قضايا أفريقية| بعد كورونا.. ما مستقبل المهاجرين الأفارقة في الصين؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

ازدهر الشتات الأفريقي منذ أمدٍ بعيدٍ في جنوبي الصين، غير أن هذا الازدهار ربما قد يتغير بعد الوباء. ففي إطار مواجهة انتشار فيروس كورونا، استخدمت الحكومة الصينية مجموعة متنوعة من التقنيات لمراقبة الأفراد وتتبعهم، وهذا النهج قد لا يترك مجالًا قريبًا لأنواع الهجرة غير النظامية والتنقل والمواقف المعيشية التي سمحت للعديد من المجتمعات الأفريقية بالعيش والعمل في الصين حتى الآن.

وعلى مدى العشرين عامًا الماضية، كانت مدينة قوانجتشو، عاصمة مقاطعة قوانجدونج الجنوبية، في طليعة المدن الصينية التي ينتشر فيها الوجود الأفريقي. وغالبًا ما اختبر الوجود الساحق للأجانب في هذا المركز التجاري قدرة السلطات المحلية على السيطرة على سكانها غير الأصليين. وقد أدى ذلك في كثير من الأحيان إلى حدوث توترات بين الشرطة المحلية والمجتمعات الأجنبية، مثل المجتمعات القادمة من غرب أفريقيا التي كثيرًا ما تبلغ عن مضايقات وتمييز.

كما ساهمت في الاحتكاك بين واضعي السياسات المحليين والإقليميين والقوميين في الصين. فعلى سبيل المثال، تمنح بكين الآلاف من تصاريح الدخول للمواطنين الأفارقة كل عام لأسباب سياسية متنوعة. ومع ذلك، فإن السلطات في قوانجدونج هي التي يتعين عليها عادةً التعامل مع تأثير هذه القرارات. وإحدى النتائج العملية لهذا الافتقار إلى التماسك هي أنه على مدى العشر سنوات الماضية، شهدت قوانجتشو زيادة حادة في الأفراد الذين تجاوزوا فترة السماح لهم بالبقاء.

الهجرة الأفريقية وصعوبة تعقبها

في عام 2014، وأثناء تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا، أفاد مسئولون في قوانجتشو أن 16 ألف أفريقي يقيمون بشكل قانوني في المدينة. وفي الأسبوع الماضي، جرى إخلاء الأفارقة من منازلهم وغرف الفنادق، وحُرموا من دخول المطاعم، كما واجهتهم أشكال أخرى من التمييز، فيما أعلنت السلطات المحلية أنه لا يوجد حاليًا سوى 4500 مواطن أفريقي في المدينة.

وهذا يشير إلى انخفاض حاد في ست سنوات فقط، وعلى الرغم من أن هذه الأرقام تصف فقط المقيمين القانونيين، إلا أنه لا توجد أرقام دقيقة للمقيمين غير الشرعيين، ولكن من المعروف جيدًا أن هذه الجماعة (ومعظم أفرادها من غرب أفريقيا) تمثّل جزءًا كبيرًا من سكان المدينة الأفارقة. وهؤلاء الأفراد مسئولون أيضًا عن تنظيم الكثير من النشاط التجاري المكثف الذي يحدث بين قوانجتشو ومدن أفريقية مثل أديس أبابا ومومباسا ولاجوس.

وكما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم، يخفي العديد من المقيمين في الصين جوازات سفرهم (أو يفقدونها). من خلال القيام بذلك، يصبحون "طوعًا" دون وثائق بهدف تعذر تعقبهم إذا جرى القبض عليهم. ولطالما كان هذا مسارًا محفوفًا بالمخاطر، ولكنه أصبح أكثر خطورة بعد حدوث الجائحة التي كانت أكثر الاستراتيجيات فاعلية لاحتواء الفيروس فيها هي الاختبار الشامل والتتبع.

في ظل هذه الظروف الجديدة، يدخل المهاجرون الذين لا يحملون أوراقًا ثبوتية في مدينة قوانجتشو دائرة ضوء جديدة، وهذا يمثل تحديًّا أكبر لسلطات المدينة التي تكافح بالفعل للسيطرة عل الهجرة غير الشرعية وكسر مدة التأشيرة. ولا يخشى هؤلاء المسئولون فقط من تفشي المرض بين هؤلاء السكان الأجانب، ولكن من غضب بكين أيضًا إذا ما حدث ذلك.

ما الذي ستكون عليه المراقبة في الصين ما بعد الوباء؟

إحدى الطرق التي من المحتمل أن تتعامل بها الحكومة الصينية مع المهاجرين غير الموثقين هي من خلال التكنولوجيا. لقد أثبت فيروس كورونا أنه لحظة بارزة من حيث العلاقات بين المراقبة الجماعية والسيطرة على حركة الناس، فمن استخدام الروبوتات والطائرات من دون طيار، إلى التعرف على الوجه والتطبيقات، اعتمدت الصين بشكل كبير على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مواجهتها لتفشي الفيروس.

من المستحيل التأكد من المدة التي سيتسمر فيها فيروس كورونا، ولكن لا يمكن التفكير في أنه حتى بعد توقف التهديد، ستبقى إجراءات احتواء التنقل كما هي؛ وهذا سيجعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة للمهاجرين غير الموثقين في الصين. فعلى سبيل المثال، فمن دون مسكن قانوني، لا يمكن للأجانب التقدم بطلب للحصول على الكود الصحي (Alipay Health Code)، وهو نظام يعين رمزًا ملونًا للمستخدمين يشير إلى حالتهم الصحية ويحدد وصولهم إلى الأماكن العامة، مثل مراكز التسوق ومترو الأنفاق والمطارات.

في الماضي، اتبعت الهجرة الأجنبية إلى الصين منطق التجارة، وبالنسبة لمن لم يقننوا وضعهم في البلاد، فغالبًا ما كانوا ينخرطون في لعبة القط والفأر مع السلطات. ولكن بعد الوباء، قد يكون المنطق الجديد أحد أساليب "الأزمات والطوارئ"، والذي يتميز أكثر بالقلق والرقابة، كما قد يصبح من المستحيل عمليًّا العيش من دون أوراق ثبوتية في هذا السياق، حيث أصبح عدم القدرة على التتبع "خطرًا كبيرًا" غير مقبول لدى السلطات الصينية.

وقد يكون أحد الآثار الدائمة لفيروس كورونا أنه يبدأ مرحلة جديدة في تأسيس بنية عالمية للتحكم والمراقبة. وربما يكون المهاجرون الأفارقة والقطاعات التجارية المزدهرة التي ينخرطون فيها من بين الضحايا الأولى لهذا الوضع الطبيعي الجديد في الصين، حيث أصبحت الأشكال التقليدية من المسكن غير النظامي مستحيلة.

ولكن الوقت سيحدد ما إذا كان فيروس كورونا يوضح نهاية هذه المرحلة من الهجرة العالمية كما عرفناها منذ أوائل القرن العشرين، ولكن على أقل تقدير، من المرجح أن يدق مسمارًا آخر في نعش السكان الأفارقة المتناقصين بالفعل في مدينة قوانجتشو.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا