تكون العقوبات قد وجهت الضربة القاضية للاقتصاد الإيراني، وفقًا لـ "ماهناز شيرالي"، المدرسة في كلية العلوم السياسية بفرنسا، وبالإضافة إلى ذلك، تُعارض الولايات المتحدة طلب إيران الحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وتتهمها بالرغبة في تمويل برنامجها النووي.

الخوف من اشتعال غضب مجتمعي جديد

وتخشى الحكومة الإيرانية من الدخول في أزمة اجتماعية إذا تفاقم الوضع الاقتصادي أكثر من ذلك. تقول مهناز شيرالي: يمكن تطبيق الحجر في البلدان الغنية، حيث يستطيع الناس العمل من المنزل. ويضيف جوناثان بيرون قائلًا: في إيران، التي يمثل الاقتصاد غير الرسمي فيها حوالي 35٪ من اقتصاد الدولة، سيتسبب الحجر الصحي في إدخال جزء كبير من السكان في وضع مستحيل، وسلطت "شيرالي" الضوء على الجملة التي انتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية وهي: "إذا بقينا في المنزل سنموت من الجوع، وإذا خرجنا سنموت من كورونا".

إلى أي مدى سيصل حجم الأزمة الاقتصادية لفيروس كورونا؟

أما جريدة "لوجونال دي ديمانش" فألقت الضوء على التقرير المنتظر لصندوق النقد الدولي حول آثار أزمة كورونا. ففي الأيام القليلة المقبلة، سينشر الصندوق أول تقييم كمّي للاقتصاد العالمي منذ انهيار أسواق الأسهم في أوائل شهر مارس وتفاقم الوباء؛ ما يسمح بالتعرف على حجم الأزمة الاقتصادية.

ولا يزال الاقتصاديون الذين يشعرون بالاندهاش أمام هذا السياق الجديد من نوعه، يكافحون للوقوف على مدى جثامة الأزمة الاقتصادية التي بدأت مع انتشار وباء الفيروس، حيث تعد هذه هي المرة الأولى التي يتسبب فيها مرض بإحداث عواقب اقتصادية من هذا القبيل، فيما يحاول صندوق النقد الدولي تشخيص الوضع حتى يتمكن من توقع الركود المقبل. ودون الكشف عن أرقام، قالت كريستالينا جورجييفا، من الإدارة العامة للصندوق: إن النمو العالمي سيصبح سلبيًّا بشكل قوي في عام 2020، وأضافت أن عام 2021 قد يصبح أسوأ في حال استمر الوباء.

هل نحن أمام الأزمة الاقتصادية الأكبر في التاريخ؟

وكما أكدت رئيسة صندوق النقد الدولي، لم يعد من الممكن مقارنة الأزمة الحالية بأزمة عام 2008، وتبقى المقارنة الوحيدة الممكنة مع الكساد الكبير لعام 1929، والأزمة الاقتصادية الحالية هي الأكبر بلا منازع في التاريخ، بالرغم من أن الاقتصاد في عام 1929 كان أكثر ريفية ولم تكن التجارة طاعنة ومتقدمة في العولمة كما هي عليه اليوم.

ومع ذلك، يعتقد البعض أن صندوق النقد الدولي يُظهِر الكثير من التشاؤم حيث تشير دراسة أجراها البنك المركزي الإقليمي في نيويورك إلى أن فيروس كورونا لم يدمّر البنية التحتية للنظام العالمي، وبمجرد انتهاء الجائحة سيكون التعافي بشكل فوري، والدليل على ذلك هو الاقتصاد الصيني الذي بدأ للتو يتعافى من الوباء.

انتعاش النمو بعد عام 2021؟

من جانبه، أشار معهد أكسفود الاقتصادي إلى حدوث انتعاش على المدى المتوسط، حيث نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن السيد جريجوري داكو، الباحث في المعهد، أنه يدرك خطورة الأزمة، بيد أنه يتوقع حدوث انتعاش بحلول عام 2022، قائلًا: إن فقدان الوظائف سيكون مؤلمًا، والانتعاش التام فيما بعد الفيروس سيستغرق من 12 إلى 18 شهرًا، لذلك نحن بعيدون عن الكساد الكبير الذي أدخل جزءًا من العالم في أزمة استمرت لمدة عشر سنوات، بينما لم تتعاف بعض الدول منه حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية.

كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن السيدة كارين دينان، المسئولة السابقة عن الخزانة الأمريكية، توقعاتها لانخفاض النمو العالمي بنسبة 3.4٪ في عام 2020، ثم معاودته الانتعاش بنسبة 7.2٪ في عام 2021. ومع ذلك، تعترف السيدة دينان أن العديد من زملائها الذي يعملون معها على إصدار التوقعات الاقتصادية في معهد بيترسون لا يشاركونها هذا التفاؤل! وفي الواقع، لا يغامر معظم الاقتصاديين بتخيل نتائج أزمة يستحيل التنبؤ بها.

بسبب كورونا.. التحرك الفوري ضرورة لتجنب الفوضى في الشرق الأوسط

من جانبه، تناول موقع "إر تي بي إف" الإخباري البلجيكي الضوء على تطور وباء كورونا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تعتقد منظمة الصحة العالمية أن الوقت لا يزال سانحًا لاغتنام الفرصة والعمل لتجنب الفوضى التي قد تنجم عن تفشي الوباء في هذه المنطقة. وقال الدكتور إيفان هوتين، مدير إدارة الأمراض السارية في المكتب الإقليمي للمنظمة بالقاهرة: إن لدينا بالفعل فرصة للعمل في المنطقة؛ لأن الزيادة في حالات الإصابة لم تكن سريعة.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، جرى تسجيل أكثر من 100 ألف حالة إصابة بكورونا، وأكثر من 5500 حالة وفاة حتى الآن في 22 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المغرب إلى باكستان باستثناء الجزائر.

حصيلة متواضعة

ومقارنةً بنحو أكثر من مليوني إصابة و140 ألف حالة وفاة مسجلة رسميًّا في جميع أنحاء العالم، سجل الشرق الأوسط حصيلة متواضعة. لكن الدكتور هوتين يرى أن من الصعب في الوقت الحالي تفسير الارتفاع المحدود في الحالات في المنطقة، باستثناء إيران التي سجلت أكثر من 77 ألف إصابة وحوالي خمسة آلاف حالة وفاة، وحذّر قائلًا: "من المحتمل أن السبب وراء ذلك يرجع إلى عوامل ديموغرافية لأننا نتعامل مع دول شابة للغاية".

ففي البلدان التي تعاني صراعات أو حالات طوارئ، مثل اليمن أو ليبيا أو سوريا، نجد أن حالات الإصابة بالفيروس شبه منعدمة، لكن عالِم الأوبئة يقول: ليس لأننا تجنبنا وضعًا صعبًا في المرة الأولى فإننا سنتجنب ذلك بالضرورة في المرة الثانية. وفي مصر، حيث قاد الدكتور هوتين بعثة تقييم في نهاية مارس، يقول: "من الواضح أن لدينا حالات انتقال الآن للفيروس أكثر مما كانت عليه قبل بضعة أسابيع، لكن الوضع لم يدخل بعد مرحلة الانتشار الأُسّي".

تجنب ما حدث في أوروبا والولايات المتحدة

ولتجنب ما حدث في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تم تسجيل عشرات الآلاف من الوفيات، يرى الدكتور هوتين أنه من الضروري تطبيق عوامل الاستجابة التالية: التزام السكان، وتعبئة أنظمة الصحة، وإعداد المستشفيات لوصول الحالات الشديدة. وتابع: الأشياء التي يمكن القيام بها ليست بالضرورة معقدة للغاية، كعزل المرضى من الحالات المتوسطة في الفنادق أو المدارس أو مساكن الجيش.

وبالنسبة للحالات شديدة الإصابة، فيمكن تحويل الأسرة بالمستشفيات التقليدية إلى أسرّة عناية مركزة، كما أن هناك إجراءً آخر محتملًا لتجنب انفجار الوباء في المنطقة؛ وهو زيادة أعداد الفحص، حيث ذكر الدكتور هوتين أنه يمكن إجراؤه باستخدام معدات صغيرة توفر نتائج اختبار سريعة؛ لأنه يرى أن من المحتمل عدم إهمال الحالات؛ فكلما فحصنا مزيدًا من الأشخاص الذين يعانون من الحمى والسعال، كلما اكتشفنا المزيد من الحالات.

ويعدّ معدل الوفيات مؤشرًا على ما إذا كانت ثمة حالات مرت دون أن يلاحظها أحد؛ لذا يقول الأخصائي في الأمراض السارية: "نعلم أن نسبة الوفيات بهذا المرض تبلغ حوالي 1٪ من المصابين. لكن عندما نرى بلدانًا تعلن أن 5٪ من المصابين يموتون، فهذا يشير إلى عدم التعرف على جزء كبير من الإصابات".

الاستعداد لحدوث الأسوأ

يبلغ معدل الوفيات في المنطقة حوالي 5٪؛ ما يعني ضرورة زيادة القدرة على الفحص؛ لذا يحذر الدكتور هوتين من أنه بالنظر إلى شدة هذا الفيروس وقدرته على إجهاض نظام الرعاية الصحية، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاج إلى الاستعداد لاحتمالية أن تسير الأمور على غير ما يرام.

فالمنطقة التي يسكنها المسلمون بشكل رئيس، تستعد للاحتفال بشهر رمضان مع نهاية أبريل، واستعدادًا لهذا الشهر الذي يشهد نشاطًا اجتماعيًّا دينيًّا كثيفًا، نشرت منظمة الصحة العالمية سلسلة من التوصيات، ودعت بشكل خاص إلى الجدية في إلغاء الأنشطة الدينية، وضرورة مراعاة مسافة لا تقل عن متر واحد بين الناس في جميع الأحوال.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا