معهد الشرق الأوسط | تصعيد ومحاولات ملء فراغ.. خطة إيران للميليشيات العراقية

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

“لقد أرسلت رسالة واضحة وصريحة للسيد إسماعيل قاني [قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني] … الأمر يتعلق بنا، بغض النظر عن الحسابات الأخرى … من الآن فصاعدًا … من فضلكم لا أحد يتحدث إلينا ونحن لن نستمع”. لم يتحدث قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، عن قاسم سليماني بهذه الطريقة مطلقًا، ما بالك على التليفزيون الوطني. لكن سليماني رحل والأمور تغيرت في العراق، إلى حد ما على الأقل.

في حواره يوم 19 نوفمبر 2020، كان “الخزعلي” يتحدث عن محاولات فيلق القدس لإقناع بعض الميليشيات العراقية بالتوقف عن استفزاز الرئيس دونالد ترامب لتجنب أي رد فعل من الولايات المتحدة. في ذلك الوقت كانت سياسة الجمهورية الإسلامية هي خفض تصعيد التوترات مع الولايات المتحدة وانتظار الإدارة الجديدة لبدء التفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة والعقوبات.

بدا الخزعلي مُصرًّا على أن قرار مهاجمة القوات والمصالح الأمريكية في العراق تتخذه الميليشيات العراقية “بغض النظر عن الحسابات الأخرى” – أي بغض النظر عن سياسة إيران بخفض التوترات بشكل مؤقت مع الولايات المتحدة في ذلك الوقت. لقد تابع خططه وواصلت جماعته إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد، مثل الهجوم الصاروخي في 20 ديسمبر 2020 الذي وصفته القيادة المركزية الأمريكية بأنه “الأضخم منذ عقد”. دفع الهجوم قاني إلى السفر للعراق في اليوم التالي لتهدئة عصائب أهل الحق. لقد نجح في منع الميليشيات العراقية من تنفيذ هجمات خطيرة ضد السفارة الأمريكية في بغداد لكي يُظهر أن فيلق القدس لا يزال يملك سيطرة على وكلائه في العراق.

التدافع لملء فراغ السلطة

خلق موت سليماني وأبو مهدي المهندس، القائد الفعلي لقوات الحشد الشعبي، فراغًا يتدافع قادة الميليشيات لملئه، وفشل أبو فدك المحمداوي، خليفة المهندس، في ملء الفراغ حتى الآن، وهو ما خلق مساحة لشخصيات مثل الخزعلي لتحاول تولي دور قيادي بين الميليشيات المدعومة إيرانيًّا. هذا يمكن أن يفسر لماذا اختار أن يكشف عن محتوى رسالته لقاني على الهواء مباشرة. في هذه البيئة، تنسق الجماعات مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء في أمور مثل مهاجمة المصالح الأمريكية والتنافس على المكانة البارزة بين الميليشيات.

إحدى الطرق لتحقيق مكانة بارزة أكثر هي اتخاذ مواقف أكثر تطرفًا وإظهار الاستعداد للمشاركة في عمليات حركية. لا عجب إذن في أن الخزعلي أعرب عن رضاه عن الغزو التركي المحتمل لشمال العراق. ففي مارس، أخبر قناة الاتجاه المملوكة لكتائب حزب الله وهو مبتسم أن الغزو التركي “سيكون جيدًا جدًّا لتعزيز وضع قوات الحشد الشعبي بين الناس … نحن نريد تحديات”.

ومن الناحية التاريخية، استخدمت إيران الميليشيات العراقية لتنفيذ خططها قصيرة المدى واستراتيجياتها بعيدة المدى. في هذه المرحلة يبدو أن إيران أدرجت وكلاءها العراقيين في خطط لرفع العقوبات الأمريكية. وفي المستقبل، ربما تستخدم الجمهورية الإسلامية التصعيد ضد الولايات المتحدة في العراق لممارسة النفوذ في تعاملاتها مع واشنطن حول خطة العمل الشاملة المشتركة.

وفي كلمته بمناسبة السنة الإيرانية الجديدة يوم 21 مارس، أكد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أن بلاده ليست في عجلة للعودة إلى التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، ويبدو أن هذا هو رأي تيار مؤثر داخل النظام الإيراني، ومن ضمنه فيلق القدس. إنهم يعتقدون أن طهران نجت من الجزء الأصعب من مواجهتها مع واشنطن، حيث ترتفع صادرات النفط الخام الإيراني، ووقّعت الدولة على اتفاق طويل الأجل مع الصين بقيمة 400 مليار دولار لتعزيز اقتصادها والإفلات من العقوبات الأمريكية، ويبدو أن النظام يصل تدريجيًّا إلى أصوله المجمدة بالخارج.

التصعيد والنفوذ

وبدلًا من أن تسرع إلى طاولة المفاوضات وتُجبَر على تقديم تنازلات، تستطيع الجمهورية الإسلامية استخدام وكلائها في العراق، وفي الأماكن الأخرى بالمنطقة، للتصعيد ضد المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها لكسب النفوذ في المحادثات. يمكن رؤية العلامات المبدئية على هذا الاتجاه بالفعل. في يناير، منح فيلق القدس الضوء الأخضر لتشكيل جماعة واجهة عراقية تُدعى (ألوية الوعد الحق) ومهمتها مهاجمة السعودية من الأراضي العراقية. أرسلت الجماعة طائرات مسيرة فوق العاصمة السعودية، الرياض، ويُقال إنها ضربت الديوان الملكي في قصر اليمامة. حتى الارتفاع في هجمات الحوثيين على السعودية يمكن قراءته كجزء من هذه الاستراتيجية الإيرانية، بالإضافة إلى أسباب متعلقة بتطورات الحرب الأهلية في اليمن.

تبدو الميليشيات العراقية مثل عصائب أهل الحق مستعدة لهذا التصعيد، وزعماؤها سعداء بمواجهة “تحديات” تعدّ مفيدة لهم. في النهاية، هم مدينون بنفوذهم ومكانتهم لسنوات الاحتلال الأمريكي الطويلة والحرب على داعش. في الواقع، تصبح بعض الميليشيات العراقية أكثر استعدادًا لاتباع أوامر إيران عندما تطلب التصعيد وليس خفض التصعيد. الخزعلي، الذي يبدو الآن بعد رحيل ترامب وأنه يشعر بثقة أكبر ويخطب بين أتباعه، بدلًا من التحدث إليهم من أماكن سرية، هدد القوات الأمريكية يوم 2 أبريل: “نحن نؤكد أن العمليات الحالية ستستمر وتزيد من ناحية الكم والنوع إذا لم تسحب الولايات المتحدة قواتها من كل المناطق العراقية … ويشمل هذا شمال العراق [كردستان]”.

إن الجمهورية الإسلامية ترى هذه الخطة قصيرة المدى كخطوة باتجاه تحقيق انسحاب كامل للقوات الأمريكية من جارتها الغربية. تفكر إيران أن القوات الأمريكية غادرت العراق من قبل في 2011، ولا يوجد سبب يمنعها من فعل ذلك مرة أخرى. والميليشيات العراقية تتفق تمامًا مع ذلك الشعور. إنها تعتقد أنه ما لم تغادر القوات الأمريكية العراق، فلن تتمكن من تحقيق هدفها النهائي، وهو الاستيلاء على الدولة العراقية، تمامًا مثل حزب الله اللبناني.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا