موسكو تايمز | كيف سيتعامل بايدن مع العقوبات الأمريكية؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

بعد فوز “جو بايدن” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، هناك العديد من التساؤلات حول ما سيعنيه ذلك بالنسبة للدول التي تستهدفه الولايات المتحدة بالعقوبات، فلا يمكن للرئيس المقبل تغيير سياسة العقوبات لمجرد نزوة، لأنها جزء من العمليات الروتينية، إلا أنه يمكنه التأثير على العديد من الجوانب المهمة لتلك السياسة، إذ يمكنه، على سبيل المثال، تغيير أسلوب صنع القرار؛ ما سيكون له تداعيات على الولايات المتحدة نفسها، وكذلك على منافسيها وحلفائها.

لقد شهد نائب الرئيس السابق بايدن الكثير من العقوبات خلال مسيرته الطويلة: تعديل جاكسون – فانيك الذي حد من التجارة السوفيتية مع الولايات المتحدة بسبب سياسة الهجرة الصارمة السابقة؛ وحرب العقوبات مع إيران، والرفع التدريجي للعقوبات المفروضة على الصين؛ وإلغاء العقوبات المفروضة على روسيا؛ ثم إعادتها.

وهو من وجد نفسه في حقبتين مختلفتين من العقوبات: دخل السياسة في عهد سادت فيه العقوبات التجارية والحظر؛ كما عمل في مجلس الشيوخ في مرحلة ظهور العقوبات المستهدفة (الذكية)؛ والآن أصبح رئيسًا في وقت حازت فيه السلطات المالية الأمريكية فرصًا غير مسبوقة في السياسة الخارجية.

وإذا نظرنا إلى الدول الثلاث التي تخضع حاليًا للعقوبات الأمريكية – وهي إيران والصين وروسيا– فإن فوز بايدن هو على الأرجح بشرى سارة لطهران. فبالرغم من أن خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني جاءت انتصارًا للدبلوماسية متعددة الأطراف، فقد أعلن ترامب في عام 2018 أن الولايات المتحدة تنسحب من جانب واحد من الاتفاق، وهذا يعني عودة مجموعة واسعة من العقوبات الأمريكية ضد قطاعي المال والطاقة في إيران. وقد أجبر التهديد بفرض عقوبات أمريكية تتجاوز الحدود الإقليمية العديد من الدول التي أعادت إطلاق مشاريعها الإيرانية عندما تم التوصل إلى الاتفاق في عام 2015 على الانسحاب من إيران.

كما ألغى ترامب الاستثناءات الممنوحة للدول الحليفة فيما يتعلق بشراء النفط الإيراني، وفرض عقوبات إضافية تستهدف قطاعات مختلفة من الاقتصاد. كان الهدف السياسي للسياسة الأمريكية الجديدة تجاه إيران هو قائمة وزير الخارجية “مايك بومبيو” المؤلفة من اثني عشر مطلبًا يجب تلبيتها في مقابل رفع إدارة ترامب للعقوبات أو تخفيفها.

ويبدو أن قرار واشنطن ألحق أضرارًا بالغة بإيران، لكنه لم يحقق أي نتائج سياسية. فقد أصبحت إيران أكثر نشاطًا في سوريا واليمن والعديد من الدول الأخرى، كما أنها استمرت أيضًا في برنامجها الصاروخي. والآن ستتمثل مهمة بايدن في استعادة تلك الفرصة الضائعة للتأثير على الوضع بمساعدة أدوات الدبلوماسية متعددة الأطراف.

وهنا ستكون الأولوية منع إمداد إيران الأسلحة التقليدية، فمع انتهاء قرار الأمم المتحدة بحظر توريد هذه الأسلحة في أكتوبر 2020؛ ما منح إيران إمكانية الوصول إلى أسلحة حديثة يمكن لروسيا والصين، على سبيل المثال، تقديمها لها.

ومن الممكن أن يثير بايدن مسألة إعادة إطلاق الاتفاق النووي، إلا أنه من المستحيل– على الأرجح– العودة إلى نظام 2015 (على الرغم من استمرار سريان قرار الأمم المتحدة)، غير أن بايدن يمكنه تخفيف بعض العقوبات الأمريكية، مثل إعادة الاستثناءات من الحظر المفروض على شراء النفط الإيراني.

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تفقد نقاط بومبيو الـ12 أهميتها. وبدلًا من ذلك سيتغير أسلوب تقديم تلك المطالب وكيفية تحقيق أهدافها، وهنا يمكن للأمريكيين استئناف المحادثات مع إيران، ولكن مستوى المطالب لن يعود إلى عام 2015. ومع ذلك، فإن أصغر تحرك بشأن العقوبات مهم للاقتصاد الإيراني.

وفيما يتعلق بالصين يمكن أن نتوقع أيضًا أن نرى بعض التغيير نحو الأفضل. فقد يعود بايدن إلى الوفاء بالالتزامات الأمريكية بموجب المرحلة الأولى من الصفقة التجارية، بعد أن رفض ترامب القيام بذلك، بحجة الوباء. ولكن من غير المرجح حدوث تحول جوهري في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين.

فقد شرعت واشنطن في مسار الاحتواء التكنولوجي للصين، ولن تتخلى عن هذا المسار، وستظل الأوامر التنفيذية التي وقّعها ترامب والمتعلقة بقطاع الاتصالات سارية، إلى جانب الإجراءات التمييزية ضد شركتي هيواوي وزد تي إي وشركات صينية أخرى.

كما ستنظر الولايات المتحدة إلى أية مشاريع استثمارية صينية بعين الشك؛ فيما سيواصل مكتب التحقيقات الفيدرالي البحث عن المتسللين والجواسيس الباحثين عن الأسرار الصناعية التابعين للحكومة الصينية؛ كما سيخضع من ينتهكون العقوبات الأمريكية للمحاكمة.

أما فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان في هونج كونج وشينجيانج، ربما يتخذ بايدن موقفًا أكثر صرامة من ترامب، على الرغم من عدم توقع عقوبات واسعة النطاق في هذا الصدد، حيث إنها تستهدف فقط رؤساء الأجهزة الأمنية والأفراد المسؤولين.

بشكل عام، ستستمر الحرب الباردة التي أعلنها بومبيو ضد الصين، لكنه سيدير تلك الحرب بدبلوماسية ومهنية أكبر. وبالنسبة لبكين، فإن ذلك العدو العقلاني والمهني– أي بايدن– أكثر جاذبية من سلفه – ترامب – الأقل خبرة وعاطفية.

أخيرًا، لا توجد أخبار سارة لروسيا، لكن لا توجد أخبار سيئة صريحة أيضًا. فلا توجد أخبار جيدة؛ لأنه لن تراجع أي من العقوبات المطبقة، كما أن قضايا مثل أوكرانيا والأمن السيبراني والشرق الأوسط وحقوق الإنسان، وقضايا أخرى في العلاقات الأمريكية الروسية لن تتغير للأفضل، كما أن سياسة العقوبات لن تتغير أيضًا.

ومع ذلك، يمكن للأمور، بلا شك، أن تأخذ منعطفًا نحو الأسوأ. فلم تفرض الولايات المتحدة بعد أية عقوبات على تسميم السياسي المعارض “أليكسي نافالني”، ومن المحتمل أن يحدث هذا حتى قبل مغادرة ترامب لمنصبه في يناير، ولكن لا يوجد سبب لتوقع إجراءات جذرية. وعلى الأرجح، ستقتصر عقوبات واشنطن على الحظر وعقوبات التأشيرات ضد المسئولين الروس الذين أدرجهم الاتحاد الأوروبي بالفعل في قوائم عقوباته.

ولكن الخطر هناك يتمثل في أن تلجأ واشنطن إلى قانون التحكم في الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لعام 1991 وتزيد القيود المتعلقة بالديون السيادية لروسيا، لكن هذا أيضًا غير مرجح.

وإذا لم تكن هناك أزمات كبرى (مثل أوكرانيا في عام 2014، أو فضيحة التدخل في الانتخابات الأمريكية في عام 2016، أو تسمم سكريبال في عام 2018)، فمن غير المرجح أن يكون هناك تصعيد للعقوبات من جانب واشنطن. ودون أي أسباب مقنعة، لن تغير إدارة بايدن موقفها تجاه مشروع قانون DASKA (الدفاع عن الأمن الأمريكي من عدوان الكرملين) أو الأفكار الأخرى الخاصة بالإجراءات الجذرية ضد روسيا، فد كان لدى إدارة ترامب أيضًا تحفظات على هذا القانون، لأسباب ليس أقلها الضرر المحتمل الذي قد يلحقه بالولايات المتحدة نفسها.

ومن الأرجح أننا سنشهد المزيد من العقوبات النشطة المتعلقة بحقوق الإنسان، مثل “قانون ماجنتسكي”، والتي لن يكون لها تأثير جوهري على الاقتصاد الروسي؛ لأنها ستؤثر فقط على مسئولي الأجهزة الأمنية الروسية أو أفرادها.

وسيواصل الأمريكيون الضغط على خط أنابيب غاز (نورد ستريم 2) من روسيا إلى ألمانيا بطريقة أو بأخرى، فالعقوبات المتعلقة بالمشروع منصوص عليها في القانون، ولا يمكن للرئيس تغييرها وحده. ولذلك فمن غير المرجح أن يتغير نموذج المنافسة الشرسة بين روسيا والولايات المتحدة؛ بل من المرجح حدوث أزمات سياسية جديدة، والتي ستجلب معها المزيد من العقوبات.

لقراءة النص الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا