الجارديان| حتى مع فوز بايدن..العالم سيدفع ثمن إخفاقات الديمقراطيين

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

كيف يمكن أن تتلاءم الظروف الانتخابية مع الديمقراطيين الأمريكيين؟  لقد لقي ربع مليون أمريكي حتفهم في جائحة أخطأ الرئيس الحالي في تقدير حجمها، وبالتالي دفع ستة ملايين على الأقل إلى حافة الفقر. لقد كانت أزمة فيروس كورونا هي القشة التي قصمت ظهر البعير للرئاسة التي ألمّت بها مئات الفضائح، كانت واحدة منها، في الظروف العادية، كفيلة بتدمير الحياة السياسية لمن يجلس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من الدعم النشط من جُلِّ الصحافة الأمريكية تقريبًا، يبدو أن فوز “جو بايدن” أقرب بكثير مما كان متوقعًا. فخلال الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، جادل مشجعو بايدن بأن منافسه الاشتراكي “بيرني ساندرز” سيصد ناخبي فلوريدا، ومع ذلك انتصر “دونالد ترامب” في ولاية “الشمس المشرقة”. وجادلوا بأن منافسه “غير القابل للانتخاب” قد يخاطر بمجلس الشيوخ وسباق الاقتراع، ومع ذلك ربما يحتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس الشيوخ، ويخسر الديمقراطيون مقاعد في مجلس النواب. 

ولولا فيروس كورونا، كان ترامب سيضمن بكل تأكيد فترة ولاية أخرى ويحتمل أن يفكك ديمقراطية أمريكية معيبة بالفعل لجيل أو أكثر. كان ينبغي أن يكون هذا زلزالًا محذرًا، والآن سيدفع العالم ثمن الجروح التي أحدثتها المؤسسة الديمقراطية. ربما يُهزم ترامب، ولكن “الترامبية” ستظل موجودة.

ومع ضرورة تركيز الاهتمام الآن على مقاومة محاولات ترامب وحلفائه لسرقة الانتخابات، بيد أنه على المؤسسة الديمقراطية أيضًا أن تدرك أسباب حدوث هذه المهزلة التي كان من الممكن تجنبها تمامًا. فعندما تم إخبارهم هاتفيًّا قبل أربع سنوات بأنه أصبح الرئيس الخامس والأربعين للجمهورية الأمريكية، كان ترامب، بالنسبة إلى “المعتدلين” الديمقراطيين، إعصارًا مفاجئًا حدث تحت سماء زرقاء صافية، وربما اعتبروه انحرافًا أو عطلاً فنيًّا أو حادثًا ضارًّا ينبغي التراجع عنه حتى يمكن استعادة الحياة الطبيعية والكياسة.

أراح العديد من الديموقراطيين أنفسهم بفكرة أنهم ليس لديهم ما يجيبون عليه، فهم قد تعرضوا للخداع، وألقوا باللائمة على روسيا، كما أن “هيلاري كلينتون” تعرضت للظلم بشكل مأساوي. وبدلًا من تقديم بديل مُلهم، عاد “بايدن” مستفيدًا بما ينعكس عليه من مجد باراك أوباما، ليقدّم نفسه على أنه “الراشد” الوحيد، ويركز على استمالة ناخبي ترامب السابقين على أساس الكفاءة وحدها. واللافت أن ترامب لم يفز فقط بأصوات أكثر من عام 2016، ولكن 93٪ من الجمهوريين اختاروه هذه المرة، بزيادة ثلاث نقاط عن تلك الانتخابات المصيرية.

يمكن توجيه انتقادات كثيرة لعملية ترشيح بايدن، الأمر الذي حدّ من آفاقه السياسية في احترام لقاعدة عملاء الديموقراطيين من الشركات، حتى عندما أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها شبكة فوكس نيوز أن معظم الأمريكيين يفضّلون خطة رعاية صحية تديرها الحكومة. ولكن الديمقراطيين الأمريكيين اللاتينيين والسود اعتبروا ذلك أمرًا مفروغًا منه، وهي رقابة استغلها ترامب باقتدار، حيث أدى الفوز– وإن كان ذلك عبر أعداد منخفضة – إلى زيادة الدعم بين الفريقين، إلا أن جذور هذا الفشل تعود إلى سنوات كثيرة ماضية. ولطالما رفضت المؤسسة الديمقراطية تبني حتى المبادئ الأساسية للديمقراطية الاجتماعية، ليس أقلها فرض ضرائب على الميسورين لتمويل برامج مثل الرفاهية والرعاية الصحية.

كانت العواقب السياسية لهذا الفشل مدمرة. ففي الستينيات، أطلق الرئيس الديمقراطي “ليندون جونسون” سلسلة من برامج “المجتمع العظيم” للتصدي للفقر. ومع ذلك، ففي حين تضاعف العبء الضريبي على الأسرة الأمريكية العادية تقريبًا بين منتصف الخمسينيات والثمانينيات، تم تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية على التوالي. وكان هناك استياء يجب استغلاله، حيث إن الأمريكيين الذين يعملون بجد، بدلًا من طبقة الزعماء، كانوا يدعمون أولئك الذين تم تصويرهم على أنهم فقراء “غير مستحقين”.

وأصبح هذا الغضب عنصريًّا لأن نضال الأمريكيين السود– الذي قوبل برد فعل عنيف من البيض– أجبر الحكومة الفيدرالية على تفعيل الحقوق المدنية الأساسية. وعندما شجب “رونالد ريجان” بشدة “ملكات الرعاية الاجتماعية”، شهد العديد من العمال المطحونين حملة مسعورة تستهدف الأمهات غير المتزوجات من السود، اللاتي يُفترض أن دولاراتهن الضريبية التي حصلن عليها بشق الأنفس تدعمهن. وعندما دعمت إدارة “بيل كلينتون” الاتفاقات التجارية التي دمرت الوظائف الصناعية في الولايات الشمالية والتي يطلق عليها “حزام الصدأ”، وكانت هناك مشكلة أخرى في انتظار الكشف عنها. فقد استغلت النزعة الترامبية العنصرية والغضب من المظالم الاقتصادية، ونجحت في توحيد القوتين معًا.

في أعقاب الانهيار المالي، بدا أن الحملة الرئاسية لأوباما توقفت إزاء إخفاقات الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة. ولكن في الوقت الذي أنقذ أوباما فيه البنوك وترك المديرين التنفيذيين الماليين يبتعدون عن دورهم في انهيار عام 2008، ظلت أجور ملايين الأمريكيين راكدة أو منخفضة. وبينما انخفضت شريحة الدخل القومي التي تنتمي إلى الأمريكيين المتوسطين من 62٪ إلى 43٪ بين عامي 1970 و2018، ارتفع عدد المليارديرات، فمن 66 عام 1990 بثروة إجمالية قدرها 240 مليار دولار، إلى 614 اليوم، بثروة إجمالية تقارب 3 تريليونات دولار. 

وأصبحت الولايات المتحدة الآن مجتمعًا يوجد فيه واحد من كل 11 شخصًا بالغًا أسود إما في السجن أو في حالة إطلاق سراح مشروط أو تحت المراقبة، وأكدت منظمة “حياة السود تهم” حل مثل هذه المظالم العنصرية بشكل عاجل.

لقد أثبتت المؤسسة الديمقراطية أنها مفلسة سياسيًّا وغير قادرة على مواجهة هذه التحديات، فقد خسر الحزب أمام ترامب في عام 2016، ولكننا سننتخب جميعًا هذا الفشل. 

وعلى الرغم من التزام بايدن بالتوقيع على اتفاقيات باريس للمناخ، فإن الفشل في الفوز بمجلس الشيوخ سيعيق إبرام صفقة خضراء جديدة مطلوبة بشدة لمواجهة التهديد الوجودي لحالة الطوارئ المناخية، ولا يستطيع العالم تحمل أربع سنوات أخرى من التقاعس عن العمل. فمع احتمال أن تكون رئاسة بايدن رهينة مجلس الشيوخ والمحكمة العليا التي يحتمل أن تكون معادية، سيكون الجمهوريون قادرين على زيادة تشكيل نظام ديمقراطي مهدّد بالفعل، والاستفادة من خيبة أمل الناس بحكومة لا تفعل شيئًا.

ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد أمل. إذْ تضاعف عدد ما يسمى بفريق الديمقراطيين التقدميين في الكونجرس– وأشهر أعضائها هو النائبة “ألكساندريا أوكاسيو كورتيز– بما في ذلك انتخاب الممرضة السابقة “كوري بوش” في ميسوري، وأول عضو كونجرس أسود مثلي الجنس “موندير جونز” في نيويورك. 

لقد فشلت المؤسسة الديمقراطية القديمة في إلحاق الهزيمة التي تستحقها الترامبية. ومن هنا، يقع على عاتق هذا الجيل الجديد من القادة التقدميين– وهم في الغالبية من الطبقة العاملة الملونة – إنهاء المهمة، ليس فقط من أجل الولايات المتحدة، ولكن من أجل العالم أجمع.

لمشاهدة الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا