مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية | كيف نمنع فيروس كوفيد19 من أن يتسبب في حصول أزمة جوع بأفريقيا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

خلال الأشهر القليلة الماضية، هيمن فيروس كوفيد19 تقريبًا على جميع عناوين الأخبار في جميع دول العالم. لقد احتلت القضايا الخاصة بالآثار الصحية للفيروس والاختبارات والعزل ومحاولات الحدّ من الفيروس، عن حق، مركز الصدارة. وفي العالم المتقدم، ركزت النقاشات على خسائر الشركات وتوفير إعانات بطالة، لكن الدول ذات الدخل المنخفض واجهت حقيقة مختلفة:
في أفريقيا جنوب الصحراء، يعمل ما يزيد على 70 بالمائة من العمال لحسابهم الخاص، وتعمل غالبية كبيرة من العمال في القطاع غير الرسمي. يعتمد غذاء العديد من الأفارقة القابعين في قاع الهرم الاجتماعي على المال الذي يكسبونه كل يوم. في هذا السياق، عندما غطى سرب ثانٍ هائل من الجراد في شهر أبريل سماء شرق أفريقيا مثل طاعون مذكور في التوراة، مُلتهمًا النباتات ومُشكلاً "خطرًا مقلقًا للغاية وغير مسبوق" على الأمن الغذائي وأرزاق الناس، لم تلق هذه الأخبار، كما كان متوقعًا، أي اهتمام يُذكر.

في القارة الأفريقية، حيث تتوقع شركة "ماكينزي" للاستشارات تأثر نحو 150 مليون وظيفة عبر خسارة العاملين لوظائفهم وتقليل مرتباتهم، ستكون هناك آثار واسعة النطاق لأي غزو مؤقت للجراد. أولى هذه الآثار، في شهر يناير، كانت هي الأسوأ التي تمر على بعض الدول منذ 70 عامًا، وقد ألحقت الضرر بالنباتات ومناطق الرعي التي تغطي مساحة أرضية تزيد على المساحة الأرضية الكاملة للمملكة المتحدة، وتشير تقديرات إلى أن الغزو الحالي سيكون أسوأ بعشرين مرة.

في بلدي أثيوبيا، تضرّرت مساحة كبيرة من أراضي المحاصيل والرعي بغزو الجراد، ما تسبّب في حدوث تعطل شديد في إمدادات الغذاء؛ إذ سقط مليون إنسان بالفعل في براثن الجوع. في منطقة يواجه فيها 6 من كل عشرة أشخاص نقصًا شديدًا أو متوسطًا في الأمن الغذائي، تعد هذه الآثار مدمّرة.

الأمر الأسوأ أن غزو الجراد ليس سوى محرّك واحد من مُحركات عديدة لانعدام الأمن الغذائي في القارة الأفريقية قبل انتشار كوفيد19. دفعت الصراعات المستمرة في منطقة الساحل، العديد من الأسر إلى الجوع الشديد، بينما تواصل الفيضانات والجفاف في عرقلة إنتاج الغذاء واستهلاكه في عموم المنطقة. حتى قبل انتشار كوفيد19، كان 135 مليون إنسان يعيشون تحت خطر الجوع الشديد.

كيف سيؤثر كوفيد19 على الأمن الغذائي في أفريقيا؟

ثم جاءت الجائحة. لم يمنع كوفيد19 فقط القيام باستجابة ملائمة على غزو الجراد، لكنه فاقم أيضًا من انعدام الأمن الغذائي في عموم القارة. وبالنسبة للعديد من الناس، فإن الجوع سيكون تهديدًا أكثر فتكًا من الفيروس نفسه.

لقد جرت الإشارة أحيانًا إلى كوفيد19 بأنه أكبر عامل لتحقيق المساواة بين الناس، إذ أُصيب به الفقراء والأغنياء على حد سواء. لكن الفرق بين العالمين النامي والمتطور كان صارخًا للغاية: فبينما تتزايد شعبية كتب الطبخ في الغرب، كان الفقراء يحتجون في الشارع، كما رأينا في السنغال، في محاولة يائسة لإيجاد حل لتفادي الجوع.

بينما ارتفعت أسعار الطحين في الولايات المتحدة بنسبة 154 بالمائة في مارس ونفدت الخميرة من المحلات التجارية، تدافعت أعداد غفيرة من الناس مؤخرًا في أكبر منطقة عشوائية فقيرة في كينيا، للحصول على مساعدات مكوّنة من طحين وزيت؛ ما تسبب في إصابة العشرات ومقتل شخصين. وبالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع – أقل من 1.90 دولارًا في اليوم – فإن عدم تمكنهم من تناول الطعام، يعني أنهم سيواجهون خطر الجوع. إن تأثير كوفيد19 على الأمن الغذائي، يُظهر أن هذه الأزمة لم تساوِ مطلقًا بين الناس.

لا شك أن التأثير الأكبر سيتمثل في الخسائر الكبيرة في الدخل: من المتوقع سقوط نحو 80 مليون إنسان في فقر مدقع في أفريقيا في 2020 مع تقييد العمل البدني وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج بنسبة 20 بالمائة، وهي أكبر نسبة في التاريخ الحديث. إن انخفاض التحويلات المالية للعاملين في الخارج ليس مزحة؛ إذ تشكل هذه التحويلات نسبة كبيرة من الدخل: على سبيل المثال في نيجيريا التي تضمّ أكبر عدد للسكان في القارة الأفريقية، تساوي تحويلات العاملين في الخارجي ميزانية الحكومة الفيدرالية.

المفارقة أنه بالرغم من غزو الجراد، إلا أن إمدادات الغذاء لن تنخفض عالميًا، لكن التحدّي يكمن في الحصول عليه من الدول المُنتجة للغذاء وتقديمة حيثما تمسّ الحاجة إليه بسرعة وبكفاءة. هذا يتطلب تنسيقًا عالميًّا هائلاً للجهود، وهو غير موجود حتى الآن. عوضًا عن ذلك، أصبحت العديد من الدول أكثر انعزالية: يزداد التخزين غير الضروري رواجًا، وفرضت ثماني دول قيودًا تصديرية مُلزمة على الغذاء، يمكن أن تؤدي لارتفاع الأسعار العالمية. هذا سيؤثر على نسبة كبيرة من الدولة الأفريقية التي تعدّ مستوردة صافية للغذاء. في دول مثل أنغولا ونيجيريا، ستكون هذه المشكلة مضاعفة: تستورد أنغولا ما يزيد على نصف إجمالي غذائها، وهبطت قيمة عملتها أمام الدولار الأمريكي بمعدل الخُمس نتيجة لانخفاض أسعار النفط. هذا يجعل الأسعار النسبية للغذاء أكثر تكلفة.

تعرضت إمدادات الغذاء المُنتجة محليًّا أيضا لتعطل شديد. فبالإضافة إلى غزو الجراد، تؤثر إجراءات التباعد الاجتماعي وتعطل سلاسل الإمداد سلبيًّا على قدرة المزارعين على إنتاج الغذاء وطرحه في السوق. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الإنتاج الزراعي في أفريقيا سيتهاوى بنسبة 3 إلى 7 بالمائة في 2020 في حال جرى تفعيل القيود التجارية، ما سيفاقم من حصول الفقراء على الطعام.

في بلدان مثل نيجيريا وأثيوبيا، ينفق الفقراء 60 بالمائة من نفقات استهلاكهم على الطعام. عند إجراء عملية حسابية بسيطة سنجد أن خسائر الدخل والارتفاع المتوقع للأسعار وتعطل سلاسل الإمداد، سيجعل الغذاء غير متوفر للشريحة الأفقر من الناس.

الأمن الغذائي أثناء مرض الإيبولا

لا يتعيّن علينا الرجوع للماضي البعيد لكي نتعلم من التاريخ؛ فانتشار مرض الإيبولا في غرب أفريقيا في الفترة بين 2014 و2016، دفع 750 ألف إنسان للدخول في مرحلة انعدام الأمن الغذائي في ثلاثة بلدان فقط. وفي عام 2014، كان نصف المزارعين الليبيريين تقريبًا عاجزين عن زراعة محاصيل نتيجة لتعطل سلاسل الإمداد ونقص الأيدي العاملة، ما أدى لزيادة الأسعار ودخول آلاف الناس في حالة جوع. في سيراليون، اضطر ثلثا الأسر المعيشية لاتباع استراتيجيات تكيّف لإبعاد شبح الجوع عنها.

لا يمكننا أن نسمح للتاريخ أن يكرر نفسه. إن لم يتغير شيء بنهاية 2020، فسيضاعف فيروس كوفيد19 من أعداد الناس التي تعاني من الجوع الذي قد يهدد حياتها وأرزاقها، إلى ربع مليار شخص. هذا يساوي أكثر من 80 بالمائة من سكان الولايات المتحدة، وثلاثة أضعاف الأشخاص الذين زاروا فرنسا عام 2018 – وهي الدولة التي تستقبل أكبر عدد من الزوار الأجانب – في مقابل كل ملياردير من ال 2.604 ملياردير في عام 2019، كان هناك أكثر من 100 ألف شخص يعانون من جوع شديد. لنتذكر أيضًا كلمات "بوب مارلي" التي قال فيها: إن "الجماهير الجائعة هي جماهير غاضبة". لا يجب أن يواجه المرء خيارين مأساويين بين حماية صحته من جانب، وضمان ألا يموت من الجوع على الجانب الآخر.

ماذا يجب على القادة فعله لمنع حصول أزمة جوع؟

إن كان الأفراد لا يملكون خيارًا، فإن القادة لديهم خيار؛ فالوضع الراهن ليس مختلفًا، والتضامن عبر الحدود هو أمر مهم للغاية. هناك حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لضمان استمرار إمدادات الغذاء عبر تأسيس ممر غذائي. أسست أمريكا اللاتينية مؤخرًا تجمّعا تجاريًّا إقليميًّا للسماح بتدفق إمدادات الغذاء حيثما تشتد الحاجة إليها. يجب على الحكومات الأفريقية فعل الشيء ذاته. سيكون تقليل أو تعليق الرسوم الجمركية على واردات المواد الغذائية الأساسية، وضمان إمكانية حصول المزارعين على حزم قروض، أمرًا ضروريًّا لتفادي شبح الجوع. ولحماية الشرائح الأكثر ضعفًا، يجب على الحكومات توسيع وتحسين برامج المساعدات الغذائية والحماية الاجتماعية.

في غضون هذا، ينبغي للحكومات المتبرعة مقاومة الإجراءات الحمائية في تصدير واستيراد الطعام، لكن يجب عليها أيضًا تقديم مساعدات في شكل مبيدات حشرات لمواجهة غزو الجراد. كما يجب على جميع الجهات إعلان وقف فوري مؤقت لتسديد الديون المستحقة – من جانب جهات ثنائية ومتعددة الأطراف أو خاصة – لعامي 2020 و2021 حتى تتوفر للحكومات موارد لتوسيع الحماية الاجتماعية داخل حدودها. يجب على هذه الدول أيضًا أن تفعل كل ما في وسعها لتقليل كلفة إرسال التحويلات المالية، كما يجب على المتبرعين المساهمة في دفع 6.7 مليار دولار مطلوبة لبرنامج "خطة الاستجابة الإنسانية العالمية"، ودفع 1.5 مليار دولار لتمويل "البرنامج العالمي للأمن الغذائي والزراعة"، الذي سيساعد في الوصول للشرائح الأفقر، وحماية إمدادات الغذاء المحلية.

منذ ثلاثة وخمسين عامًا مضت، كانت أثيوبيا تقف على حافة المجاعة. لقد عانينا حينها من انعدام شديد في الأمن الغذائي ما أدّى لوفاة مليون شخص. اليوم، باتت إشارات التحذير واضحة أكثر من أي وقت مضى: إن لم نتحرّك الآن، فإن نقص الغذاء قد يقتل ملايين أخرى من البشر. لا أريد أن أنتظر حتى أرى هذه النتيجة، وكذلك أنتم.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا