ذا ناشيونال | كيف تؤجج السياسة الأمريكية التطرف في الشرق الأوسط؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

تحمل استراتيجيات الخروج الأمريكية في أفغانستان والعراق بذور الندم في المستقبل، وفي ضوء عيوبها ومثالبها العديدة، هناك مخاطر جمة يمكن أن تنتج تهديدات جديدة للأمن الأمريكي والإقليمي والدولي. والمستفيدون من الانسحاب الأمريكي هم النظام الإيراني وطالبان وداعش والقاعدة.

سيجادل البعض بأن الولايات المتحدة لها الحق في إنهاء هذه الحروب، ولكن من الصحيح أيضًا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة هي التي أججت هذه الحروب بالذات لتحقيق أهدافها الخاصة.

لقد استثمرت هذه الإدارات بشكل أساسي– وربما عن غير قصد– في التطرف في أفغانستان والأصولية الإيرانية منذ عشرات السنين. فالثورة الإيرانية عام 1979، على سبيل المثال، جاءت بتمكين غربي مثير للدهشة؛ ما أدى إلى ولادة الحكم الديني في البرد. ومنذ ذلك الحين انتهج سياسة القمع في الداخل والتوسع العدواني في دول الجوار. وفي عام 1979 أيضًا، بدأت الولايات المتحدة شراكتها مع المتطرفين في أفغانستان في محاولة للحد من انتشار الشيوعية هناك؛ ما أدى إلى صعود القاعدة وتولي طالبان السلطة في النهاية.

واليوم، تقوم الولايات المتحدة مرة أخرى – بشكل أساسي – بإمداد إيران بما تحتاجه من أدوات لنشر نفوذها في آسيا الوسطى عبر أفغانستان وفي سوريا ولبنان عبر العراق. ولم يكن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” جاهلًا بالتداعيات الاستراتيجية لانسحاب الولايات المتحدة كليًّا من أفغانستان والعراق.

كما أنه يدرك أن هذه الاستراتيجية ستمكّن طهران في المنطقة، حيث تتماشى سرعة الخروج الأمريكي مع مطلب إيران الرئيسي بأن تنسحب واشنطن من الدول المجاورة لها في الغرب والشرق. وقد فعلت واشنطن ذلك في محاولتها لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وهي نتيجة ستؤدي، في جميع الأحوال، إلى رفع العقوبات عن النظام الإيراني.

ويدرك بايدن أيضًا أن استراتيجيته للخروج ستعطي دعمًا للقاعدة وداعش والجماعات المسلحة الأخرى، حيث تسعى جميعًا إلى إعادة اكتشاف نفسها في المنطقة، وهي نتيجة يمكن أن تهدد الأمن الدولي.

لم تكن الولايات المتحدة ساذجة فيما تقوم به من أو تقرره، ولكن ربما يتساءل البعض: هل يمكن أن تلعب الولايات المتحدة بالورقة الطائفية بشكل جديد كليًا؟ ربما يتبع التفكير داخل إدارة بايدن صيغة بسيطة تستند، أولاً، إلى غسل أيدي أمريكا من الحروب التي شنتها في الأراضي البعيدة، وثانيًا، إعطاء الأولوية لأحد وعود بايدن الانتخابية والمتمثل في إعادة القوات إلى الوطن. ورغم أن الأمر الأخير ليس خطأً، إلا أنه قد يأتي بتكاليف باهظة على مستوى العالم.

ولذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى “استراتيجية البقاء” التي تعمل جنبًا إلى جنب مع “استراتيجية الخروج” الخاصة بها، وإلا ستعرّض مصالحها ومصالح حلفائها للخطر.

ويبقى العراق دولة مهمة ويجب عدم السماح بوقوعه في أيدي طهران، فالعراق هو المكون الأساسي لمشروع “الهلال الفارسي” الإيراني الذي يمتد على طول الطريق حتى البحر الأبيض المتوسط عبر لبنان، الذي يهيمن حزب الله على سياساته حاليًا. وفي غضون ذلك، سقطت سوريا في نفوذ كلٍّ من طهران وموسكو.

وهذا بعض ما جنته الولايات المتحدة

ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، أعطى “جورج دبليو بوش” النظام الإيراني دفعة كبيرة، عندما قررت إدارته غزو واحتلال أفغانستان والعراق. ولأجل تنفيذ ذلك، تخلص بوش من أعداء إيران في كلا البلدين، طالبان ونظام صدام حسين.

ثم قدم “باراك أوباما” هدية ثمينة أخرى لطهران، عندما انقلب على التحالف التقليدي للولايات المتحدة مع الدول العربية من خلال التواصل مع النظام الإيراني، حين وقع أوباما الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران بعد الاستسلام لإملاءاتها وشروطها فيما يتعلق باستبعاد برنامج الصواريخ الباليستية، والأهم من ذلك، استبعاد سلوكها الإقليمي، من أي مفاوضات. وهو ما سهّل توسع إيران الديني عبر المنطقة العربية. وفي الوقت نفسه، دعم صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في دول شمال إفريقيا.

وبالعودة إلى رؤساء الولايات المتحدة السابقين كان أداؤهم أفضل قليلًا، من “جيمي كارتر” إلى “رونالد ريجان” إلى “بيل كلينتون”، حيث ساعدوا جميعًا في تأجيج الفتنة الطائفية في المنطقة. حتى “صدام حسين”، الذي كان يعتبر نفسه ذات يوم شريكًا لا غنى عنه للأمريكيين خلال الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، اكتشف في النهاية أن الولايات المتحدة لم تكن لتتردد في التخلي عن حلفائها إذا كان ذلك يناسب مصالحها المباشرة.

واليوم، يبدو أن إدارة بايدن تحاول تحقيق مجموعة من التطلعات المتواضعة، كاملة بمنطقها ومبرراتها. ولكنها في الحقيقة تمنح إيران – في هذا المنعطف التاريخي وفي أعقاب سياسة الضغط الأقصى لإدارة ترامب السابقة – دفعة قوية ستساعد في دفع مشاريعها الإقليمية التوسعية بهدف تقويض سيادة دول مثل العراق ولبنان.

وبينما تستعد إيران لتسلم “إبراهيم رئيسي” رئاسة البلاد، يقوم المرشد الأعلى للبلاد “آية الله علي خامنئي” والحرس الثوري الإسلامي القوي بإملاء شروط لاتفاق نووي منقح مع القوى العالمية الكبرى. ومع استمرار المحادثات في فيينا، من الواضح أن طهران سترفض أي شروط مسبقة تتعلق بسياساتها الإقليمية.

وبعد إقناع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية المشاركة في المحادثات بالاستسلام لمطالبه الأولية، يدفع النظام الإيراني الآن واشنطن لضمان عدم استمرارها في العقوبات في مرحلة لاحقة كشكل من أشكال التسوية. وذلك بهدف منع أي محاولات أخرى لاستخدام العقوبات كوسيلة ضغط على سياسات إيران الإقليمية.

وإلى الآن، يمكن لطهران الموافقة على حل وسط بشأن قضية الصواريخ الباليستية، لكنها لن تتزحزح عن برنامجها للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. وبالنسبة لإيران، تعتبر هذه أكثر أهمية من الصواريخ الباليستية طويلة المدى التي ربما لن تستخدمها أبدًا. وإذا وافق الغرب على هذه التسوية، سيكون قد رضخ لخطط طهران الإقليمية.

تباطأت عملية فيينا، ويبدو أن طهران راضية عن رؤية صفقة جديدة قائمة بعد تولي ” إبراهيم رئيسي” لمنصبه الشهر المقبل. من الواضح أن النظام الإيراني يفضل استخدام رئيسه المنتخب لانتزاع تنازلات من الغرب فيما يتعلق بسياساته التوسعية.

في غضون ذلك، قد تكون الاستعدادات جارية في طهران بشأن كيفية تسريع توسعها في المنطقة بعد رفع العقوبات. وإذا لم تهتم إدارة بايدن، فلن تكون الدول العربية وحدها هي التي ستدفع الثمن، بل سيكون الأمن القومي للولايات المتحدة أيضًا في خطر.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا