فورين بوليسي| لا ينبغي أن تتحالف الولايات المتحدة مع روسيا ضد الصين

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في الوقت الذي تستعر فيه جائحة كورونا حول العالم، هدأت المنافسة الجيوسياسية الأولى اليوم. تنخرط الولايات المتحدة والصين في منافسة تزداد شدة على النفوذ السياسي العالمي والريادة الاقتصادية والتكنولوجية والتفوق العسكري. وبينما تقف الصين الآن كخصم جيوسياسي رئيسي للولايات المتحدة، تسعى روسيا أيضًا لتقويض المصالح الأمريكية وتعطيل النظام الذي تقوده الولايات المتحدة. هذا التحدي الذي تقدمه هذه القوى الاستبدادية قد يصبح أكثر حدة إذا عملا سويًّا.

في أحدث تقييم سنوي للتهديدات العالمية قُدم إلى الكونجرس، ذكر مجتمع المخابرات الأمريكي أن "الصين وروسيا متحالفتان أكثر من أي وقت منذ منتصف الخمسينيات". في الأيام الأولى من الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفيتي والصين الشيوعية حلفاء معاهدة رسميين، لكنهما انفصلا فيما بعد، وانتقلت الصين في النهاية إلى جانب أمريكا في بداية السبعينيات.

الآن تعمل هذه القوى الاستبدادية التنقيحية معًا مرة أخرى. وردًّا على هذا، جادل الكثير من خبراء استراتيجية الأمن القومي بأن الولايات المتحدة ينبغي أن تسعى لإبعادهم عن بعض عن طريق العمل مع روسيا لمواجهة تهديد الصين الأكبر.

لكن هذه التوصية مُضللَة. إن الأنظمة الاستبدادية مثل الصين وروسيا لن تشكل شراكة استراتيجية عميقة، وتكاليف التقرب إلى روسيا تفوق المنافع بكثير. لكن من حسن الحظ، هناك مسار أفضل: يمكن لواشنطن أن تستفيد من مزاياها الديمقراطية، بالعمل مع حلفائها الديمقراطيين لمواجهة كل من بكين وموسكو في نفس الوقت.

إن العلاقة الاستراتيجية النامية بين روسيا والصين مُقلقة. لقد تعاونت القوتان الاستبداديتان في صفقات طاقة كبرى، من ضمنها اتفاق ضخم بقيمة 55 مليار دولار لضخ الغاز الطبيعي السيبيري إلى الصين. التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج في عدة قمم رفيعة المستوى، وأعلن شي أن بوتين هو "أفضل صديق وزميل له". ولعل الأكثر إثارة للقلق هو أن بكين وموسكو اشتركتا في تدريبات عسكرية مشتركة في أوروبا وآسيا. إذا نسقتا ونفذتا هجمات عسكرية متزامنة على نظام التحالف الأمريكي في أوروبا الشرقية ومنطقة المحيط الهندي-الهادئ، مثلًا، قد تُسحق الولايات المتحدة وحلفاؤها.

هذه الحقائق دفعت الكثير من المراقبين للاستنتاج أن الحل هو وضعهما في مواجهة أحدهما الآخر. إنهم يقولون مثلما انفتح الرئيس ريتشارد نيكسون على الصين للعمل ضد موسكو خلال الحرب الباردة، يمكن أن تفعل واشنطن العكس اليوم. الصين هي التهديد الأكبر الآن، لذلك يمكن للولايات المتحدة أن تعقد شراكة مع روسيا ضد القوة الصاعدة في شرق آسيا.

يُزعم أن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قد حث على مسار العمل هذا بشكل مباشر في محادثات مع الرئيس دونالد ترامب، وأوصى روبرت بلاكويل من مجلس العلاقات الخارجية – والسفير الأمريكي السابق إلى الهند – أوصى بأن "تقدم واشنطن تنازلات لكي تحسن علاقتها مع موسكو" كجزء من استراتيجية لمواجهة الصين. وهذه الخيارات وما يشبهها يجري دراستها في الحكومة الأمريكية.

لكن روسيا والصين لن تشكلا تحالفًا فعالًا ضد الولايات المتحدة في أي وقت قريب. في كتاب جديد، بحثت نقاط قوة وضعف الأنظمة الديمقراطية والاستبدادية في منافسة القوى العظمى ووجدت أن الأنظمة الاستبدادية ضعيفة في بناء التحالفات. إن السهولة التي يغيّر بها الديكتاتوريون سياسات بلدهم، ويتراجعون عن التزاماتهم، وينافقون لا تساعد على بناء شراكات دولية.

في الحقيقة، يُظهر التاريخ أن الحلفاء الاستبداديين يتجهون لمحاربة بعضهم البعض أكثر من العدو. فعلى الرغم من اتفاقية مولوتوف-ريبنتروب (اتفاقية عدم الاعتداء)، انقلب أدولف هتلر وغزا الاتحاد السوفيتي، في خيانة لشريكه جوزيف ستالين. والعمل العسكري الرئيسي لحلف وارسو خلال الحرب الباردة كان مهاجمة أعضائه، المجر وتشيكوسلوفاكيا. وفي آخر مرة تحالفت الصين وروسيا، كانتا على وشك الدخول في حرب نووية مع بعضهما البعض في الصراع الحدودي الصيني-السوفيتي عام 1969. وغزا بوتين أوكرانيا وجورجيا في وقت كانت هاتان الدولتان مشاركتين في رابطة الدولة المستقلة بقيادة روسيا.

بالإضافة إلى هذا، يوجد الكثير من تضارب المصالح بين روسيا والصين وهو ما سيُبعدهما عن بعضهما دون أي تدخل من الولايات المتحدة. إن تراجع عدد السكان في الشرق الأقصى الروسي أدى إلى مخاوف من أن الصين التوسعية ستحاول الاستيلاء على أراض. يقول الزملاء الروس إن الصواريخ متوسطة المدى المُسلحة نوويًّا الجديدة لا تستهدف الناتو بل تهدف إلى ردع الصين الصاعدة. بشكل عام، كانت موسكو هي الشريك الأكبر خلال الحرب الباردة، وبوتين لن يكون راغبًا الآن في لعب دور ثانوي أمام بكين.

في حين أن هذه القوى الاستبدادية ربما تتعاون عندما يكون ذلك مناسبًا وتستغل نقاط ضعف الولايات المتحدة، فمن المستبعد أن تشكّل تحالفًا دائمًا ومنسقًا والذي سيشكّل تهديدًا كبيرًا على الولايات المتحدة. 

وعلاوة على هذا، هناك القليل من المكسب والكثير من الخسارة في محاولة التقرب إلى موسكو. من غير المرجح أن تكون روسيا منفتحة على مساعدة واشنطن في مواجهة بكين. وفي حين أن روسيا لا تريد إخضاع نفسها للصين، فهي كذلك لا تريد أن تكون مُعادية لها علنًا.

وبالإضافة لهذا، لن يرغب بوتين في تعزيز الولايات المتحدة، الدولة التي يراها عدوه الرئيسي. في مقابل تجاهل الصين، من شبه المؤكد أن بوتين سيطلب امتيازات غير مقبولة، مثل منح روسيا دائرة نفوذ في أوروبا الشرقية والحد من الدفاعات الصاروخية الأمريكية. وحتى لو وعد بوتين بالعمل مع الولايات المتحدة، سيكون من الخطأ تصديقه.

لا يمكن الوثوق في التزام بوتين باتفاقيات الحد من التسلح أو وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا. لماذا تخاطر واشنطن باستراتيجيتها لأهم تحدي أمن قومي في القرن 21 بناءً على كلمة منه؟ وأخيرًا، روسيا لا تقدّم الكثير إلى الطاولة. إنها قوة متراجعة بناتج محلي إجمالي أقل من ناتج إيطاليا. عندما ترتفع أسعار الطاقة، تستطيع روسيا تحمل تكلفة جيش ضخم، لكن أسعار النفط تهبط، وانخفض الإنفاق العسكري لروسيا على مدار السنوات الماضية.

من حسن الحظ، تمتلك الولايات المتحدة شركاء محتملين آخرين لتختار منهم، وتتميز الأنظمة الديمقراطية في بناء التحالفات الفعالة، والولايات المتحدة تحظى بتحالفات رسمية مع الـ29 عضوًا الآخرين في الناتو، وكذلك أيضًا اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. وتمثّل هذه الدول 59% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهذا يُقارن إيجابيًّا بـ19% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لروسيا والصين مجتمعتين.

يمكن صقل قوة هذا التحالف للدول الحرة في استراتيجية عالمية لمواجهة القوى التنقيحية الاستبدادية. ينشغل العالم الحر بالتهديدات التي تفرضها الصين وروسيا ويتعاون بالفعل في إجراءات سياسية مشابهة لمواجهتهما، لكن هذه الجهود يمكن توسيعها باستراتيجية عالمية منسقة تقودها الولايات المتحدة. وبدلًا من السعي وراء تحالفات مع ديكتاتوريين مخادعين، ينبغي أن تستغل واشنطن نقاط قوتها وتحشد شراكاتها الاستراتيجية الحالية.

تتمتع الولايات المتحدة وحلفاؤها الديمقراطيون بالقوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية اللازمة للتفوق في هذا العصر الجديد من منافسة القوى العظمى. وبكين وموسكو، وليس واشنطن، هما من ينبغي عليهما القلق بشأن الأعداء الأقوياء والمُعادين أيديولوجيًّا الذين يتحالفون ضدهما.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا