الجارديان | بعد محاربتهم لكورونا.. العلماء يواجهون المعلومات المضللة

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

كتب البروفيسور “جيم الخليلي”، عالم الفيزياء النظرية من أصل عراقي ورئيس الرابطة البريطانية الإنسانية،   مقالًا بصحيفة الجارديان حول دور العلماء في الأزمات والأوبئة، قال فيه:

بالعودة إلى الوراء، في تلك الأزمنة الذهبية البريئة قبل جائحة كورونا، كانت أدوار العلماء في المجتمع أكثر بساطة، حيث كنا نعرف أين نقف عندما يتعلق الأمر بشرح عملنا للجمهور. وقد كان الأمر مثيرًا، مثل الإبلاغ عن اكتشاف جسيم جديد أو كوكب خارج المجموعة الشمسية، أو أن يتجاهلنا تمامًا عَالَمٌ غير مهتم يكافح لفهم الموضوعات البعيدة جدًّا عن التجربة اليومية، ولكن يبدو أنه من الصعب تصديق الأمر الآن، فقد جاء الوقت الذي أصبح فيه علماء الأوبئة وعلماء المناعة وعلماء الفيروسات – الأبطال الخارقون والأشرار اليوم – يحلمون فقط بالحصول على وقت بث أو بوصات للتحدث عن مجالات خبرتهم.

لَكَمْ تغيّر العالم! إذْ أصبحت شهية الجمهور للعلم في عام 2020 لا تشبع؛ لأن أنظارنا جميعًا اتجهت إليه بحثًا عن الحقيقة في أوقات مضطربة. وفي الواقع، لقد شهدنا تحولًا كبيرًا في الطريقة التي ينظر بها الجمهور إلى دور العلماء في المجتمع، حيث أرادت وسائل الإعلام والجماهير معرفة كيفية إجراء البحث العلمي وكيف يتم اختبار نظرياته، وبدأت دراسة كيفية تصرف العلماء في توصيل أعمالهم بشكل لم يسبق له مثيل. لذلك، فإذا كان هناك أي إيجابيات للمضي قدمًا من هذه السنوات الأكثر صعوبة، فقد يكون السباق لفهم فيروس كورونا وإيجاد السبل لهزيمته قد سلط الضوء أيضًا على قيمة مشروع البحث العلمي الأوسع نطاقًا.

قبل الوباء، كانت هناك فترة من الثقافة المقلقة لطرد الخبراء، وبدا الناس ويكأنهم يسأمون منهم، ولكن هذا العام، استجاب الجمهور إلى حد كبير بسرعة للدعوة إلى “الثقة في العلم” و”اتباع النصائح العلمية”، سواء كان الأمر يتعلق بمسائل النظافة البسيطة أو التباعد الاجتماعي أو ارتداء أقنعة الوجه أو اللقاحات. وبالنسبة للعلماء أنفسهم، فقد بات هذا يمثّل تحديًا جديدًا: تحدٍّ تم قبوله بشغف من قبل العديد من الذين صعدوا إلى دائرة الضوء، ولم تكن مهمتهم هي إشباع فضول الجمهور بما ينفعهم فيما يتعلق بالاكتشافات المثيرة – كان ذلك في العام الماضي– ولكن بدلًا من تقديم الإرشادات لصانعي السياسات، أصبح التبرير للجمهور الأوسع لتلك السياسات التي لا تحظى بشعبية في كثير من الأحيان نتيجة لتلك النصيحة، بالإضافة إلى تحديثات حول تقدم البحث في المختبرات حول العالم، في محاولة لفهم عدو غير مرئي وهزيمته.

وخلال العام الماضي، لم يضطر الكثير من العلماء إلى العمل بشكل أسرع وأصعب من أي وقت مضى في سباق مع الزمن لإنقاذ ملايين الأرواح، ولكن طُلب منهم أيضًا تقديم تقارير مستمرة حول مدى تقدمهم. وعلى طول الطريق، أدركوا أنه يتعين عليهم شرح عمليات العلم نفسها وكيفية اكتساب المعرفة العلمية، وأهمية عدم التيقن، وإمكانية تكرار النتائج، والتراكم التدريجي للصورة مع تراكم البيانات، وحتمية ارتكاب الأخطاء عندما تكون تلك الصورة غير مكتملة.

وربما ستعود الآن كل هذه العقول العلمية العظيمة إلى صفاء مختبرات أبحاثهم وتتابع من حيث توقفت، مع اهتمام أقل من وسائل الإعلام.. ربما، لكن كل هذا الحديث عن المنهج العلمي قد سلط الضوء على حقيقة أنه ليس كل شخص على اطّلاع بالرسالة، لا سيما في ظل وجود الكثير من الجدل. وهكذا، علينا جميعًا، في عام 2021، الاستفادة من أدوات العلم، والمتمثلة في المطالبة بأدلة موثوقة، والتفكير النقدي، والنقاش المفتوح، والاستعداد لمراجعة أفكارنا في ضوء البيانات الجديدة، وذلك من أجل مواجهة الأكاذيب والمعلومات المضللة، وهذا أمر سيكون بالغ الأهمية في الأسابيع والأشهر المقبلة.

أخشى أن الكثير من الناس، الذين يشعرون بإحساس زائف بالأمان بفضل بدء برنامج التطعيم الشامل، سيتخلون عن حذرهم، بعد أن أقنعوا أنفسهم بأن فيروس كورونا يأخذ عطلة عيد الميلاد أيضًا. ثم هناك تلك الأقلية الكبيرة من الأشخاص الذين سيرفضون اللقاح، سواء كانوا قلقين من أنه جرى التعجيل به بسرعة كبيرة جدًّا دون إجراء فحوصات مناسبة على سلامته، أو – وهو الأمر الأكثر حماقة – أنه يجب تجنب اللقاحات بشكل عام.

كيف إذن ينبغي للمجتمع أن يواجه هذا النوع من المعلومات المغلوطة، خاصة عندما تنتشر أسرع من الفيروس نفسه؟ هل هذه الفئة من الناس يستمتعون بالروايات الخيالية غير المعقولة. فعلى سبيل المثال، جائحة كورونا ما هي إلا خدعة أو أن اللقاحات هي وسيلة للسيطرة على العقل، وهو بالطبع سبب للقلق الحقيقي؟ لكن هل هذا مفاجئ؟!

بالفعل لا، فنظريات المؤامرة ليست ظاهرة جديدة، حيث إن الطبيعة البشرية تميل للنميمة والتلفيق والمبالغة، بينما يستخدم مَن هم في السلطة دائمًا الدعاية أو تشويه الحقيقة لأغراض سياسية أو مالية؛ لذا فإننا في الوقت الذي نتعرض فيه للقصف بالمعلومات، ربما يكون من الصعب على الكثيرين التفرقة بين الحق والباطل، فالكثير من الناس لديهم ما يمكن أن نسميه ضعف المعرفة المعلوماتية.

إننا جميعًا نريد إجابات، بيد أننا نحتاج إلى معرفة المكان الذي نستقي منه المعلومات بثقة. خذ لقاحات كورونا الجديدة، على سبيل المثال، يدرك العلماء جيدًا أن تجارب التحكم العشوائية التي تضم عشرات الآلاف من المتطوعين والتي يتم إجراؤها لمعرفة ما إذا كانت اللقاحات الجديدة آمنة وفعّالة هي إلى حد كبير جيدة كما هي؛ حيث إنها المعيار الذهبي للعلوم القائمة على الأدلة. ولكن هل الجمهور يعي هذه العملية الموثوقة لجمع المعرفة جيدًا؟ هناك خطر حقيقي يتمثل في أن الكثير من الناس سوف يغرقهم طوفان من الأكاذيب حول قضايا مثل اللقاحات، فالعديد منها مدفوع أيديولوجيًّا ومتاح بسهولة عبر الإنترنت.

لقد وصل تسييس المعرفة العلمية إلى مرحلة متطورة هذا العام، ولكنه ربما يكون حتميًّا عندما يكون له مثل هذا التأثير المباشر على حياتنا، وقد كان هذا الأمر مثل التنقل في حقل ألغام مليء بالآراء المستقطبة، خاصة أثناء الوباء؛ ما يمثل تحديًّا للجميع، العلماء وغير العلماء على حدٍّ سواء. ومع ذلك، لا ينبغي أن يمنعنا من الاستمرار في النقاش والمناقشة بصراحة وصدق، حول أهمية التفكير العقلاني والنقدي.

كل هذا مهم، وليس مجرد رؤية طارئة أثناء الوباء، حيث إن معالجة المعلومات المضللة والحفاظ على ثقة المجتمع في العلوم أمرٌ ضروري للعديد من المعارك المقبلة، فالقدرة المستمرة للمؤسسة العلمية على مواجهة أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين – سواء كانت أزمة المناخ أو القضاء على المرض والفقر، أو ظهور أوبئة جديدة، أو ببساطة معرفة المزيد عن أنفسنا وموقعنا في الكون – تعتمد على الانفتاح والتعاون. ومن الواضح أنه لا يمكن ترك الأمر للعلماء وحدهم لتحمل عبء ضمان استمرار البشرية وبقائها، فالسياسيون ووسائل الإعلام وعامة الناس لهم أيضًا دور يلعبونه، تمامًا كما فعلنا بشكل جماعي العام الماضي، وربما تمثل هذه الدروس الجديدة التي تعلمناها جميعًا طوال عام 2020 جانبًا مشرقًا لسحابة جائحة كورونا المظلمة.

لقراءة النص الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا