هآرتس | الإمارات تجبر إسرائيل على التخلي عن خطة الضمّ مقابل التطبيع

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح
عندما قرر "يوسف العتيبة"، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، نشْر مقالة رأي بالعبرية في صحيفة "يديعون أحرنوت" في منتصف يونيو الماضي، كانت نيته التأثير على النقاش الإسرائيلي الدائر بشأن ضمّ الضفة الغربية.

أصابت مقالة الرأي هدفها. فرسالة "العتيبة" غير المسبوقة والتي كانت من دون وساطة، لفتت انتباه الإسرائيليين وهيمنت على النقاشات السياسية لأيام. لكنه فعل أكثر من هذا. فقد فتح أيضا الباب لخطوة أخرى للأمام تتمثل في كسر الحواجز في العلاقات الإسرائيلية-العربية، وهو ما تحقق في هذا الأسبوع بعد توصُّل إسرائيل والإمارات لاتفاق لتطبيق العلاقات بينهما.
 
قبل نشر المقالة، لم يكن إعلان التطبيع احتمالاً واقعيًا يمكن تحقيقه على المدى القريب. حضر السفير "العتيبة" المؤتمر الذي كشف فيه الرئيس ترمب رؤيته لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في شهر يناير الماضي. لكن الإمارات ودولاً عربية أخرى لم تبد حماسة لاقتراح ان تضمّ إسرائيل بشكل فوري وأحادي الأراضي التي خُصصت لها في خطة ترمب، قبل عقد أي مفاوضات.

عندما تمكّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما ساعده في طرح مسألة الضمّ للتصويت في الكنيست أو الحكومة بعد الأول من يوليو، تشكّل تحالف واسع من القوى التي عبّرت عن معارضتها للضمّ: الفلسطينيون والأردن والجامعة العربية والدولة الأوربية والديمقراطيون في الولايات المتحدة وزعماء سياسيون إسرائيليون، وحتى بعض المستوطنين في الضفة الغربية الذين رأوا أن مساحة الأراضي التي سيجري ضمّها غير كافية وغير مقبولة في حال رافقها قيام دولة فلسطينية. ساهمت جميع تلك الأصوات في تجميد عملية الضمّ.

لكن دولة الإمارات كان لها نفوذ فريد. لا يمكن مطلقا التشكيك في حُسن نية دولة الإمارات، فهي الدولة العربية التي ذهبت إلى أبعد مدى في إقامة طيف واسع من الاتصالات غير الرسمية مع إسرائيل، والتي رعتها بهدوء إدارات أمريكية متعاقبة وجرى الإفصاح عنها تدريجيًا. ما طرحه "العتيبة" أمام إسرائيل بلغة مباشرة ومحترمة، كان خيارًا واضحًا: إما الضمّ أو التطبيع.

بينما شرح السفير "العتيبة" بالتفصيل في مقالته التعاون المستمر، والذي يمكن أن يتوسّع مستقبلاً، بين إسرائيل والإمارات في مجالات المياه والتكنولوجيا والصحة والأمن والأعمال ومجالات أخرى، إلا أن الرسالة الأساسية كانت في السطور الأولى للمقالة: "مؤخرًا، أطلق قادة إسرائيليون كلامًا حماسيًا بشأن تطبيع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى. لكن خطط الضمّ الإسرائيلية تتناقض مع فكرة التطبيع".

أخبر "العتيبة" الإسرائيليين إن عليهم الاختيار.

خلقت المقالة فرصة جرى استكشافها وبحثها خلال محادثات بين "العتيبة" و"جاريد كوشنر" كبير مستشاري البيت الأبيض. من بين أعضاء فريق ترمب، كان "كوشنر" غير متحمّس لفكرة الضمّ المتسرّع، وكان يركّز أكثر على الفوائد الإقليمية المحتملة لمبادرة ترمب. ناقش هو والعتيبة إمكانية عقد اتفاق عدم اعتداء بين الإمارات وإسرائيل كمخرج لعملية الضمّ.

سعى الإسرائيليون بعد دخولهم في النقاشات للحصول على مكاسب دبلوماسية أكبر. على مدار الأسابيع الستة التالية، قرر الإسرائيليون الموافقة على صفقة العتيبة: التطبيع بدلاً من الضمّ. تمكّن الإماراتيون- الذين كانوا يرون ان تحقيق مصالحهم يكون عبر تعزيز علاقاتهم مع شريك إقليمي متحالف معهم ضد إيران- من تحقيق نتيجة يعتقدون انها تخدم مصالحهم على أي حال، وتمنع في الوقت ذاته إسرائيل من ارتكاب خطأ بالغ.

يحصل العتيبة اليوم على كلمات الإشادة والاستحسان من أعضاء الحزبين الرئيسيين في واشنطن. لطالما كان لدى الديمقراطيين والجمهوريين هدف استراتيجي يتمثل في تحقيق التطبيع بين إسرائيل ودول عربية. إن هذا الإنجاز هو خبر جيّد للولايات المتحدة، وجرى الترحيب به ترحيبًا حارًا من جانب إدارة ترمب وحملة نائب الرئيس الأسبق "جو بايدن".

لكن هذا التطبيع جلب فوائد إضافية للولايات المتحدة، وذلك عبر دفن فكرة الضمّ الأحادي في الضفة الغربية. هذه أيضا أخبار جيّدة.

لكن هناك تساؤل حول مدى التزام إسرائيل بوقف عملية الضمّ. أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الإسرائيليين عقب إعلان التطبيع إنه ما يزال ينوي المضي قدما في الضمّ "بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة". لكن مسؤولين مشاركين في المحادثات أخبروني إن هناك التزامًا إسرائيليًا أكثر تحديدًا وأطول أجلاً فيما يتعلق بوقف الضمّ.

هذا أمر منطقي. فبعد قبولها بالخيار الواضح الذي طرحه العتيبة، وبعد حصولها على التطبيع، من المستحيل تخيُّل أن تقوم إسرائيل علنا بإذلال حاكم الإمارات "محمد بن زايد" عبر إعادة إحياء فكرة الضم.ّ ( اندلعت أزمة في الماضي بين البلدين، عقب اغتيال إسرائيل المفترض عام 2010 لعميل تابع لحماس في دبي، الأمر الذي أغضب "محمد بن زايد"، واستغرق الأمر سنتين وجهودًا دبلوماسية أمريكية كثيفة لحل الأزمة).

بالإضافة إلى هذا، قال ترمب نفسه إن الضمّ "أُزيل من الطاولة"، كما عبّر "بايدن" مرارًا عن معارضته القوية. لهذا فان الضمّ عبر التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة هو مجرد حبر على ورق. 

لم يكن ينبغي الربط بين الضمّ الأحادي للضفة وخطة ترمب للسلام في الشرق الأوسط، وهو ما أدركه ترمب فيما يبدو متأخرًا. بالإضافة إلى وضعها فرصة حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في خطر كبير، تهدد خطة الضمّ أيضا معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. إن إزالة خطة الضمّ من الطاولة هو تأجيل مرحّب به، وفرصة أيضا. 
  
الآن، ينبغي تجميد بعض أجزاء خطة ترمب للسلام التي تعتبر تشويهًا لحل الدولتين الواقعي. ينبغي للولايات المتحدة عوضا عن هذا أن تستفيد من إعلان إسرائيل والإمارات لاستعادة القيادة الأمريكية نحو تحقيق حل الدولتين الذي يضمن أمن إسرائيل ومستقبلها اليهودي والديمقراطي، ويلبّي حق الفلسطينيين في الكرامة وتقرير المصير في دولة قابلة للحياة خاصة بهم.     

إن توسيع نطاق العلاقات الإسرائيلية-العربية يمكن استغلاله لتحقيق هذه الهدف المهم. سيتعيّن على الفلسطينيين القيام بدورهم، وأن يدركوا أن الاتجاهات في المنطقة يمكن ان تخلق فرصًا لهم، لكن هذا لن يحدث لو بقوا على الهامش.

يرى البعض ان ما حصل هو بمثابة تخلٍ عن القضية الفلسطينية، لكن هذا غير منطقي ويتعارض مع الفهم السليم للمصالح الأمريكية.

لم توقف الولايات المتحدة دعمها لمعاهدتي السلام المصرية والأردنية مع إسرائيل لمجرد ان القضية الفلسطينية بقت من دون حل. رحّبت الولايات المتحدة بالتقدّم الذي حققته هاتان المعاهدتان وتأثيرهما الإيجابي على المصالح الأمريكية، وحاولت استخدامهما لتحقيق تقدّم في اتجاه حل الدولتين، الذي ما يزال مصلحة أمريكية مهمة أيضا.

في ظل القيادة الدبلوماسية الأمريكية القوية، ما من سبب يجعلنا نعتبر أن تلبية حاجات الإسرائيليين والفلسطينيين عبر المفاوضات، واتخاذ خطوات إيجابية، ومنع الإجراءات الاحادية الضارة من كلا الطرفين، وتعزيز العلاقات الإسرائيلية-العربية والدعم العربي للفلسطينيين، أهدافًا متناقضة لا يمكن التوفيق بينها.              

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا