ناشيونال إنترست | لماذا تستمر إيران في تأجيل المحادثات النووية؟

آية سيد

ترجمة: آية سيد

عندما كان الأمريكيون واثقين جدًّا في شهر يونيو أن جولة أخرى من محادثات فيينا لإحياء اتفاق إيران النووي كانت وشيكة، أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن مفاوضًا أمريكيًّا بارزًا ترك ملابسه مخزّنة في فندق في فيينا، تعطلت المفاوضات الآن بين الجانبين، وظلت ملابسه في فيينا لأكثر من ثمانين يومًا.

استبعد النظام الإيراني الرئيس السابق، حسن روحاني، من عملية استئناف المحادثات النووية لإحياء الاتفاق في الأيام الأخيرة من رئاسته. ومنذ ذلك الحين، كانت محادثات فيينا تُؤجل انتظارًا لإدارة جديدة في طهران. جرى انتخاب رئيس إيران الجديد، إبراهيم رئيسي، وهو تلميذ محافظ بشدة للمرشد الأعلى الإيراني، كثامن رئيس لإيران بنسبة 61.95% من الأصوات في يونيو، وجرى تنصيبه في 3 أغسطس 2021.

قال رئيسي في حفل تنصيبه في أغسطس: “يجب رفع العقوبات ضد دولة إيران، ونحن ندعم أي خطة دبلوماسية لتحقيق ذلك”. وفي حين أن الدبلوماسيين الأمريكيين استعدوا لاستئناف المحادثات منذ أكثر من أربعين يومًا عندما وصل رئيسي إلى المنصب، أوقف المسئولون الإيرانيون المفاوضات في الوقت الذي شكّلت فيه الإدارة الجديدة في طهران حكومتها وحددت سياساتها.

تحتاج إيران المفاوضات مع الغرب لتخفيف العقوبات المرهقة التي أعاقت اقتصادها، الذي جعله رئيسي محور أجندته، لكن طهران ليست في عجلة لاستئناف محادثات فيينا، ولا يمتلك المحللون دليلًا على رغبة إيران في التفاوض سريعًا مع القوى العالمية الكبرى.

مؤخرًا، قال وزير الخارجية الإيراني الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، إن الأمر سيستغرق من شهرين إلى ثلاثة أشهر لتتولى الحكومة الجديدة المنصب وتخطط لأي قرار. يعتقد بعض المراقبين أن إيران تستفيد من إهدار الوقت وتواصل بناء النفوذ على طاولة المفاوضات عن طريق زيادة تخصيب اليورانيوم والحد من إمكانية وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وبالإضافة إلى هذا، يؤكد بعض الخبراء أن برنامج إيران النووي وصل لأكثر مرحلة متقدمة على الإطلاق للحصول على القدرة على إنتاج أسلحة نووية، وأن النظام يخطط للعودة إلى الاتفاق بمزيد من التأجيل، ومزيد من أوراق المساومة ويد عليا. وعلى عكس الإدارة السابقة في إيران، فإن مستشاري السياسة الخارجية لـ”رئيسي” خصوم أقوياء للتقارب مع الغرب تماشيًا مع أيديولوجية طهران المناوئة لأمريكا التي تشكّلت بعد الثورة الإسلامية في 1979.

إن السياسة الخارجية للحكومة لا تبدأ من خطة العمل الشاملة المشتركة، ولن تكون مقصورة على الاتفاق. بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو، قال رئيسي في أول مؤتمر صحفي له: “نحن لا نرهن الأوضاع الاقتصادية بالمفاوضات”. ويبدو أن إدارة رئيسي تحاول إظهار أن التفاوض مع الغرب ليس أولوية في أجندة السياسة الخارجية لإيران، غير أن عدم رغبة إيران في استئناف المحادثات أثار ردود أفعال من قادة العالم، الذين سئموا من انتظار استئناف المفاوضات.

أخبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيسي في مكالمة هاتفية يوم 5 سبتمبر 2021، “ينبغي أن تستأنف إيران محادثات فيينا بسرعة للتوصل إلى نتيجة ولوضع حد، دون تأجيل، لكل الأنشطة النووية التي تخالف اتفاقية (2015)”. وإضافة إلى هذا، حفزت إسرائيل، عدوة إيران، المجتمع الدولي ضد التأجيلات الإيرانية في العودة إلى المحادثات، وصرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في اجتماع للحكومة الإسرائيلية يوم 12 سبتمبر بأن إيران “تطيل المدة، يجب أن نحدد موعدًا نهائيًّا واضحًا”.

علاوة على هذا، سارعت إسرائيل مؤخرًا خططها لضرب إيران وهددت بهجمات سرية على إيران. في حوار مع موقع والا الإخباري، قال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي إن تكثيف الاستعدادات لشن ضربات محتملة على إيران جارية، وأضاف أن “جزءًا كبيرًا من الزيادة في ميزانية الدفاع كان يهدف إلى تخفيض التواجد الإيراني في الشرق الأوسط”.

أكد وزر الخارجية أنتوني بلينكن أن الوقت ينفد من إيران لتعود إلى الاتفاق وتنقذ الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية. وأضاف بلينكن، متحدثًا في ألمانيا: “أنا لن أضع موعدًا لهذا لكننا نقترب من النقطة التي تصبح عندها العودة إلى الامتثال للاتفاق النووي لا تثمر عن نفس الفوائد التي حققتها الاتفاقية”.

على الجانب الآخر، تقول إيران إن الدولة مستعدة لاستئناف المحادثات، لكن التفاوض تحت الضغط لن يؤتي ثماره. في حوار مع صحيفة إزفيستيا الروسية، أعاد السياسي المحافظ الإيراني كاظم جلالي التأكيد على عزم طهران مواصلة مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي لكنه ذكر أن الأولوية لطهران تظل رفع كل العقوبات الأمريكية، وليس “مفاوضات من أجل المفاوضات”. وأضاف، “في ظل تغيير الحكومة، تحتاج الجمهورية الإسلامية وقتًا لكي تقوم بالبحث اللازم وتتخذ القرارات في الحكومة الجديدة”.

أكد جلالي أيضًا أنه “من المتوقع أن تدرك الأطراف الأخرى في المفاوضات تعقيد المسألة وحاجة الحكومة الإيرانية الجديدة للتفكير واتخاذ القرار. أعلنت الحكومة الأمريكية عن استعدادها لبدء المفاوضات بعد شهرين من تولي المنصب”. أيضًا قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف إن “موسكو كانت قلقة من الإشارات الواردة من العواصم الغربية حول الحاجة لاستخدام النفوذ السياسي على طهران من أجل استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، هذا منطق خاطئ”. وبالإضافة لهذا، أوردت وكالة تاس الروسية أن ريابكوف “أكد أنه من الضروري معاملة عمليات الإصلاح الحكومي الداخلية الناتجة عن انتقال السلطة في إيران باحترام والانتظار حتى يتم تشكيل فريق تفاوض جديد لكي يستأنف العمل المعلق لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا”.

وجزئيًّا بناءً على تقارير غير رسمية، تعمل إيران لتحديد رئيس فريق المفاوضات. هناك احتمالية باستبعاد وزير الخارجية الإيراني من المحادثات، مثلما حدث قبل عصر روحاني، وسوف يستأنف المجلس الأعلى للأمن القومي المفاوضات.

فيما ردت صحيفة كيهان الإيرانية المحافظة على الأسئلة المتعلقة بتأجيل إيران لاستئناف المفاوضات عن طريق التأكيد على أن “جمهورية إيران الإسلامية لم تغادر طاولة المفاوضات، لكن الدولة ليست في عجلة لفعل ذلك. تحتاج إيران لمراجعة طريقة واستراتيجية المفاوضات من أجل استئناف المفاوضات. لقد خاضت الجمهورية الإسلامية بالفعل ست جولات من المفاوضات في فيينا دون الحصول على نتائج محددة على أرض الواقع. لكن المراجعة تستهلك الوقت. لماذا تستعجل إيران بينما لم تحقق المفاوضات أية نتائج حتى الآن؟

ومؤخرًا، انتقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية طهران بسبب رفض التعاون في تحقيق في أنشطة إيران النووية، وإيران قبلت في الاتفاق بعض أعمال المراقبة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. من المحتمل أن الضغط الأكبر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمشاكل الاقتصادية المستمرة ستُجبر النظام على استئناف المحادثات في المدى القريب.

وعلى الرغم من أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أعلن أن إيران ستستأنف محادثات فيينا في المستقبل القريب، إلا أن غياب الإطار الزمني الملموس لوقت استئناف المفاوضات يرتقي لكونه تكتيكًا آخر للتأجيل.

بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، فإن تمديد المحادثات والتأجيل لم يؤدوا إلى مخاوف من أن طهران لن تحصل على تنازلات مهمة من الغرب؛ بل على العكس، يعتقد مستشارو رئيسي للسياسة الخارجية أن الإصرار سريعًا على إنقاذ الاتفاق يقوّض موقفهم في المحادثات.

وهكذا، بالنسبة إلى إدارة رئيسي، لعل البداية المتأخرة بنتيجة مؤكدة أفضل من البداية السريعة دون الوصول إلى النتيجة المرجوة. مع هذا، بينما تفكر إيران أن تأجيل المحادثات النووية مع القوى العالمية الكبرى لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة سيمنحها اليد العليا، يبقى أن نرى إلى متى ستنتظر الدول الغربية عودة إيران إلى طاولة المفاوضات.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا