ناشيونال إنترست | أوهام تحقيق الديمقراطية الأمريكية في العالم!

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

بعد أكثر من ستة أشهر في المنصب، يبدو أن إدارة بايدن تميل إلى تبني الرؤية المثالية لتعزيز الديمقراطية كمبدأ إرشادي للاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة. وهذه العقيدة تنص على أنه ينبغي للولايات المتحدة، قدر الإمكان، أن تُخضع العالم وفقًا لما تفضله هي وحلفاؤها الأوروبيون. ولحسن الحظ، فإن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” رجل ذو خبرة وغريزة براجماتية. ومهما كانت دوافعه، فقد حرص حتى الآن على عدم حرق جسور أمريكا، وعلى العكس من ذلك، اتخذ خطوات لتحسين العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين الرئيسيين، واستئناف الحوار مع روسيا، وخفض حدة المواجهة مع الصين.

ومع ذلك، فإن هذه المرونة التكتيكية لا تغير الاتجاه الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية، والتي تكون أحيانًا أورويلية تقريبًا في ميلها إلى محاكاة مفاهيم الاتحاد السوفيتي السابق. كان الاعتقاد الأساسي لكل من “فلاديمير لينين” و”ليون تروتسكي” أن الاتحاد السوفيتي، من أجل استقراره وأمنه، لا يمكنه تحمل وجود ما يسمى بـ”البيئة الرأسمالية”، حيث افترضا أن الرأسماليين لن يقبلوا أبدًا التعايش مع الدولة الشيوعية الجديدة، وبالتالي رفضا الوضع الراهن باعتباره خيارًا غير واقعي.

واليوم، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، تبنت الولايات المتحدة المبدأ القائل بأن مهمتها هي تعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. ويزعم القادة في واشنطن أنهم إذا فشلوا في الاضطلاع بهذه المهمة، فسوف تستغل الحكومات الاستبدادية ضبط النفس الأمريكي وتوحد قواها، ليس فقط لتقويض القوة الأمريكية، ولكن لتدمير الديمقراطية نفسها؛ ما يحرم الولايات المتحدة من حرياتها العزيزة.

من اللافت للنظر أن هذا المفهوم أصبح مبدأً أساسيًّا في السياسة الخارجية الأمريكية دون أي نقاش جاد في الكونجرس أو وسائل الإعلام أو داخل مجتمع السياسة الخارجية. في قلب هذا النهج يكمن الافتراض المسبق بأن الديمقراطية تتفوق بطبيعتها على أشكال الحكم الأخرى، من الناحية الأخلاقية ومن حيث قدرتها على تحقيق الرخاء والأمن. ويُفترض أن يكون الترويج للديمقراطية جزءًا قديمًا من تقاليد السياسة الخارجية للولايات المتحدة وليس خروجًا جذريًّا عنها. تتحدث إدارة بايدن كما لو أن العالم بأسره – بصرف النظر عن الطغاة الأشرار – سيرحب بدفعه نحو الديمقراطية ويقبل الحق الواضح للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بدلًا من تقديم مقاومة قوية قد تضر بالمصالح الأمنية الأمريكية، والحريات الأمريكية، وأسلوب الحياة الأمريكي.

حتى الآن، لا تتمتع الديمقراطية بسجل جيد عبر التاريخ، فأفضل ما يمكن أن يقال عنها، كما لاحظ “ونستون تشرشل” ذات مرة، هو أنها في معظم الأحوال تظل متفوقة على جميع أشكال الحكم الأخرى. ولكن لكي يكون هذا صحيحًا، يجب أن تكون الديمقراطية ليبرالية حقًا، تستند إلى القانون، وتتضمن حماية موثوقة لحقوق الأقليات. ولكن لا يتم اتخاذ مثل هذه الضمانات في كثير من الأحيان. فمنذ بدايتها، أفسدت الديمقراطية خطيئة العبودية الأصلية. حتى أن أثينا القديمة، أقدم ديمقراطية معروفة، لم تتسامح مع العبودية فحسب، بل تأسست عليها في الواقع، وشكّل المواطنون والعبيد جانبين من جوانب النظام السياسي الأثيني، كما كتب المؤرخ “بولين إيزمارد”: “كانت العبودية هي الثمن الذي يجب دفعه مقابل الديمقراطية المباشرة”، حيث أتاح وجود العبيد للمواطنين الفرصة للابتعاد عن العمل والمشاركة مباشرة في الحكومة وحضور اجتماعات الجمعية وتولي المناصب العامة.

وفي الولايات المتحدة، تسامح الآباء المؤسسون – بالمثل – مع العبودية؛ ما جعل إدراجها ضمنيًّا في دستور الولايات المتحدة. حيث افترض المفهوم الدستوري للعلاقات بين الدول وجود العبودية، وتطلب الأمر حربًا أهلية لتحرير العبيد في عام ١٨٦٣، الذي سعى إليه “أبراهام لنكولن”.

أما الإمبراطورية الروسية فقد ألغت العبودية تمامًا في عام 1861، ودون أي إراقة دماء، على عكس الولايات المتحدة حيث كانت العبودية مسموحًا بها لأهداف سياسية في بعض ولايات الاتحاد حتى نهاية الحرب الأهلية. وحتى بعد ذلك، استمرت الديمقراطية الأمريكية في حرمان النساء والأمريكيين الأفارقة من حق التصويت لعدة عقود أخرى.

وليس من البديهي أن تتفوق الديمقراطية، التي تُقْصر الحقوق السياسية على أقلية من الرجال البيض، على الدولة الاستبدادية “الخيرية” التي تمتلك بعض قواعد القانون الأساسية وتحتضن مفهوم الحماية المتساوية لرعاياها. وتشمل الأمثلة المعاصرة روسيا تحت حكم “الإسكندر الثاني”، التي أدخلت إصلاحاتها القانونية لأول مرة في روسيا مفهوم المساواة أمام القانون، أو ألمانيا في عهد “أوتو فون بسمارك”، الذي أسس أول دولة رفاهية حديثة من خلال تقديم التأمين الصحي والضمان الاجتماعي للطبقة العاملة. وليس ببعيد عن عصرنا هذا، انتشل المستبد التنويري “لي كوان يو” في سنغافورة الملايين من الفقر وحافظ على الانسجام العام في بلد متعدد الأعراق.

وحتى نهاية الحرب الباردة، لم يكن الترويج للديمقراطية عنصرًا مكونًا لتقاليد السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث لم يظهر مصطلح “الديمقراطية” حتى في دستور الولايات المتحدة. ولم تشن الولايات المتحدة حربًا لنشر الديمقراطية، حتى في مجال نفوذها في الأمريكتين. كما أن حلف الناتو كان، في بدايته في عام 1949، موجهًا بشكل مباشر ضد التهديد الجيوسياسي السوفيتي واحتضن عن طيب خاطر أعضاء مستبدين مثل البرتغال تحت قيادة “أنطونيو دي أوليفيرا سالازار”، الذين اعتبرهم كثيرون فاشيين. وكذلك كان من بين الحلفاء الأمريكيين الآخرين في أوائل فترة الحرب الباردة كوريا الجنوبية وتايوان، ولم يكن أي منهما ديمقراطيًّا في ذلك الوقت. إذًا، لماذا ضمنت الولايات المتحدة حماية هذه الدول غير الديمقراطية؟

كان من أجل حمايتها من استيلاء أعداء الولايات المتحدة عليها. وفي إطار هذه العملية، سمحت هذه السياسة للحلفاء الأمريكيين بالحصول على حرية الاختيار، سواء كانت ديمقراطية أم لا. وبعد الحرب العالمية الثانية، نصبت أمريكا نفسها زعيمًا حقيقيًّا للعالم الحر؛ ما سمح للدول ذات المصالح وأنظمة الحكم والتقاليد المختلفة بتحديد مصيرها.

وعلى النقيض من ذلك، فإن عقيدة الترويج للديمقراطية مختلفة تمامًا، فهي تتجاوز حماية الوضع الدولي الراهن، وتدافع عن سياسة مراجعة علنية، وهي سياسة مصممة ليس فقط لاحتواء الدول غير الديمقراطية الكبرى الأخرى، ولكن لتغيير أنظمتها الحكومية. وعندما يتعلق الأمر بالقوى الكبرى، عادة ما تنشأ تحولات عميقة من هذا النوع من خلال التغيير الداخلي أو الهزيمة العسكرية الصريحة.

والأهم من ذلك، أن الترويج للديمقراطية غير ضروري – على الأقل لأسباب جيوسياسية– لأنه لا يوجد دليل يذكر على أن الصين وروسيا، عندما لا يتم التدخل في أجهزتهما الخاصة، ستحرصان على تشكيل تحالف استبدادي عالمي. ولا تُظهر أي من القوتين ميلًا كبيرًا لرؤية الجغرافيا السياسية أو الاقتصاد الجغرافي في المقام الأول من خلال منظور الانقسام الكبير المفترض بين الديمقراطية والأوتوقراطية.

ويبدو أن الصين مستعدة تمامًا لإقامة علاقات اقتصادية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي، وحتى مع الولايات المتحدة، كما أن الأهداف الصينية تبدو تقليدية تمامًا، وهي ممثلة في اكتساب النفوذ، وتنمية الأصدقاء والعملاء، دون الاهتمام بشكل خاص بطريقة أو بأخرى بمستوى الحرية لديهم.

وعلى عكس الاتحاد السوفيتي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، لا تدافع الصين عن شبكة دولية من الحركات الشيوعية. وعندما يتعلق الأمر بالتنمر على جيرانها، لا سيما في بحر الصين الجنوبي وما وراءه، فإن بكين لا تميز كثيرًا بين الدول الديمقراطية نسبيًّا مثل الفلبين والدول الاستبدادية مثل فيتنام.

وعلى الرغم من التحدي المشترك الذي تواجهانه من الولايات المتحدة، لا تزال بكين وموسكو مترددين في إبرام تحالف سياسي أو عسكري رسمي، حتى أن تعاونهم العسكري الفعلي لا يتجاوز سوى القليل من المناورات العسكرية الرمزية والتبادل المحدود للمعلومات العسكرية، ويؤكد كلا البلدين على أنهما متحالفان ضد الولايات المتحدة، وإلى حد ما ضد الاتحاد الأوروبي، لكنهما لم يشكلا أي تحالف ذي مغزى؛ فالصين، على سبيل المثال، لم تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، بل أصبحت الشريك التجاري الأول للخصم الروسي أوكرانيا. وبالمثل، نادرًا ما ترفض روسيا بيع معدات عسكرية متطورة إلى الهند، المنافس التقليدي للصين، ولذلك تظل المصلحة الأمريكية الأساسية عدم خلق نبوءة تحقق ذاتها، وتقرِّب بين الصين وروسيا.

حتى في النظام السياسي الأمريكي المستقر نسبيًّا فإن من المتفق عليه أن التدخل الأجنبي غير مقبول. لماذا إذن يتوقع المسؤولون والسياسيون الأمريكيون أن الصين وروسيا، دون شرعية ديمقراطية مماثلة ودون ضمانات قانونية لحماية نخبهم في حالة الهزيمة، مستعدون لقبول التدخل الأجنبي في ترتيباتهم الداخلية الأساسية؟ لم تكن الصين وروسيا حليفين طبيعيين، ولكن هذه الحقيقة لا تعني أن إنشاء “تحالف ديمقراطيات” حازم لن يدفع شي وبوتين المترددين للوقوف معًا.

ربما يدفع تصور وجود تهديد مشترك وشيك كلا الزعيمين على استنتاج أنه مهما كانت اختلافاتهما في التكتيكات والثقافات السياسية والمصالح طويلة الأجل، على المدى القصير على الأقل، ينبغي أن يعملا سويًّا لمواجهة خطر الهيمنة الديمقراطية. وإذا توصل “شي جين بينغ” و”فلاديمير بوتين” إلى هذه النتيجة، فسيكون من الصعب عليهما التحدث إلى الولايات المتحدة من وجهات نظر مختلفة، حتى في القضايا التي سيكون من المنطقي تمامًا من حيث مصالحهما الجوهرية القيام بذلك.

من المناسب تمامًا أن تنظر الولايات المتحدة اليوم إلى الصين وروسيا على أنهما خصمان، لكن هناك القليل من الرغبة في فحص جذور الخلافات الأمريكية معهما. وإذا وضعنا جانبًا نفور الولايات المتحدة من الممارسات الاستبدادية الصينية والروسية، فإن الديمقراطية ليست هي القضية الرئيسية في مجال السياسة الخارجية.

في الواقع، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، لم تستخدم موسكو القوة العسكرية ضد أي دولة لقمع الديمقراطية. وفي عام 2008، غزت روسيا جورجيا، ولكن بعد أن هاجمت القوات الجورجية أوسيتيا الجنوبية التي كانت تحميها قوات حفظ السلام الروسية. وفي عام 2014، استخدمت روسيا القوة لضم شبه جزيرة القرم ودعم الانفصاليين في دونباس، وذلك بعد تمرد مؤيد للغرب في كييف أطاح بالرئيس الفاسد، والمنتخب بشكل شرعي، “فيكتور يانوكوفيتش”. ففي كل حالة – مع الرئيس “ميخائيل ساكاشفيلي” في جورجيا والحكومة الأوكرانية الجديدة – وجدت روسيا نفسها في مواجهة قوى معادية حريصة على الانضمام إلى الناتو، عازمة على استغلال عضويتها كدرع وقائي ضد موسكو.

وقد نشأ الصراع في النزاعات الإقليمية والمظالم حول الإرث السوفيتي. كما أن الديمقراطية نفسها، في أحسن الأحوال، لعبت دورًا هامشيًّا، باستثناء جانب واحد مهم جدًّا، وكما حذر “جورج ف. كينان” في عام 1997، فإن توسع الناتو في الجمهوريات السوفيتية السابقة هدد بـ “تأجيج النزعات القومية والعسكرية المعادية للغرب في الرأي العام الروسي”، وهو ما “كان له تأثير سلبي على تطور الديمقراطية الروسية”. ويجب أن تتحمل روسيا نفسها المسؤولية الأساسية عن انحرافها عن الديمقراطية وتحركها في الاتجاه الاستبدادي. ولكن الطريقة التي تعامل بها حلف الناتو والاتحاد الأوروبي مع روسيا في التسعينيات ساهمت بقوة في خيبة أملها اللاحقة من الديمقراطية. لم يكن من الصعب إدراك أن تعميق المواجهة مع روسيا لن يجعلها أكثر تسامحًا أو تعددية، بل على العكس من ذلك، تشوه سمعة العناصر الموالية للغرب وتوفر المزيد من السلطة لقوات الأمن. قدمت سياسة العقوبات الواسعة التي انتهجها الغرب تبريرًا وطنيًّا لبوتين لتوطيد السيطرة السياسية وجلب العديد من المتعلمين والناجحين إلى معسكره.

أما في حالة الصين، فمن الصعب بالمثل إثبات أي حالة هاجمت فيها بكين إحدى جاراتها للإطاحة بالديمقراطية. وهونغ كونغ – التي أعادتها بريطانيا إلى الحكم الصيني في عام 1997 – هي الاستثناء الملحوظ. وحتى هنا جاءت حملة القمع الكبرى بعد أعمال شغب مطولة. وبالتأكيد، كانت الصين قاسية إلى حد ما مع العديد من جاراتها، لكن مثل هذه الإجراءات لم تكن أبدًا تتعلق بالديمقراطية. لقد نجمت عن الخلافات حول الأراضي، والمعادن، وموارد الطاقة، والرغبة الأوسع في وقف الهيمنة الأمريكية في المنطقة. وكما في حالة روسيا، ففي فترة ما بعد “ماو”، كانت التدخلات العسكرية نادرة، مرة واحدة فقط في عام 1979، عندما غزت فيتنام الشيوعية كمبوديا الشيوعية.

ويقوض هذا التاريخ فكرة أن التحدي الاستبدادي العالمي ينبع الآن من الصين وروسيا، وأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما اللذان يهدفان إلى جعل العالم “آمنًا للديمقراطية”، لدرجة أنه حتى القوى العظمى مثل الصين وروسيا ستضطر إلى التخلي عن أنظمتها السياسية المختارة.

ولذلك فإن القيود المعقولة لا ترقى إلى التهدئة أو الاستسلام؛ بل على العكس تمامًا، يجب أن يصبح عنصرًا مركزيًّا في استراتيجية الولايات المتحدة العالمية إذا كانت أمريكا تأمل في الاستمرار في لعب دور رائد في العالم لسنوات قادمة. والدور القيادي لا يتطلب الهيمنة أو موقف “إما معنا أو ضدنا”، الذي يسيء إلى كرامة عدد لا يحصى من الدول الأخرى، حتى تلك التي تُعد ديمقراطية تمامًا. وبدلًا من ذلك، يتطلب الأمر أن تحافظ الولايات المتحدة على تفوقها العسكري، وتقوية تحالفاتها، وتجنب النزاعات غير الضرورية مع الحلفاء، كل ذلك مع مراعاة حقيقة أن التحالفات هي أدوات للسياسة الخارجية الأمريكية وليست أهدافًا في حد ذاتها.

بعبارة أخرى، يجب ألا يصبح تعزيز التحالفات هدفًا رئيسيًّا للسياسة الخارجية يأتي على حساب المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، مثل استبعاد ملكية مشتركة صينية روسية. ولا يمكن لأي مساعدة من أوكرانيا أو جورجيا أن تعوض أمريكا عن مواجهة تحالف جديد وخطير يهيمن على أوراسيا. كما يجب أيضًا تذكير كل من الصين وروسيا بشدة بالتزامات الولايات المتحدة تجاه حلفائها، خاصة تجاه أعضاء الناتو المحميين بموجب المادة 5، وكذلك الأمر بالنسبة لتايوان.

أما فيما يتعلق بمسألة التجارة، فمن المشروع تمامًا الدفاع بحزم عن المصالح الأمريكية والرد عليها عند الضرورة. ويدرك الصينيون، بالمناسبة، أن هذا النوع من الصد هو جزء طبيعي من إدارة الأعمال التجارية العالمية. وعلى عكس مجال تعزيز الديمقراطية، فإنهم هنا على استعداد لعقد الصفقات. ومن المؤكد أن بكين وموسكو تفضلان شيئًا أفضل من السلام البارد مع واشنطن، ولكن بالنظر إلى النظام الديمقراطي الأمريكي، فمن المناسب فقط تذكيرهما بوضوح بأن الوحشية في الداخل لا تتوافق مع الصداقة مع الولايات المتحدة. وفي معظم الحالات، قد يكون هذا التأثير الإيجابي أكثر فاعلية من العقوبات.

وفي الوقت نفسه، يميل السعي الأمريكي للهيمنة الديمقراطية إلى نسيان أن العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم لديها شكاوى خاصة بها مع واشنطن ولن تقف بالضرورة إلى الجانب الأمريكي في مواجهة مع الصين أو روسيا.

وتقييمًا لفشل مهمة الترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط، علَّق “برنت سكوكروفت” ذات مرة بحرفيةٍ قائلاً: “إن الفكرة القائلة بأن كل إنسان يتفوق على هذه الغريزة البدائية للديمقراطية لم يتم توضيحها لي أبدًا”. وعلى عكس نزعة الانتصار الديمقراطي للولايات المتحدة، لا يوجد قانون حديدي في التاريخ يفرض أن الديمقراطيات ستسود دائمًا على خصومها المستبدين. تعلمت أثينا البريكليسية هذا بالطريقة الصعبة عندما شنت حربًا ضد سبرطة وحلفائها، وفي أثناء ذلك، فقدت هيمنتها الإقليمية وحكمها الديمقراطي. لذلك فإن السعي وراء تحقيق انتصار غير ضروري، حتى لو كان جذابًا، على حساب المصالح الأساسية للأمة فهو هزيمة ذاتية.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا