ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح
في القارة الأفريقية، حيث تتوقع شركة "ماكينزي" للاستشارات تأثر نحو 150 مليون وظيفة عبر خسارة العاملين لوظائفهم وتقليل مرتباتهم، ستكون هناك آثار واسعة النطاق لأي غزو مؤقت للجراد. أولى هذه الآثار، في شهر يناير، كانت هي الأسوأ التي تمر على بعض الدول منذ 70 عامًا، وقد ألحقت الضرر بالنباتات ومناطق الرعي التي تغطي مساحة أرضية تزيد على المساحة الأرضية الكاملة للمملكة المتحدة، وتشير تقديرات إلى أن الغزو الحالي سيكون أسوأ بعشرين مرة.
في بلدي أثيوبيا، تضرّرت مساحة كبيرة من أراضي المحاصيل والرعي بغزو الجراد، ما تسبّب في حدوث تعطل شديد في إمدادات الغذاء؛ إذ سقط مليون إنسان بالفعل في براثن الجوع. في منطقة يواجه فيها 6 من كل عشرة أشخاص نقصًا شديدًا أو متوسطًا في الأمن الغذائي، تعد هذه الآثار مدمّرة.
الأمر الأسوأ أن غزو الجراد ليس سوى محرّك واحد من مُحركات عديدة لانعدام الأمن الغذائي في القارة الأفريقية قبل انتشار كوفيد19. دفعت الصراعات المستمرة في منطقة الساحل، العديد من الأسر إلى الجوع الشديد، بينما تواصل الفيضانات والجفاف في عرقلة إنتاج الغذاء واستهلاكه في عموم المنطقة. حتى قبل انتشار كوفيد19، كان 135 مليون إنسان يعيشون تحت خطر الجوع الشديد.
ثم جاءت الجائحة. لم يمنع كوفيد19 فقط القيام باستجابة ملائمة على غزو الجراد، لكنه فاقم أيضًا من انعدام الأمن الغذائي في عموم القارة. وبالنسبة للعديد من الناس، فإن الجوع سيكون تهديدًا أكثر فتكًا من الفيروس نفسه.
بينما ارتفعت أسعار الطحين في الولايات المتحدة بنسبة 154 بالمائة في مارس ونفدت الخميرة من المحلات التجارية، تدافعت أعداد غفيرة من الناس مؤخرًا في أكبر منطقة عشوائية فقيرة في كينيا، للحصول على مساعدات مكوّنة من طحين وزيت؛ ما تسبب في إصابة العشرات ومقتل شخصين. وبالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع – أقل من 1.90 دولارًا في اليوم – فإن عدم تمكنهم من تناول الطعام، يعني أنهم سيواجهون خطر الجوع. إن تأثير كوفيد19 على الأمن الغذائي، يُظهر أن هذه الأزمة لم تساوِ مطلقًا بين الناس.
لا شك أن التأثير الأكبر سيتمثل في الخسائر الكبيرة في الدخل: من المتوقع سقوط نحو 80 مليون إنسان في فقر مدقع في أفريقيا في 2020 مع تقييد العمل البدني وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج بنسبة 20 بالمائة، وهي أكبر نسبة في التاريخ الحديث. إن انخفاض التحويلات المالية للعاملين في الخارج ليس مزحة؛ إذ تشكل هذه التحويلات نسبة كبيرة من الدخل: على سبيل المثال في نيجيريا التي تضمّ أكبر عدد للسكان في القارة الأفريقية، تساوي تحويلات العاملين في الخارجي ميزانية الحكومة الفيدرالية.
تعرضت إمدادات الغذاء المُنتجة محليًّا أيضا لتعطل شديد. فبالإضافة إلى غزو الجراد، تؤثر إجراءات التباعد الاجتماعي وتعطل سلاسل الإمداد سلبيًّا على قدرة المزارعين على إنتاج الغذاء وطرحه في السوق. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الإنتاج الزراعي في أفريقيا سيتهاوى بنسبة 3 إلى 7 بالمائة في 2020 في حال جرى تفعيل القيود التجارية، ما سيفاقم من حصول الفقراء على الطعام.
في بلدان مثل نيجيريا وأثيوبيا، ينفق الفقراء 60 بالمائة من نفقات استهلاكهم على الطعام. عند إجراء عملية حسابية بسيطة سنجد أن خسائر الدخل والارتفاع المتوقع للأسعار وتعطل سلاسل الإمداد، سيجعل الغذاء غير متوفر للشريحة الأفقر من الناس.
لا يتعيّن علينا الرجوع للماضي البعيد لكي نتعلم من التاريخ؛ فانتشار مرض الإيبولا في غرب أفريقيا في الفترة بين 2014 و2016، دفع 750 ألف إنسان للدخول في مرحلة انعدام الأمن الغذائي في ثلاثة بلدان فقط. وفي عام 2014، كان نصف المزارعين الليبيريين تقريبًا عاجزين عن زراعة محاصيل نتيجة لتعطل سلاسل الإمداد ونقص الأيدي العاملة، ما أدى لزيادة الأسعار ودخول آلاف الناس في حالة جوع. في سيراليون، اضطر ثلثا الأسر المعيشية لاتباع استراتيجيات تكيّف لإبعاد شبح الجوع عنها.
لا يمكننا أن نسمح للتاريخ أن يكرر نفسه. إن لم يتغير شيء بنهاية 2020، فسيضاعف فيروس كوفيد19 من أعداد الناس التي تعاني من الجوع الذي قد يهدد حياتها وأرزاقها، إلى ربع مليار شخص. هذا يساوي أكثر من 80 بالمائة من سكان الولايات المتحدة، وثلاثة أضعاف الأشخاص الذين زاروا فرنسا عام 2018 – وهي الدولة التي تستقبل أكبر عدد من الزوار الأجانب – في مقابل كل ملياردير من ال 2.604 ملياردير في عام 2019، كان هناك أكثر من 100 ألف شخص يعانون من جوع شديد. لنتذكر أيضًا كلمات "بوب مارلي" التي قال فيها: إن "الجماهير الجائعة هي جماهير غاضبة". لا يجب أن يواجه المرء خيارين مأساويين بين حماية صحته من جانب، وضمان ألا يموت من الجوع على الجانب الآخر.
إن كان الأفراد لا يملكون خيارًا، فإن القادة لديهم خيار؛ فالوضع الراهن ليس مختلفًا، والتضامن عبر الحدود هو أمر مهم للغاية. هناك حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لضمان استمرار إمدادات الغذاء عبر تأسيس ممر غذائي. أسست أمريكا اللاتينية مؤخرًا تجمّعا تجاريًّا إقليميًّا للسماح بتدفق إمدادات الغذاء حيثما تشتد الحاجة إليها. يجب على الحكومات الأفريقية فعل الشيء ذاته. سيكون تقليل أو تعليق الرسوم الجمركية على واردات المواد الغذائية الأساسية، وضمان إمكانية حصول المزارعين على حزم قروض، أمرًا ضروريًّا لتفادي شبح الجوع. ولحماية الشرائح الأكثر ضعفًا، يجب على الحكومات توسيع وتحسين برامج المساعدات الغذائية والحماية الاجتماعية.
منذ ثلاثة وخمسين عامًا مضت، كانت أثيوبيا تقف على حافة المجاعة. لقد عانينا حينها من انعدام شديد في الأمن الغذائي ما أدّى لوفاة مليون شخص. اليوم، باتت إشارات التحذير واضحة أكثر من أي وقت مضى: إن لم نتحرّك الآن، فإن نقص الغذاء قد يقتل ملايين أخرى من البشر. لا أريد أن أنتظر حتى أرى هذه النتيجة، وكذلك أنتم.
للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا>
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=4725