بوليتيكو | من الشرق الأوسط إلى الصين.. مآزق البيت الأبيض لا تنتهي

آية سيد

ترجمة – آية سيد

يتجه جو بايدن نحو آسيا، لكن لا تتوقع أن يصرّح بهذا علنًا.

لقد أعاد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان هيكلة طاقم الأمن القومي في إدارتي الشرق الأوسط وآسيا – حيث خفض حجم الفريق المعني بالشرق الأوسط وزاد حجم الوحدة التي تنسق السياسة الأمريكية تجاه المنطقة الواسعة من العالم التي تمتد من المحيط الهندي إلى الهادئ.

هذه الخطوة، التي لم ترد عنها تقارير من قبل، هي آخر علامة على أن الإدارة الجديدة ستعطي الأولوية لآسيا في مبادراتها للسياسة الخارجية. إنها تعكس صعود الصين السريع على مدار العقدين الأخيرين، والمخاوف المتزايدة لدى المسئولين والمشرعين في الحزبين بشأن الطريقة التي يستخدم بها قادة بكين الاستبداديون قوتهم المكتسبة حديثًا.

قال عدة مسئولين حاليين وسابقين إنه في هذا الهيكل الجديد، ينمو مجال منسق الهندي-الهادئ كيرت كامبل، بينما ستصبح الإدارة التي يشرف عليها منسق الشرق الأوسط بريت ماكجيرك محدودة أكثر.

هذه التغييرات تقلب هيكل مجلس الأمن القومي في عصر أوباما، عندما كانت إدارة الشرق الأوسط أكبر بكثير مما هي عليه الآن، وكان ملف آسيا يُدار من قِبل مجموعة من صغار الموظفين. اتسمت ولاية أوباما الثانية بهجمة من تهديدات وأولويات الأمن القومي النابعة من الشرق الأوسط، من تنظيم الدولة الإسلامية والاتفاق النووي الإيراني، إلى الصراعات في ليبيا وسوريا وأزمة الهجرة الناتجة عنهما في أوروبا.

لكن، يقول مسئولو الأمن القومي الحاليون والسابقون: إن بايدن وفريقه يعتقدون الآن أن التحديات الأمنية الأكبر ستنشأ مما يُسمى منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة، والصين وروسيا، ويحوّلون مواردهم وفقًا لذلك.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي يوم الاثنين: “إن ما شاهدناه على مدار السنوات القليلة الماضية هو أن الصين تزداد استبدادية في الداخل وجزمًا بالخارج. وبكين الآن تتحدى أمننا وازدهارنا وقيمنا بطرق ملحوظة والتي تحتاج لنهج أمريكي جديد”.

يريد فريق بايدن أيضًا تجنب مأزق آخر في الشرق الأوسط وتعزيز التحالفات الأساسية في آسيا وأوروبا التي يجادلون بأنها جرى إهمالها أو ازدراؤها تحت حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، بحسب ما ذكره المسئولون الحاليون والسابقون.

فيما قال مسئول سابق في إدارة أوباما: “نظرًا لهيكل طاقم مجلس الأمن القومي، أظن أنهم مصممون بشدة على التمسك بأولوياتهم المؤكدة بدلًا من الانسحاب في دوامة الشرق الأوسط”. إن عقيدة سوليفان المهنية – وهي جعل السياسة الخارجية تعمل لصالح الطبقة المتوسطة الأمريكية – تُعد عاملًا أيضًا، نظرًا للمصالح الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة وآسيا في الازدهار الاقتصادي لإحداهما الأخرى.

وقال كريم سجادبور، الخبير في شئون الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: “إن تحويل موارد السياسة من الشرق الأوسط إلى آسيا هو انعكاس أفضل للواقع الاقتصادي لأمريكا”.

وتابع سجادبور: “تتعلق سياسة آسيا بشكل مباشر بالمزارعين، والمؤسسات وشركات التكنولوجيا الأمريكية بطريقة لا يفعلها الشرق الأوسط، نظرًا لموارد الطاقة الداخلية لأمريكا. وبعد عقدين مؤلمين في العراق وأفغانستان، يوجد القليل من الدعم الشعبي من الحزبين لفعل المزيد بالشرق الأوسط”.

لقد كانت الأولويات واضحة من تواصل فريق بايدن المبدئي مع الحلفاء الأوروبيين والآسيويين الرئيسيين. كانت مكالمات سوليفان الأولى، في اليوم التالي لتنصيب بايدن، مع نظرائه في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة واليابان، بحسب قراءات مجلس الأمن القومي للمحادثات، وتحدث أيضًا مع مستشار الأمن القومي لكوريا الجنوبية. كانت مكالمات بايدن الأولى مع قادة كندا والمكسيك والمملكة المتحدة، وتحدث مع رئيس وزراء اليابان يوشيدا سوجا الأسبوع الماضي (وأجرى أيضًا مكالمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين). وفي حين أن سوليفان تحدث مع نظرائه في أفغانستان وإسرائيل، لم يتواصل بايدن مع قادة تلك الدول بعد، بحسب استعراض لقراءات البيت الأبيض.

ووفقًا للوضع الراهن، سيتولى ماكجيرك ملف الشرق الأوسط مع مدير رفيع المستوى، وهي باربرا ليف. وفي الوقت نفسه، سيكون ملف الهندي -الهادئ تحت إشراف كامبل وثلاثة مديرين رفيعي المستوى – لورا روزينبيرج مديرة لشئون الصين، وسومونا جوها مديرة لشئون جنوب آسيا، وأندريا كندال – تايلور مديرة لشئون روسيا وآسيا الوسطى. وقد ذكر مسئول سابق في عهد أوباما بمجلس الأمن القومي، أن ملف الصين لم يكن له مدير “رفيع المستوى”، وملف آسيا لم يكن له منسق شامل.

وقال المسئول السابق في إدارة أوباما: “هذا استئناف لمحور آسيا دون ذكر ذلك علنًا”، في إشارة إلى توسع ملف آسيا في مجلس الأمن القومي الجديد.

وفي 2011، أعلن أوباما أنه وجه فريقه للأمن القومي بـ”جعل تواجدنا ومهامنا في منطقة آسيا – الهادئ أولوية قصوى”، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن الولايات المتحدة تحتاج لإعادة موازنة تركيزها بعيدًا عن أوروبا والشرق الأوسط بعد إهمال مواجهة صعود الصين السريع. وأصبح هذا التحول يُعرف بـ”محور آسيا” بعد تصريح لوزيرة الخارجية حينها هيلاري كلينتون بأن الولايات المتحدة تقف في “نقطة محورية” بينما تتراجع حدة الحروب في العراق وأفغانستان.

كان كامبل، الذي يقود الآن ملف الهندي -الهادئ، محركًا رئيسيًّا للاستراتيجية الجديدة كمساعد وزير الخارجية لشئون شرق آسيا والمحيط الهادئ خلال إدارة أوباما. لكن نجاح الاستراتيجية كان مختلطًا، ونُظر إليه بتشكك من الحلفاء في الشرق الأوسط وأوروبا.

وقال المسئول السابق إن إعادة الهيكلة الهادئة بدت متعمدة. وتابع: “لقد رأينا رد الفعل عندما تحدث أوباما علنًا عن “محور آسيا”. لم نحصل على مكانة جيدة في آسيا بقدر ما حصلنا على رد فعل سلبي في الشرق الأوسط. يجدر بنا أن نفعل ذلك فحسب”.

إن النقلة الظاهرية ليست مقصورة على مجلس الأمن القومي. يُوزَع خبراء آسيا في أنحاء الإدارة الجديدة، ويشمل هذا وزارة الدفاع، حيث عُيّن مساعد بايدن السابق إيلي راتنر مستشارًا رئيسيًّا لوزير الدفاع لويد أوستن لشئون الصين، وعُينت كيلي ماجسامين، التي خدمت مساعد وزير الدفاع لشئون أمن آسيا والهادئ حتى 2017، رئيسًا للأركان.

يدرك أوستن، القائد السابق للقيادة المركزية، أن إدارة بايدن تريد نقل تركيز البنتاجون باتجاه الشرق. وقال أوستن خلال جلسة اعتماده: “على الصعيد العالمي، أنا أفهم أن آسيا يجب أن تكون محط تركيز جهودنا. تمثل الصين أكبر تهديد من الآن فصاعدًا لأنها تصعد”.

كانت واحدة من أولى الخطوات التي يتخذها أوستن في وظيفته الجديدة هي تعيين ثلاثة مستشارين خاصين في قضايا رئيسية: الصين، وجائحة كوفيد-19 والمناخ، فيما غاب الشرق الأوسط بصورة ملحوظة.

وفي وزارة الخارجية، عُينت الخبيرة في شئون آسيا – الهادئ ميرا راب – هوبر مستشارًا كبيرًا لشئون الصين في مركز تخطيط السياسات والأمم المتحدة، وجيفري بريسكوت، الذي خدم نائب مستشار الأمن القومي ومستشار كبير لشئون آسيا لنائب الرئيس آنذاك جو بايدن، رُشح لمنصب نائب السفير.

يأتي التركيز المعزز على آسيا بعد حملة رئاسية في عام 2020 والتي برزت فيها الصين، حيث عمل كلٌّ من ترامب وبايدن للتفوق على أحدهما الآخر فيمن سيصبح أكثر صرامة مع بكين. كتب بايدن في مقالة افتتاحية لمجلة فورين أفيرز العام الماضي: حول كيف “سينقذ” السياسة الخارجية الأمريكية بعد ترامب: “تمثل الصين تحديًا خاصًا. لقد أمضيت عدة ساعات مع قادتها، وأنا أفهم ما نواجهه”.

غير أنه ليس بوسع بايدن التحكم في الكثير من الأمور. لم يتوقع الرئيسان جورج دبليو بوش وباراك أوباما حرب العراق أو الربيع العربي، على سبيل المثال، عندما كانا يضعان أولويات السياسة الخارجية لولايتهما الأولى.

وقال أحد خبراء السياسة الخارجية: “تبدأ كل أجندة سياسة خارجية بمحور آسيا وتنتهي بانقسامات في الشرق الأوسط. ربما لا تكون مهتمًا بالحرب، لكن الحرب مهتمة بك. إنها ليست مفاجأة بالنسبة لي أن كلهم يبدأون هكذا، لكن الأمور غير قابلة للتنبؤ إلى حد كبير”.

للإطلاع على رابط الموضوع إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا