ذا هيل | لصد طموحات طهران.. الولايات المتحدة يجب أن تتخذ موقفًا في لبنان

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

يواجه لبنان مزيجًا خطيرًا من الأزمات المتسارعة – الاقتصادية، والسياسية والمجتمعية. وعلى الرغم من أن لبنان بلد صغير، إلا أن هناك قضايا مهمة للأمن القومي والجيواستراتيجية الأمريكية على المحك، كما أنه في الوقت الحالي، تكرّس السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط لهوس المفاوضات مع إيران، تاركةً مساحة ضئيلة للأمور الأخرى، وهذا خطأ؛ حيث ينبغي أن تطور إدارة بايدن مشاركة أكثر دقة مع المنطقة، وبصورة خاصة الرد القوي على الانهيار الوشيك في لبنان.

لقد خسرت العملة اللبنانية ما يقرب من 90% من قيمتها، ما دفع معظم الدولة تحت خط الفقر، حيث تعتمد الكثير من العائلات على الحوالات المالية من الأقارب الذين يعيشون بالخارج. لكن حتى تلك الوسائل لن تعوّض النقص في السلع: هناك نقص في البنزين، والأدوية والطعام، أضف إلى هذا البنية التحتية المتداعية التي تستطيع توفير الكهرباء لساعات قليلة فقط كل يوم.

في الوقت نفسه، الجمود السياسي يمنع تشكيل حكومة فاعلة قادرة على إجراء إصلاحات، والتي ربما تخفف بعض هذه المشاكل. بدلًا من هذا، الطبقة السياسية، التي يُنظر لها على أنها فاسدة على نحو غير قابل للإصلاح، لا تبذل أي جهد لتلبية احتياجات الشعب. أحد الجوانب المشرقة هو ظهور قوى معارضة قوية. لكنها تبقى مشتتة، والانتخابات لن تُعقد حتى العام المقبل.

وهكذا ربما يكون تغيير القيادة بعيدًا جدًا لإنقاذ المؤسسات المتداعية التي تمتعت من قبل بسُمعة دولية قوية، لا سيما الجامعات والمشافي اللبنانية. الآن الأفراد الموهوبون الذين تعتمد عليهم تلك المؤسسات يحاولون الرحيل لإيجاد وظائف برواتب أفضل في الخارج. بعد العقود العصيبة للحرب الأهلية والاحتلال، وبعد الخراب الذي ألحقه كوفيد-19 والدمار الهائل الذي سببه انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، يواجه هذا البلد الهش اضطرابًا أكبر.

ونظرًا لحجم المعاناة، هناك أسباب كثيرة لتقديم المساعدات الإنسانية للبنان، مثلما تفعل الولايات المتحدة بالفعل. تقدم واشنطن أيضًا دعمًا تدريبيًّا مهمًّا للقوات المسلحة اللبنانية، على الرغم من أن حجم تلك المهمة كان يتضاءل. بخلاف هذا، حجم المشاركة الأمريكية محدود للغاية. يتعين على واشنطن أن تقدّم المزيد وتضع لبنان في مكان أعلى على قائمة أولويات السياسة الخارجية لأربعة أسباب:

  1. الاستراتيجية الكبرى: يقدم لبنان حالة واضحة للعواقب الوخيمة للابتعاد عن المنطقة، نظرًا لواقع منافسة القوى العظمى. وإذا لم تقدم الولايات المتحدة القيادة، فإنها تفتح الباب للقوى الأخرى، لا سيما روسيا. إن منشأتها البحرية في طرطوس، سوريا، تبعد أقل من 40 ميلًا من مرفأ طرابلس اللبناني، الذي قد يصبح جاهزًا لاستحواذ موسكو عليه، وربما يصبح لبنان نقطة انطلاق أخرى لتقدم روسيا في الشرق الأوسط، إلا إذا أعادت الولايات المتحدة التأكيد على دورها هناك.
  2. الإرهاب: إن التناقض بين تدهور الأحوال المعيشية في لبنان وجمود الطبقة السياسية يمكن أن يؤدي إلى اضطراب اجتماعي، وهو أرض خصبة للإرهاب الإسلاموي الذي اجتاح المنطقة الأوسع، ولا ينبغي استبعاد احتمالية عودة ظهور داعش أو الآثار غير المباشرة المتعمدة للحرب الأهلية السورية، التي أدت إلى قصف في بيروت وطرابلس منذ ثمانية أعوام. كلما انتشر هذا العنف، زادت فرصة انتشار الإرهاب الذي تحتضنه المنطقة إلى مناطق أبعد، مثل الولايات المتحدة.
  3. اللاجئون: إذا لم تُعالج الأزمات اللبنانية، من المرجح أن يتسبب الاضطراب الاجتماعي الناتج في موجة جديدة من اللاجئين، الذين يهربون من ويلات الاقتصاد المنهار أو، في أسوأ سيناريو، عودة الصراع الطائفي. إن نظام الأسد في سوريا ليس بمنأى عن إثارة العنف في لبنان لكي يحقق ذلك النوع من إعادة الهيكلة الديموغرافية التي اضطلع بها في الوطن، حيث أجبر فئات سكانية مستهدفة على الهروب، وهو شكل من أشكال التطهير العرقي. ينبغي أن تقلق الولايات المتحدة من الآثار المزعزعة للاستقرار لتجدد تدفقات اللاجئين إلى دول حلفاء مثل الأردن وتركيا، اللذين يستضيفان بالفعل عدد كبير من اللاجئين، أو إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تواصل موجة لاجئي 2015 في إحداث تداعيات سياسية مدمرة.
  4. إيران: إن انهيار الدولة اللبنانية يُفيد إيران وقواها السياسية المناهضة لأمريكا. ربما يرى حزب الله، وكيل إيران في لبنان، فرصة للاستيلاء على السلطة بشكل مباشر أو، بطريقة استراتيجية أكثر، وربما يفضل تعزيز سيطرته في معاقله وترك بقية الدولة تتبدد، تحديدًا لإظهار ضعف الديمقراطية الغربية. وفي كلتا الحالتين، ستربح طهران، إلا إذا شاركت الولايات المتحدة بطرق استراتيجية لمعالجة أزمات لبنان.

إن الحجج القائلة بأنه من المصلحة القومية للولايات المتحدة أن تشارك بقوة أكبر في لبنان، تتعارض مع ميول السياسة الخارجية الحالية في واشنطن، ولا ننسى أن التوجه السائد هو نزع الأولوية عن الشرق الأوسط بشكل عام من أجل نقل الانتباه إلى منطقة الهندي – الهادئ. لكن وجهة النظر تلك لا تحتاج لأن تؤدي إلى تخلٍّ كامل عن الشرق الأوسط والذي يسلم المنطقة إلى خصوم أمريكا من القوى العظمى.

بالإضافة إلى هذا، تنظر إدارة بايدن للمنطقة بشكل رئيسي من زاوية إيران وتجديد خطة العمل الشاملة المشتركة. يفهم الكثير من اللبنانيين هذا ويخشون من أن حزب الله سيستفيد بشكل غير متوقع عندما ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن إيران. لا يوجد مؤشر على أن فريق المفاوضات الأمريكي يطالب بجدية بإنهاء حملات إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار، مثل دعمها لحزب الله، إلا أن التوصل لاتفاق جديد مع طهران دون هذا القيد يعني استرضاء إيران عن طريق مقايضة السيادة اللبنانية.

تحتاج المصلحة القومية الأمريكية، وتشمل القيم الأمريكية، مسارًا مختلفًا: بدلًا من إساءة استخدام لبنان كمجاملة لطهران، يتعين على واشنطن أن تتخذ موقفًا في لبنان، بسياسات مُصممة لتجديد ديمقراطيته (وتطهير فساده) ولحماية سيادته عن طريق إضعاف حزب الله، كخطوات أولى تجاه صد طموحات إيران التوسعية الأوسع.

إن لبنان بلد صغير، لكن الأزمة الحالية لها تداعيات جيواستراتيجية ضخمة على الولايات المتحدة.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا