توماس فريدمان يكتب | لقد حطمنا أمريكا

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح
علق الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان في مقال له نشر في جريدة "نيويورك تايمز" على الأحداث والاحتجاجات التي تشهدها حاليًا الولايات المتحدة الأمريكية ضد العنصرية، عقب حادث مقتل المواطن الأمريكي الأفريقي الأصل، جورج فلويد، على يد شرطي أمريكي في ولاية مينيابوليس.

ونستعرض فيما يلي مقال فريدمان:

في التاسع من نوفمبر عام 2016، في صبيحة اليوم التالي لآخر انتخابات رئاسية في بلادنا، بدأت كتابة مقالي الصحفي بتذكّر كلمات قالتها صديقتي "ليزلي غولدواسر" التي هاجرت من زيمبابوي إلى الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي. بعد متابعتها بدقة لمشهد بلادنا السياسي قبل ذلك بسنوات، أشارت "ليزلي" لي قائلة: "أنتم الأمريكيون تركلون بلادكم كما لو كانت كرة قدم، لكنها ليست كذلك. إنها بيضة ذهبية، يمكنكم كسرها". ثم أضفتُ على كلامها قائلًا: "بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا، أصبحت خائفًا أكثر من أي وقت مضى في حياتي (63 عامًا) من أننا قد نفعل هذا- ندمّر بلادنا، وأن نصبح منقسمين على نحو لا يمكن إصلاحه، ما سيجعل حكومتنا الوطنية عاجزة عن العمل".

حسنًا، أنا أبلغ الآن 66 عامًا، وتحققت مخاوفي بالفعل – بل أسوأ منها. لست متأكدًا تمامًا أننا سنكون قادرين على إجراء انتخابات حرة ونزيهة في نوفمبر أو أن نشاهد انتقالًا سلميًّا للسلطات الرئاسية في يناير. نحن نقترب من الوقوع في حرب أهلية، لكننا هذه المرة لسنا محظوظين: إبراهام لينكولن ليس الرئيس.

كان "لينكولن"، في أكثر أوقاتنا سوادًا وانقسامًا قادرًا على البحث عميقًا في روحه وإيجاد الكلمات المناسبة قائلًا: "نحن لا نكنّ الشر لأحد، بل نكنّ الخير للجميع…فلنسع جاهدين لإنهاء العمل الذي بدأناه. وأن نفعل كل ما من شأنه أن يحقق السلام العادل والدائم فيما بيننا ومع جميع الأمم".

بدلًا من هذا، لدينا دونالد ترامب، الرجل الذي كان أول ردّ فعل غريزي له عندما كانت البلاد تتمزق كان إطلاق الغاز المسيّل للدموع على المتظاهرين وتنحيتهم جانبًا حتى يذهب مشيًا على الأقدام إلى كنيسة قريبة لالتقاط صورة تذكارية وهو يحمل الإنجيل. هو لم يفتح الإنجيل لقراءة مقطع من الإنجيل عن تضميد الجراح، ولم يدخل الكنيسة لإجراء حوار يداوي الجروح، لكنه وقف لالتقاط صورة لزيادة دعمه وسط المتدينين البيض، وكان يحمل الإنجيل مقلوبًا.

ماذا نفعل؟ كيف نجد الزعامة المطلوبة لتهدئة الوضع ومعالجة الأسباب الأساسية للأزمة ومساعدتنا على أقل تقدير في تجاوز انتخابات 2020؟

منذ ثلاث سنوات مضت، ربما كنت آمل أن يتدخل مجلس الشيوخ الجمهوري لكبح جماح ترامب. لكننا بتنا اليوم نعرف أفضل. فالتكتل الجمهوري في مجلس الشيوخ اليوم ليس إلا بيت دعارة سياسي. وأصبح "ميتش ماكونل" هو الرجل المجنون. كما أن "ماكونل" وبقية الجمهوريين مستعدون لتأجير أنفسهم في الليل لأي طرف قادر على تنشيط القاعدة الجمهورية ليبقوا في السلطة ويؤمّنوا الفوائد الاقتصادية لمتبرعيهم الأثرياء.

مُنشّطو هذه القاعدة الجمهورية كانوا "سارة بالين"، وحزب الشاي، وشركات الفحم، والملوثين الصناعيين، والآن داعمي ترامب المسعورين، ولكن لا يهمّ مَن هي الجهة التي تنشّط القواعد الشعبية. فالمصباح الأحمر دائمًا مُضاء فوق باب غرفة أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ.

لكن ماذا عن منصّات التواصل الاجتماعي لدى النبلاء؟ هل سينقذوننا من المخلفات السامة المنتشرة على منصّاتهم؟ بالتأكيد هذا لن يقوم به "مارك زوكربيرغ" رئيس فيسبوك، الذي بات اليوم "روبرت مردوخ" هذا الجيل. هو دائمًا يبرر اختياراته الجبانة بكلمات بلهاء عن "حرية التعبير"، لكن من الواضح أن هدفه الأساسي هو ربح المال، بغض النظر عن أن منصّته تُستخدم لتدمير ديمقراطيتنا.

من المثير للاهتمام ملاحظة أن العلماء يخبروننا أن الأشخاص المصابين بفيروس كورونا والذين يتبعون سلوكًا صاخبًا وبغيضًا في غرفة مغلقة، هم أكثر من ينقل هذا الفيروس لغيرهم. ويخبرنا خبراء الإنترنت أن الأشخاص الصاخبين والبغيضين على الإنترنت هم أكثر من ينشر الأمراض السياسية؛ هذا لأن نموذج أعمال الفيسبوك بأكمله هدفه تشجيع ومكافأة السلوك الغاضب، لأنه بدوره يخلق المزيد من الغضب. وللأسف، لن يقدم "زوكربيرغ" العون لنا!

إذًا إلى مَن نلجأ؟ الأمر ليس ميؤوسًا منه.  أنا آمل أن يتمكّن قادة أعمال أمريكا الكبار، وهناك الكثير منهم، من إيجاد طريقة للتوحّد لقيادة نقاش هدفه تضميد الجراح، ربما من خلال دائرة أعمال مستديرة، وذلك بالرغم من عدم استعداد الرئيس وعجزه عن القيام بهذا.

طالب السيد "راندال ستيفنسون"، رئيس شركة AT&T للاتصالات بالقيام بهذا الشيء تحديدًا في برنامج Squawk Box على محطة "سي إن بي سي" المُذاع صباح يوم الثلاثاء. (شركة AT&A هي متبرع لمتحف Planet Word، وهو متحف لدعم القراء والتعلم، تبنيه زوجتي في واشنطن).

وقال ستيفنسون: "نحن جميعًا الرؤساء التنفيذيين لدينا هيئات لموظفين أمريكيين من أصول أفريقية "، مضيفا "نحن مدينون لهم بأن نعالج هذا الأمر وأن نطالب صُنّاع القرار في بلادنا بالتحرك.. ونقولها صراحة: لدينا مشكلة. مشكلة كبيرة. ويجب معالجتها".

واستكمل ستيفنسون حديثه: "هذا يتعلق بتحقيق العدالة والتأكد أننا نؤسس لإجراءات… لمعالجة ما يبدو أنها حالات ظلم مستمرة ومتكررة…والأمر يتطلب تفاعلًا ما بين سلطات تطبيق القانون" والمجتمع الأسود.

كيف يمكن لمجتمع الأعمال أن يصنع فارقًا مباشرًا؟ هذا يكون عبر دعم السياسيين الراغبين في إصلاح جهاز الشرطة، لكن بنفس القدر من الأهمية، عبر تعزيز وضع روّاد الأعمال الاجتماعيين المحليين الذين يعملون في أحياء محرومة لمساعدة سكانها على تحقيق قدراتهم الكاملة.

أنا من مدينة منيابولس، ولدت في منطقة "نورث سايد" التي تبعد بضعة أميال من الشارع الذي قُتل فيه جورج فلويد. لا أحد هناك اليوم يسعى جاهدًا لضمان امتلاك العائلات المحرومة في هذا الحي الأدوات التي تساعدها على النجاح أكثر من صديقتي "سوندرا صامويل"، الرئيس التنفيذية ورئيسة جمعية خيرية اسمهاNorthside Achievement Zone (NAZ). تعمل هذه الجمعية مع آباء وطلاب وشركاء محليين لتحقيق تحول ثقافي في منطقة شمال "مينيوبليس" ذات الغالبية السوداء، لإنهاء الفقر المستمر عبر الأجيال والتعليم وتحقيق الاستقرار العائلي.

أخبرتني "سوندرا" أن الردّ الصحيح على مقتل فلويد يجب أن يكون شاملًا وليس فيه تخيير بين شيئين. نحن نحتاج لنهاية فورية للنهب والحرق وتسلل جماعات العنصريين البيض التي تحرق المنازل والأعمال المملوكة للناس الجيدين في مدن في كافة أنحاء البلاد، كما نحتاج لتعزيز الحقوق المدنية وحقوق التصويت وإجراء إصلاحات جذرية في التعليم والبيئة وعمل الشرطة من أجل هذا الجيل.

ستخبرك هذه الجمعية الخيرية (NAZ) وثلاثون جمعية غير ربحية أخرى شريكة لها، أنها تخوض صراعًا، غالبًا تتقدم فيه خطوة للأمام وخطوة للوراء، لكنها استطاعت تحقيق فارق كبير في منح الأطفال الأدوات التي تمكّنهم من النجاح والالتحاق بالكلية، وفي الوقت ذاته تقديم دعم للآباء يحتاجونه لاستقرار أسرهم، وزيادة مهارات الآباء وضمان وجود ارتقاء اجتماعي.      

كما زادت جمعية NAZ كثيرًا من الوصول لفرص تعليم مبكّر عالية الجودة لألف عائلة تتعامل معها، وساعدت في تحقيق تحسّن كبير في القدرة على القراءة ومقاييس تعلّم أخرى مهمة للنجاح في الحياة. 

لو كنت مكتئبًا وترغب في فعل شيء يكون له أثر إيجابي دائم للمجتمع – ولا تكتفي بإدانة الناهبين والصراخ في ترامب على شاشة تلفازك – زُر موقع جمعية NAZ واضغط على زِرّ التبرّع.

أخيرًا، أظن أن هناك سياسيين محليين يقومون الآن بدور قيادي رائع، كالكثير من عمداء المدن العظماء من خلفيات سياسية وعرقية مختلفة. كلما استمعت لعمدة مدينة أتلانتا "كيشا لانس بوتومز" وهي تتحدث – سواء حول التعامل مع فيروس كورونا أو الظلم أو الشغب في بلدتها – تتملكني الرغبة في سؤال "جو بايدن": "هل ستختارها لتكون نائبة رئيس؟".

لقد أعجبني كيف استعانت العمدة "كيشا"، سعيًا منها لكبح العنف في أتلانتا، بمغني الراب المحلي "كيلر مايك" في مؤتمرها الصحفي، إذ قال المغني لسكان المدينة: "من واجبكم عدم حرق منازلكم بسبب غضبكم من عدوكم. من واجبكم حماية منازلكم لربما تكون هذه المنازل ملجأ لتنظيم أموركم. حان الوقت لرسم الخطط والاستراتيجيات وتنظيم وحشد قواكم. حان الوقت لهزيمة المدّعين الذين لا تحبونهم في صناديق الاقتراع. حان الوقت لمحاسبة مكاتب رؤساء البلدية ونوابهم. أريد أن أشكر عُمدتنا على التحدث إلينا مثل أم سوداء قوية تطالبنا بالعودة للمنزل، وأودّ أن أشكر أصدقائي الذين أقنعوني بالمجيء إلى هنا".

إن العون لن يأتي من البيت الأبيض أو الحزب الجمهوري، لكن البلاد مليئة بأشخاص قادرين على حل المشاكل. نحتاج لأن نتجاهل ترامب بقدر الإمكان. فهو جعل نفسه جزءًا من المشكلة. لكن باستطاعتنا تعزيز التواصل وترقية وتمكين قادة الأعمال والرواد الاجتماعيين والقادة المحليين الصاعدين والمستعدين لحل تلك المشكلة.                           
   

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا