ناشيونال إنترست|لماذا ينبغي إعادة ضبط السياسة الخارجية الأمريكية؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

تواجه الولايات المتحدة اليوم خطرًا جيوسياسيًّا حقيقيًّا، ولا يعترف فريق بايدن ولا مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية بخطورة الوضع؛ حيث إن الرئيس المنتخب ومستشاريه لا يحبون التحدث فقط عن القيادة الأمريكية المتجددة، ولكن أيضًا عن استعادة النظام الدولي الليبرالي والقدرة الأمريكية على العمل كقوة ثورية وتحيا في سلام في نفس الوقت.

ولكن في الواقع، يتزايد خطر المواجهة النووية، ونادرًا ما يُعترف بهذه الحقيقة غير المريحة، وهذا ليس بسبب عدم التحذير، فبدلًا من ذلك، ظهر وضع طبيعي جديد في حوارات السياسة الخارجية الأمريكية حيث يجري التقليل من أهمية التداعيات الخطيرة لسياسات الولايات المتحدة؛ بحيث يمكن أن يستمر السعي وراء الهيمنة الأمريكية، دون أي تدقيق ذي مغزى من الكونجرس أو نوع الحوار السياسي الحقيقي الذي كان موجودًا خلال الحرب الباردة. ولكن في السياسة العالمية، لا تضمن النوايا الحميدة الإفلات من العقاب.

في الوقت نفسه، تواجه الولايات المتحدة خصومًا ألّداء شرسين، مثل الصين وروسيا، بينما تعرقلها تحالفات مشوشة وغير مؤكدة – بدءًا من حلف الناتو– والتي لا يبدو أنها موجودة كأدوات للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، بل كرموز مقدسة للفضيلة الغربية. وإلى جانب هؤلاء الخصوم الألداء والتحالفات غير المؤكدة، هناك أيضًا تشرذم متزايد في السياسات العالمية لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الأولى، وهذا التشرذم يجعل المصطلح الشائع “المجتمع الدولي” بعيد المنال؛ إذْ تعمل الأمم المتحدة في كثير من الأحيان كمنتدى للمناقشات الدولية وليس كآلية تنظيم فعالة.

 وفضلًا عن الأمن الوهمي الذي توفره التحالفات، هناك أيضًا مفهوم خاطئ واسع الانتشار حول التحديات التي تأتي من الخصوم المفترضين للولايات المتحدة، وخاصة الصين وروسيا. ومن الواضح أن كلا البلدين في هذه المرحلة خصمان؛ لأن الولايات المتحدة قررت أنهما قوتان معاديتان ويجب معاملتهما على هذا النحو، وذلك إن لم يكن لسبب آخر. كما أن بكين ولا موسكو لن يقبلا الاستسلام، وقد اتخذ كل منهما – بطريقته الخاصة – إجراءات تؤثر سلبًا على الأمن الأمريكي، وكون وضع العلاقات هذا حتميًّا أو في المصلحة الأمريكية، فهو قضية أخرى تمامًا.

لقد مثلت الصين بالفعل تحديًا لا مثيل له للهيمنة الأمريكية على العالم، بعد أن تجاوزت بالفعل الولايات المتحدة من حيث القوة الشرائية، ورفعت نفقاتها العسكرية أسرع من الولايات المتحدة بكثير، إضافة إلى إتقان صناعة التقنيات المتطورة الجديدة، وإقامة علاقات سياسية واقتصادية في جميع أنحاء العالم، غير أن هذه التطورات تثير سؤالين حاسمين:

أولاً: إلى أي مدى يمكن تحقيق هيمنة عالمية لا جدال فيها – والتي تمتعت بها الولايات المتحدة منذ انتصارها في الحرب الباردة – في هذه الحقبة الجديدة ومدى أهميتها لأمن الولايات المتحدة؟

وثانيًا: ما هي بالضبط طبيعة الطموحات الصينية، وهل تتطلب هذه الطموحات من الصين أن تسعى جاهدة لتحل محل الولايات المتحدة كقائدة عالمية؟

وقد حوّل الحزب الشيوعي الصين بالفعل إلى دولة استبدادية، ومع ذلك فلدى بكين أيضًا اقتصاد سوق يسمح بحريات فكرية وشخصية كبيرة. والأهم من ذلك، ليست الصين دولة أيديولوجية متشددة تسعى إلى فرض عقائدها في الخارج، ولكن الاحتجاجات الأخيرة في هونج كونج، على سبيل المثال، لا تعكس فقط السيطرة الاستبدادية الصينية، ولكن أيضًا تاريخ هونج كونج المعقد مع بكين، التي منحتها المملكة المتحدة السلطة لإدارة هونج كونج في ظل قيود معينة. وهذا المزيج من الظروف الخاصة يجعل معاملة الصين لهونج كونج أمرًا مؤسفًا بالتأكيد، ولكنه أكثر ضررًا للأسواق المالية لهونج كونج منه بالمصالح الوطنية الأمريكية.

وفيما يتعلق بالأنشطة العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي، فإن الولايات المتحدة محقة في معارضتها، لكن يجب أن تكون واقعية أيضًا. فهي لم توقع على اتفاقية قانون البحار– التي توفر الأساس القانوني لتحدي سلوك الصين في هذا المجال– كما أن معظم الدول المجاورة المتأثرة، علاوة على ذلك، خففت بالفعل من توتراتها مع الصين.

إن التحدي الصيني بالغ الأهمية، لكنه أيضًا معقّد ويجب فهمه بجدية تحليلية ودون مبالغة خطيرة في التبسيط. إنه يتطلب بالتأكيد الحفاظ على القدرات العسكرية الأمريكية وتعزيزها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وحماية التصنيع والمعرفة الأمريكية، بيد أن الدخول في حرب باردة جديدة – أو حتى ساخنة – مع بكين يضر بالمصالح القومية الأمريكية.

أما التحدي الروسي فهو من نوع مختلف. وبقدر ما يتعلق الأمر باقتصادها، فإن روسيا ليست في نفس الرابطة التي بها الولايات المتحدة، ومع ذلك، لا يرغب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في الاستسلام لفكرة أن الولايات المتحدة، إلى جانب حلفائها، يحق لهم أن يحكموا العالم بطريقة أو بأخرى، بما في ذلك المحيط الروسي. إنه متردد في خلق الانطباع بأنه سوف يذعن للضغط الأمريكي. ومع ذلك فموسكو لا تبحث عن مواجهة دائمة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو أيضًا. بل على العكس من ذلك، فقد أوضحت أنه حتى في حالة تعرضها لعقوبات وإدانات دورية، فإنها تظل منفتحة على التعاون في العديد من المجالات، بدءًا من الحد من التسلح وتغير المناخ إلى حل النزاعات. وفي ظل غياب العدوان العسكري الروسي على الناتو أو التدخل الروسي الهادف في العملية السياسية الأمريكية، فإن تعيين روسيا كعدو رئيسي يمكن أن يلحق ضررًا غير مبرر بالمصالح الأمريكية.

لكت هناك ثلاثة مخاطر رئيسية مرتبطة بالسياسة الأمريكية الحالية – والغربية بشكل عام – تجاه روسيا:

أولاً: هناك احتمال حقيقي وخطير للتصعيد في المناطق التي تقف فيها القوات الأمريكية والروسية متقاربة، كما في سوريا، أو في أعالي البحار. إن العدد المتزايد من الحوادث التي تورط فيها الجيشان يجعل من الواضح بشكل متزايد أن القوات الروسية قد تلقت تعليمات للتصرف بمزيدٍ من الحزم، ولن يتطلب الأمر أدنى سوء تقدير حتى تخرج إحدى هذه الحوادث عن السيطرة.

ثانيًا: هناك أدلة متزايدة على الانزعاج من مسلك بوتين المتمثل في “الصبر الاستراتيجي” بين النخبة الروسية، فضلًا عن الإصرار المتزايد على أن السبيل الوحيد لتغيير الديناميكية السلبية مع الغرب هو من خلال التصعيد والاعتماد على القوة العسكرية، وهو الأمر الذي يؤكد أن روسيا مستعدة وقادرة على اللعب بقسوة.

وأخيرًا وليس آخرًا: هناك إمكانية واقعية لتحالف تكتيكي صيني روسي. ولكن من الواضح أن الصين وروسيا تفضّلان إقامة علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة بدلًا من بناء تحالف ضدها. ومع تزايد إحباط النخبة الصينية والروسية من الولايات المتحدة، تزداد حدة الإغراء لتقليص حجم الولايات المتحدة من خلال جهد صيني روسي مشترك، وحتى في حالة عدم وجود مثل هذا التحالف، فإن إعطاء بكين الإحساس بأنه يمكنها الاعتماد بشكل موثوق على دعم موسكو لا يمكن أن يصب في المصلحة الأمريكية.

إن فهم تعقيد الإجراءات الصينية والروسية لا يرقى إلى مستوى أي توقع بأن تصبح بكين وموسكو صديقين للولايات المتحدة، كما أن الاعتراف بخطر سوء الاستخدام المتهور لحلف الناتو لا يعني أننا بحاجة إلى التخلي عن الناتو تمامًا ورفض الفوائد التي يمكن تحقيقها لشبكة عالمية من التحالفات. وبدلاً من ذلك، يجب أن ندرك أن الشئون العالمية نادرًا ما تكون سوداء وبيضاء، وأن التحالفات يجب أن تكون بمثابة أدوات لسياسة الولايات المتحدة بدلاً من كونها غايات في حد ذاتها، وأن التاريخ قد أعاد نفسه، ومَن يرفضون هذه الحقيقة الأساسية يخاطرون بأن يجدوا أنفسهم على الجانب الخطأ من التاريخ.

للاطلاع على الرابط الأصلي

ربما يعجبك أيضا