آسيا تايمز | كيف سيغيّر «رئيسي» من عملية صنع القرار السياسي في إيران؟

شهاب ممدوح

»

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

إن انتصار إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية سيفضي إلى تحول حاسم في سياسات البلاد المحلية والخارجية.

في نهاية هذا الأسبوع، فاز “رئيسي” بالانتخابات الرئاسية الإيرانية التي كانت الأقل تنافسية في مرحلة بعد الثورة، بعد حصوله على 62 بالمائة من مجمل الأصوات. بذل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وحلفاؤه المحافظون قصارى جهدهم للتحكم في هذه الانتخابات. في البداية، تم إقصاء العديد من المرشحين من جانب مجلس صيانة الدستور، المكوّن من 12 رجل دين وقاضيًا خاضعين لسيطرة المرشد الأعلى. ويكمن سبب كل ذلك في التطورات المرجح ظهورها بعد تولي “رئيسي” منصب الرئاسة.

هناك شائعات تسري منذ زمن طويل مفادها أن خامنئي، البالغ 81 عامًا، يعاني من حالة صحية متدهورة. مع دخوله المرحلة النهائية في حياته المهنية، يرغب خامنئي في تعزيز إرثه عبر ضمان سيطرة المحافظين على مفاصل السلطة. وأهمها منصب المرشد الأعلى الذي يشغله حاليًا.

حتى قبل محاولة “رئيسي” الأولى – الفاشلة – للفوز بانتخابات عام 2017 الرئاسية، حاول خامنئي تسهيل تصعيده. أولًا، قام خامنئي بتعيين “رئيسي” رئيسًا لمؤسسة “آستان قدس رضوى” ذات الأهمية الاقتصادية والسياسية في مشهد عام 2016، ثم تعيينه رئيسًا للقضاء عام 2019، وأخيرًا قيام خامنئي بتدبير انتخابات الأسبوع الماضي لضمان فوز رئيسي.

لكن هذا لا يعني أن الطريق إلى منصب المرشد الأعلى سيكون سهلًا. يمكن أن يواجه رئيسي العديد من المنافسين. لكن بوصفه رئيسًا، يمكنه وضع عراقيل في طريقهم. على سبيل المثال، لو توفي خامنئي وهو في منصبه، يسمح الدستور بإنشاء مجلس قيادة مكوّن من الرئيس ورئيس القضاء ورجل دين كبير يلعب دور المرشد الأعلى حتى شغل هذا المنصب.

ثانيًا، بنى رئيسي سمعة لنفسه في السنوات القليلة الماضية بأنه محارب ضد الفساد، مُطلِقًا تحقيقات ضد منافسين سياسيين. يمكنه مواصلة هذا الطريق واستخدام سلطاته الجديدة لتشويه سمعة خصومه. ومع تولي المحافظين أخيرًا جميع مقاليد السلطة، باتت سياسة البلاد الخارجية والداخلية مهيئة لتغيير هائل، عبر إزاحتهم الإصلاحيين من المشهد السياسي وإعادة تهيئة المؤسسات الإيرانية، حاول المحافظون خلق انسجام سياسي وتماثل عقائدي. والآن، لو حاول رئيسي استخدام الرئاسة كأداة للوصول لمنصب المرشد الاعلى، ربما ترى إيران آخر رئيس لها.

أطلق أعضاء برلمان محافظون مؤخرًا نداءات تطالب بإلغاء منصب الرئيس واستبداله بمنصب رئيس الوزراء، يكون مسؤولًا فقط عن إدارة الشؤون اليومية للحكومة. في هذه الحالة، ستصبح جميع عمليات صناعة القرار الاستراتيجي مركّزة في أيدي المرشد الأعلى والمؤسسات الدينية الحليفة له.

هذا سيزيل التوتر المستمر في السياسة الخارجية والداخلية والذي ميّز عصر حسن روحاني الذي سينتهي قريبًا. في الواقع، كانت هناك إشارة إلى هذا الأمر تتمثل في التسجيل الصوتي المسرّب مؤخرًا، والذي اشتكى فيه وزير الخارجية المنتهية ولايته جواد ظريف من قيام الحرس الثوري الإسلامي بأعمال تتضارب مع أهداف وزارة الخارجية الإيرانية.

في السياسة الخارجية، ستعزز إيران بقيادة رئيسي من مكاسبها في سوريا والعراق واليمن. وفي سوريا، سينصبّ الجهد على دعم نظام بشار الأسد والاستثمار للحفاظ على أصول إيران العسكرية السريّة لبناء ردع ضد إسرائيل، وسيركّز نظام رئيسي أيضًا على إضعاف اختراق وكالة الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” لبرنامج إيران النووي. وبالرغم من عجز أجهزة الأمن الإيراني عن فعل أي شيء لوقف الموساد حتى الآن، إلا أن حكومة رئيسي ربما تطلق عملية مطاردة محلية لإظهار أن النظام “يفعل شيئا”. لقد لعب رئيسي في الماضي دورًا بارزًا في الإشراف على محاكمات صورية.

في العراق، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية وخلافة آية الله العظمى علي السيستاني، من المرجح أن تزيد إيران من دعمها لمليشيات عراقية حليفة وسياسيين تابعين لها. سيعمل رئيسي أيضًا على توثيق علاقات إيران بروسيا والصين.

في الجبهة النووية، أشار رئيسي إلى دعمه لإعادة إحياء الاتفاق النووي أثناء المناظرات الرئاسية، لكنه سيسعى لاتفاق نووي محدود يكون أقل بكثير مما تريده إدارة الرئيس جو بايدن. يدعم رئيسي الاتفاق طالما التزم هذا الاتفاق بشروط خامنئي التسعة التي ذكرها في رسالة عام 2015 إلى المفاوضين الإيرانيين.

تضع تلك الرسالة الحدود الأساسية لأي اتفاق مقبول للمرشد الأعلى. تحت رئاسة إبراهيم رئيسي، فإن أي اتفاق نووي يُعاد إحياؤه لن يتضمن بالتأكيد الحدّ من برنامج إيران للصواريخ الباليستية أو دعم طهران لمليشيات إقليمية.

ومن غير المرجح أيضا أن تتعثر عملية صنع القرار الاقتصادي بسبب المساومات المتأصلة في النظام السياسي الإيراني المتشرذم، وبناء على حجم العون الذي سيتلقاه الاقتصاد الإيراني في حال رفع العقوبات، ستركز إدارة رئيسي على إعادة توزيع الرعاية الاجتماعية وتخفيف وطأة الفقر عن كاهل الإيرانيين من ذوي الدخل المحدود. سيساعد هذا رئيسي على تصوير نفسه بأنه “مُنقذ الفقراء” خدمةً لهدفة للوصول لمنصب المرشد الأعلى في وقت لاحق.

في عام 1988، وبوصفه نائبًا للمدي العام، اشتهر إبراهيم رئيسي بالإشراف على تنفيذ إعدامات جماعية لمساجين سياسيين. أُدينت تلك الإعدامات حينئذ من جانب أحد أبرز رجال الدين والذي وصفها بـ “أكبر جريمة في تاريخ الجمهورية الإسلامية”. وعند النظر إلى مثل هذه السوابق، سنجد أن مشهد حقوق الإنسان والمعارضة السياسية سيكون مظلمًا. علاوة على هذا، فإن إدارة النظام لانتخابات الأسبوع الماضي وتحكمه فيها، حرمت الشعب الإيراني من جميع الوسائل الديمقراطية للتنفيس عن إحباطهم. وبالرغم من أن هذا قد يضفي انسجامًا على عملية صنع القرار داخل النظام على المدى المتوسط، إلا أنه سيكون بداية نهاية الجزء “الجمهوري” في الجمهورية الإسلامية.  

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا