ذا هيل | مواجهة النفوذ الصيني في المنظمات متعددة الجنسيات

ترجمات رؤية


ترجمة – آية سيد

في 1999، كتب عقيدان من جيش التحرير الشعبي كُتيب استراتيجية عسكرية بعنوان “الحرب غير المقيدة”. وأوضح الكتيب طرق هزيمة الخصوم المتفوقين تكنولوجيًّا، مثل الولايات المتحدة، عن طريق تجنب المواجهة العسكرية المباشرة. ودعا إلى الاستثمار في وسائل الحرب غير المباشرة، خاصة الدولية، والاقتصادية، والمعلوماتية لكونها الوسائل الأكثر فاعلية لتحدي الولايات المتحدة المنشغلة بالتكنولوجيا العسكرية الحركية.  

أثبت الكتاب نفاذ البصيرة وخدم كبرنامج عمل لما فعلته الصين في القرن الحادي والعشرين. إن صعود الصين السريع كمنافس للولايات المتحدة أظهر شرهها وطموحها الجيوسياسي الذي كثيرًا ما تمارسه من خلال الحصول على الأدوار القيادية في المنظمات متعددة الجنسيات. لقد غرست الصين أذرعها في الأسواق الرأسمالية العالمية، من خلال القطاع الخاص والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. في الحقيقة، يبدأ تاريخ تطور الصين إلى قوة اقتصادية عالمية في 2001 مع صعودها إلى منظمة التجارة العالمية ويدور حول قدرتها على استغلال انفتاح المنظمة على مدار العقدين التاليين لانضمامها.

إن لعب الصين لدور أكثر نشاطًا في المنظمات متعددة الجنسيات القائمة ليس مفاجأة نظرًا للزيادة الهائلة في النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي للصين على مدار العقدين الأخيرين، وليس لأنها في حد ذاتها ضرورة استراتيجية. لكن جهود الصين كثيرًا ما تذهب أبعد من مجرد بناء النفوذ داخل الهياكل والمعايير الراسخة. لقد سعت بكين باستمرار إلى استمالة هذه المنظمات بهدف تغيير القيم والمعايير والممارسات التنظيمية لكي تعكس عن قُرب – وتعزز أيضًا – تلك الخاصة بالحزب الشيوعي الصيني. فكر في انضمام الصين إلى لجان مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فقط لكي تكيّف، على المدى الطويل، تفسير الهيئة لحقوق الإنسان حتى يتماشى مع ذلك الذي تتبناه بكين. بات هذا واضحًا في أبريل 2020 عندما عُيّنت الصين في المجموعة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي تشرف على توصيات المرشحين لخبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

لقد أصبحت استمالة المنظمات متعددة الجنسيات سلاحًا قويًّا في ترسانة الصين المُصممة للتحايل على المزايا النسبية الأمريكية الحالية – على الرغم من تقلصها بقدر كبير – للتحالفات والتقدم التكنولوجي. في العقد الماضي، أصبحت الصين ممولًا يُلجأ إليه في المقام الأول في البنك الدولي، بينما اعتادت الولايات المتحدة أن تحتفظ بتلك المكانة. زادت الصين أيضًا من أدوارها في الأنشطة الاستشارية غير الإقراضية للبنك: يرأس الصينيون 4 من 15 وكالة متخصصة في الأمم المتحدة. لقد سلطت فقط جائحة كوفيد-19 الضوء على النفوذ الذي تمتلكه الصين في منظمة الصحة العالمية، وهو ما أثار استياء العالم. لقد شددت أيضًا على المخاطر المرتبطة بالانغماس في المنظمات متعددة الجنسيات ثم إظهار الغرائز التحكمية والقهرية للنظام السياسي الاستبدادي الصيني.

وفي حين أن بعض الأضرار لا رجعة فيها، تواصل المنافسة على امتلاك نفوذ داخل المنظمات متعددة الجنسيات وقيادتها كونها عنصرًا حاسمًا في المنافسة الاستراتيجية الأمريكية – الصينية الأوسع والتي كثيرًا ما تُهمَّش في عصر دبلوماسية أمريكا أولًا الصدامية.  

تحتاج الولايات المتحدة للدخول في أدوارها القيادية السابقة في المنظمات متعددة الجنسيات خشية أن نخاطر بترك المجال – والنفوذ الجيوسياسي والميزة الاقتصادية والصناعية التي يمنحها – للصين.

يعكس نفوذ الصين المتنامي في الاتحاد الدولي للتكنولوجيا والمنظمات الأخرى المسئولة عن وضع المعايير التكنولوجية المستقبلية حجم المشكلة، خاصة عند النظر إليها بالتزامن مع مبادرة معايير الصين 2035. إن التبني واسع الانتشار لمعايير الصين الخاصة بالتكنولوجيات المرجحة لتشكيل مستقبل الاتصالات وكل صناعة كبرى تقريبًا سيخلق ميزة صناعية يصعب التغلب عليها ويُعمق العلاقات الجيوسياسية للصين، لا سيما في القائمة المتنامية لدول مبادرة الحزام والطريق.

إن سجل إدارة ترامب حتى الآن ضعيف. لقد سحبت الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وخفضت التمويل والموظفين للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث تمتلك الصين ثالث أكبر قوة تصويت.

هذا مناقض لما نحتاج لفعله من أجل مكافحة النفوذ الصيني. لقد أشارت المقالة الافتتاحية التي كتبها الممثل التجاري للولايات المتحدة روبرت لايتهايزر في صحيفة وول ستريت جورنال في شهر أغسطس إلى وجود استعداد لإصلاح منظمة التجارة العالمية بدلًا من مغادرة المنظمة. هذا التغيير محل ترحيب، لكنه ليس من الواضح إذا أصبح سياسة للإدارة الآن. وليس من الواضح كذلك إلى أي درجة الولايات المتحدة ملتزمة، كما ينبغي أن تكون، بترتيب الأولويات بطريقة أفضل لكمية الموارد ومستوى المعينيين السياسيين الكبار في منظمة التجارة العالمية والمنظمات متعددة الجنسيات بشكل عام.

داخل هذه المنظمات متعددة الجنسيات، لدينا المرونة لتكوين تحالفات استراتيجية جديدة وحتى مواءمات ومنظمات متعددة الأطراف والتي ترتكز حول موضوع معين. تخيل لو لدينا تكتل يقسم البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والذي عمل بشكل جماعي وتضافري لإيجاد حل يتعلق بالجيل الخامس ويستطيع منافسة هواوي على المستوى التقني ويقدم بديلًا جيوسياسيًّا للعدد المتزايد من الدول القلقة بشأن توظيف التكنولوجيا الصينية في أهم شبكاتها. إن بحث إنشاء مجموعة D10 والتي تتشارك التزامًا بالديمقراطية وقلقًا حيال الإكراه الجيوسياسي والاقتصادي المتزايد للصين، والتجسس السيبراني، وسرقة الملكية الفكرية، وجهود تصدير الاستبدادية التكنولوجية يُعد بداية جيدة، لكن لا ينبغي أن يكون الرد الوحيد – أو حتى الأهم.

ومن أجل أن تصبح هذه الجهود مستدامة يجب أن تكون في خدمة شيء أكثر إقناعًا من رواية “لكن الصين”.

نحن في منتصف عصر يشوبه الغموض والتحول الجيوسياسي، ينتقل من أحادية القطب الأمريكية إلى تعددية الأقطاب: أبعاد، وديناميكيات، وقواعد التوازن المستقبلي المحتمل تقع في قلب المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.  

يجب أن تربط الولايات المتحدة تنشيط قيادتها في المنظمات متعددة الجنسيات القائمة بالتأمل الذاتي وتحسين وتطوير رؤية لما يأتي لاحقًا.

لقد عرفت الحكومة الصينية وبنت، منذ التسعينيات، ترساناتها في الحرب غير المباشرة. والطريقة الوحيدة لمحاربة القيم الاستبدادية الصينية هي بناء مرونة المعايير، والنتائج، والرؤية لما تمثله المجتمعات الديمقراطية. لكن إعادة البناء ستنجح فقط بالقيادة الأمريكية لتعزيز فرص الأمن، والحرية، والازدهار المشترك في نظام دولي جديد.


للاطلاع على الموضوع الأصلى .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا