وور أون ذا روك| الطريق إلى سياسة ناجحة لمواجهة الصين يمر عبر أوروبا

بسام عباس

ترجمة: بسام عباس

أمام الرئيس المنتخب “جو بايدن” وإدارته طريق غير مُمهّد لتصحيح مسار العلاقات الصينية الأمريكية، وذلك بالتعاون الجاد مع أوروبا، حيث يمكن أن يساعد تجديد التعاون مع الحلفاء الأوروبيين الولايات المتحدة على التنافس بشكل أكثر فاعلية مع الصين والتصدي بشكل أفضل للتحديات الاقتصادية والأمنية المتزايدة التي تشكلها.

فالولايات المتحدة وأوروبا تشتركان في مصالح مشتركة قوية في العديد من القضايا المعقدة التي تمثل التحدي الأكبر للصين، ألا وهي الصحة العالمية، وتغير المناخ، والتكنولوجيا، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، والتجارة.

وتشكّل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معًا 42.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا لبيانات البنك الدولي، بينما تشكل الصين 16.3٪ فقط. ويُعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للصين، بينما تعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري ثنائي للتنين الصيني. ويمكن أن تؤدي الشراكة بين الولايات المتحدة وأوروبا، التي جرى تنشيطها، إلى مزيد من النفوذ المنسق الذي ستكون هناك حاجة إليه لمواجهة الجوانب السلبية للصعود المستمر للصين.

إذا أرادت الإدارة الأمريكية المقبلة أن تنجح في إعادة ضبط علاقتها مع بكين، فسيتعين على المسئولين الأمريكيين العمل بسرعة لبناء تحالف موحد من الشركاء والحلفاء لتثبيط تحديات الصعود الصيني. وسيعتمد نجاح مثل هذا الجهد على قدرة الولايات المتحدة على إقناع أوروبا بأن واشنطن ستفي بالتزاماتها في الصفقة، كما ستحتاج إلى العمل بجد لإصلاح العلاقات مع شركائها عبر المحيط الأطلسي، وتنسيق سياستها فيما يتعلق بسياستها تجاه الصين على نحو لم يُشاهد على مدى السنوات الأربع الماضية.

وكما أشار مركز التقدم الأمريكي مؤخرًا في تقرير جديد شامل، فإنه يجب على الإدارة القادمة، في أول 100 يوم لها، بناء تحالف قوي مع الشركاء الأوروبيين فيما يتعلق بالسياسة تجاه الصين التي تركز على تغير المناخ، وسياسة التكنولوجيا، وقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، والتجارة، حيث يمكن لواشنطن وبروكسل العمل على دفع بكين للالتزام بتعهداتها المناخية مع رفع مستوى التقدم في المستقبل. كما كشفت بكين أيضًا أنها تسعى للهيمنة على مجال التكنولوجيا، ومن هنا، يمكن العمل على شراكة متجددة عبر الأطلسي لتحقيق معايير التكنولوجيا القائمة على القيم الليبرالية المشتركة. ومن هونج كونج إلى شينجيانج، تواصل بكين تجاهل المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتشترك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في قيم تاريخية عميقة بشأن هذه القضايا، ويمكنهما توحيد الجهود لدفع الصين إلى الامتثال للمعايير الدولية.

وأخيرًا، تواصل بكين استخدام سخائها الاقتصادي كأداة للإكراه؛ إذ تواجه الولايات المتحدة (وهي أكبر شريك تجاري ثنائي للصين) والاتحاد الأوروبي (أكبر شريك تجاري للصين) ممارسات اقتصادية مشوهة موجهة من الدولة، مثل تقييد الوصول إلى الأسواق المحلية، وستتطلب معالجة هذه التحديات التي تفرضها تطلعات الصين المحلية والدولية أن تعمل الولايات المتحدة وأوروبا معًا.

وجهات النظر الأوروبية بشأن الصين

سريعًا ما تتغير وجهات النظر الأوروبية تجاه الصين، فقد وصفت المفوضية الأوروبية، الصين في العام الماضي بأنها “منافسة منهجية” لأول مرة. ولكن وجهات النظر الأوروبية بشأن الصين أصبحت أكثر أهمية في أعقاب وباء كورونا، فقد أثارت حملة التضليل الصينية العشوائية حول أصول فيروس كورونا، وانتقادها الاستجابة الأوروبية الغضب في جميع أنحاء أوروبا. حيث أظهرت دراسة حديثة أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بعد تفشي الوباء أن التصورات عن الصين أصبحت سلبية بشكل متزايد في جميع أنحاء أوروبا. كما كشفت الدراسات الاستقصائية الأخيرة التي أجراها مركز بيو للأبحاث في تسع دول أوروبية عن زيادة حادة في وجهات النظر السلبية تجاه الصين والرئيس “شي جين بينغ”. وحتى مع التوترات الحالية في العلاقات عبر الأطلسي، وزير الخارجية “مايك بومبيو” ونظيره الأوروبي “جوزيب بوريل” اتفقا على بدء حوار ثنائي جديد حول الصين في 23 أكتوبر.

ويدرك الاتحاد الأوروبي أنه يتعين عليه تغيير مساره، فقد كشفت جائحة فيروس كورونا عن مخاطر الاعتماد المفرط على بكين حيث تواصل الصين صعودها القسري والمتقلب. وهذه التحولات تخلق فرصًا جديدة للتعاون الأمريكي الأوروبي بشأن سياستهما تجاه الصين. وبينما يستمر تنامي الإجماع حول الصين داخل الاتحاد الأوروبي، يجب أن تستعد الإدارة الأمريكية القادمة للانخراط في القضايا الرئيسية للمساعدة في صياغة نهج أكثر فاعلية تجاه الصين.

خارطة طريق للتعاون عبر الأطلسي لمواجهة الصين

يمكن للإدارة الأمريكية أن تبدأ في بناء تحالف لصياغة سياسة لمواجهة الصين في خلال الأيام المائة الأولى لها في الحكم، فيجب أن يسافر وفد أمريكي رفيع المستوى إلى أوروبا كجزء من مراجعة شاملة لاستراتيجيته تجاه بكين، وستكون جولة الاستماع هذه حجر الزاوية لاستعادة الثقة مع شركائنا عبر المحيط الأطلسي، كما يجب أن تكون أولى رحلات بايدن الخارجية كرئيس أمريكي إلى أوروبا للإشارة إلى أهمية الحلفاء الديمقراطيين والقيم المشتركة.

تغير المناخ

فيما يتعلق بتغير المناخ، يجب على الإدارة الأمريكية المقبلة اتخاذ خطوات فورية لتبين للشركاء الأوروبيين أن الولايات المتحدة ملتزمة مجددًا بمكافحة تغير المناخ، وإرسال رسالة إلى بكين مفادها أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيبحثان عن إجراءات فورية وطموحة لإلزام الصين بالوفاء بوعدها بشأن المناخ. ويجب ألا تنضم الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ فحسب، بل يجب عليها أن تنسق أيضًا مع الشركاء الأوروبيين بشأن تدابير الحد من انبعاثات الكربون، مثل آليات تعديل الكربون الحدودي. وبالتنسيق مع سياسات المناخ المحلية الطموحة داخل الولايات المتحدة، يمكن لهذه المبادرات المنسقة أن تدفع الصين للتحرك بسرعة أكبر نحو خفض الانبعاثات.

ومع ذلك، تظل قدرة بكين واستعدادها لتحقيق الأهداف المناخية الطموحة سؤالًا مفتوحًا. فقد أعلن “شي” في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2020 أن الصين ستهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060. ومع أن هذه علامة مشجعة، بيد أنه من غير الواضح كيف تخطط الصين لتحقيق هذا الهدف؛ إذ تشير سياسة المناخ الحالية والإجراءات المحلية الأخيرة إلى أن الصين لا تقوم بالتحول نحو خفض الانبعاثات في المستقبل المنظور؛ بل إنها تواصل بناء محطات جديدة تعمل بالفحم بمعدل ينذر بالخطر، كما أنها تعتمد بشكل كبير على صناعة الوقود الأحفوري من أجل الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء. ودون اتخاذ أي إجراءات على المدى القريب، فليس من الواضح قدرة الصين على الوفاء بوعودها المناخية وسبلها في تحقيق ذلك.

في المقابل، حدد الاتحاد الأوروبي، من خلال الصفقة الخضراء الأوروبية، الإجراءات الفورية التي سيتخذها لخفض الانبعاثات، حيث يلتزم الاتحاد الأوروبي التزامًا قويًّا بالحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية، وعلى النحو الذي حددته بشكل عاجل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهو ما يجعل الاتحاد الأوروبي شريكًا مثاليًّا، والتنسيق بشأن نظام تعديل الكربون الحدودي سيمثل فرصة كبيرة للتعاون المثمر، إذ ستفرض آليات تعديل الكربون الحدودي تكاليف عبر القطاعات عالية الانبعاثات وتسمح للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخلق حوافز حقيقية للصين – وغيرها من البلدان ذات الانبعاثات الكربونية العالية – لتقليل الانبعاثات بسرعة.

سياسة التكنولوجيا

تلعب الدول الأوروبية أيضًا دورًا حاسمًا في القضايا التقنية، فقد أظهر الاتحاد الأوروبي بالفعل ريادته في إدارة التكنولوجيا، وبدأت الولايات المتحدة في اتباع ذلك. ويمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معًا التعاون بشأن معايير إدارة التكنولوجيا المشتركة، وتقديم بديل ديمقراطي للاستبداد الرقمي الصيني. ولتحقيق ذلك، يجب على الإدارة تطوير استراتيجية تقنية رقمية جديدة خلال أول مائة يوم لها، كما يجب تنسيق هذه الاستراتيجية مع الحلفاء والشركاء، مثل الاتحاد الأوروبي، لتعزيز قيم الحوكمة الليبرالية، والتصدي للمعلومات المضللة المتزايدة، ومكافحة الاستبداد الرقمي.

كذلك ينبغي على الإدارة المقبلة أن تعقد منتدىً تكنولوجيًّا دوليًّا للديمقراطيات ذات التفكير المماثل لتطوير مناهج مشتركة للتحديات التي تطرحها التقنيات الناشئة. ولا شك أن بكين ستكون معادية لنهج ديمقراطي موحد لإدارة التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، هدّد السفير الصيني في ألمانيا مؤخرًا بأن “الحكومة الصينية لن تقف مكتوفة الأيدي” إذا حظرت ألمانيا معدات اتصالات (هواوي جي 5)، ولكن هذا يجعل الأمر أكثر أهمية لأن تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تنسيق جهودهما في مجال التكنولوجيا.

حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية

مجال آخر يمكن للولايات المتحدة وأوروبا أن تضغط من خلاله على الصين، وهو حقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص، محاسبة الصين على الانتهاكات التي تمارسها في هونج كونج وشينجيانج، وتعمل أوروبا بالفعل على تشديد موقفها بشأن انتهاكات الصين لحقوق الإنسان. فقد ضغط القادة الأوروبيون على “شي” بشأن هذه القضايا خلال القمة الافتراضية بين الاتحاد الأوروبي والصين في سبتمبر الماضي، معربين عن قلقهم البالغ إزاء معاملة الأقليات والمدافعين عن حقوق الإنسان في محادثة قيل إنها كانت “مكثفة للغاية”. وقد صرح رئيس المجلس الأوروبي “تشارلز ميشيل”: ” “لقد أكدنا مجددًا مخاوفنا بشأن معاملة الصين للأقليات في شينجيانج والتبت، ومعاملة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين”، كما طلب الاتحاد الأوروبي من الصين السماح لمراقبين مستقلين بزيارة منطقة شينجيانج للتحقيق في معسكرات الاعتقال. وخلال الاجتماع، أعرب القادة الأوروبيون عن مخاوفهم مع “شي” فيما يتعلق بقانون الأمن القومي الجديد في هونج كونج، والذي نتج عنه تعهد من الصين بالالتزام بهيكل إدارة “دولة واحدة ونظامان”، ولذلك يجب على الولايات المتحدة أن تنضم إلى أوروبا في المطالبة بما هو أفضل في هذا الشأن.

لقد عمل الكونجرس الأمريكي بالفعل على تسليط الضوء على الانتهاكات التي ترتكبها الصين، ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة أن تدفع الاتحاد الأوروبي أكثر لتحويل الخطاب الناعم الأخير إلى عمل تعاوني أوسع.

كما يمكن للإدارة القادمة أن تتخذ خطوات فورية لإظهار دعمها للمعايير الديمقراطية ومساعدة ضحايا انتهاكات الصين الفاضحة لحقوق الإنسان. وتشمل الإجراءات المحتملة منح وضع الحماية المؤقت ووضع الهجرة الخاص لشعب هونج كونج والإعلان عن عقوبات أمريكية جديدة ضد الأفراد والكيانات المرتبطة بقمع الأويجور في شينجيانج، كما يجب على الإدارة أيضًا دعوة نشطاء الأويجور إلى البيت الأبيض لتسليط الضوء ومزيد من الاهتمام إلى الفظائع التي ترتكبها بكين في شينجيانج.

التجارة

وفيما يتعلق بالتجارة، يجب على الولايات المتحدة أن تبتعد عن سياسة المعاملات التجارية في السنوات الأربع الماضية للتركيز على معالجة السلوك الاقتصادي والتجاري الصيني الأكثر فظاعة، وذلك بالاشتراك مع أوروبا. وكما قال وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس”، “لدى أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء توقعات تجاه الصين، فيما يتعلق بظروف عادلة للتجارة والاستثمار، واحترام المعاهدات والالتزامات الدولية”. ولتنفيذ هذا التحول، ينبغي للإدارة الأمريكية المقبلة في يومها الأول أن تعلن نهاية الحرب التجارية المضللة التي شنها الرئيس ترامب مع الاتحاد الأوروبي. ولأن جميع هذه الخلافات لن يتم تسويتها في غضون مائة يوم، فإن الحوار المثمر لخفض الحواجز التجارية سيكون خطوة أساسية في إصلاح العلاقات عبر الأطلسي.

وسيؤدي الحد من التوترات التجارية بين الجانبين إلى توفير مساحة لواشنطن وبروكسل للتنسيق بشأن القضايا الأخرى المتعلقة بالصين، إضافة إلى ذلك، ينبغي على الإدارة الأمريكية المقبلة اتخاذ إجراءات جماعية في منظمة التجارة العالمية من خلال رفع دعوى بطلان وتعطيل ضد بكين، وستمهّد هذه الإجراءات الطريق لتطوير نهج تجاري أكثر تعددية بتأييد من أوروبا ضد الصين.

آفاق المستقبل

يراقب صانعو السياسة في العواصم الأوروبية الولايات المتحدة لتقدير فرص توحيد القوى؛ لذا ينبغي على إدارة بايدن أن تستثمر هذا التواصل بشكل سليم من أجل تصحيح مسار الاستراتيجية الفاشلة في مواجهة الصين. وسيكون من الأهمية بمكان للإدارة المقبلة أن تتعاون مع الاتحاد الأوروبي بشأن المصالح المشتركة مثل تغير المناخ، وسياسة التكنولوجيا، وحقوق الإنسان والديمقراطية، وقضايا التجارة من أجل تشكيل تحالف أكثر تماسكًا لمواجهة التحديات التي تشكلها بكين. ومن دون عمل منسق على هذه الجبهات الحاسمة؛ ستستمر بكين في تحدي الأعراف العالمية، بينما تسعى إلى تغيير القواعد التي تحكم النظام الدولي. ويمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معًا التغلب على هذا التحدي، فقد أصبح لديهما الآن، وأكثر من أي وقت مضى، طريق واضح نحو شراكة عبر الأطلسي متجددة، ويتلخص في أن الطريق نحو سياسة ناجحة في مواجهة الصين يمر عبر أوروبا.

الرابط الأصلي من هنا

ربما يعجبك أيضا