المركز الفرنسي للبحوث و تحليل السياسيات الدولية | مؤشرات صعبة تنبئ بتماثل النموذج الأفغاني وتكراره في أفريقيا

مترجمو رؤية

رؤية

المصدر – المركز الفرنسي للبحوث و تحليل السياسيات الدولية

بعد مشهد سرعة تحركات طالبان نحو كابول وسقوطها، بدأت العديد من التحليلات تتحدث عن إمكانية انعكاس هذا المشهد أيضا وبشكل مماثل على منطقة الساحل الأفريقي، لا سيما وأن إخفاق الأمريكان في أفغانستان، يمكن أن يعطي شحنة معنوية لكل الجماعات الجهادية في دول الساحل الأفريقي، ويذكي روح التحدي والصمود عند داعش والجماعات التي على شاكلتها، وهو ما يجعل سيناريو التماثل واردًا بشكل كبير لا سيما وأن هناك مؤشرات ودلائل كثيرة على سيناريو مماثل:

نوايا فرنسية للانسحاب من الساحل الأفريقي:

بعد انتشار استمر 8 أعوام أعلن الرئيس ماكرو في يونيو/ حزيران الماضي، أن بلاده سوف تسحب أكثر من ألفي جندي من قوة مكافحة التطرف في منطقة الساحل الأفريقي خلال الأشهر المقبلة، وبحلول مطلع العام 2022 إغلاق قواعد “كيدال ونيساليت وتمبكتو”، ومن المتوقع أن تبقي فرنسا على ما بين 2500 إلى 3 آلاف عسكريّ، في مقابل 5 آلاف و100 عسكريّ منتشر الآن في منطقة الساحل. ويأتي هذا القرار في ظل تدنَّ ملحوظ للتأييد الشعبي الفرنسي لعملية برخان فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام في أوائل يناير 2021 أن 51٪ من الفرنسيين فقدوا دعمهم للتدخل العسكري في منطقة الساحل. يعني ذلك أن الحكومة الفرنسية تواجه أدنى مستوى للدعم الشعبي منذ أن بدأت حملتها في الساحل قبل ثماني سنوات. يعنى أن قرار الانسحاب أصبح مؤكدًا وليس من السهل التراجع عنه. وعلى الرغم من تطمينات فرنسا، بأنها عازمة بهذه الاستراتيجية إلى تحويل وجودها العسكري إلى قوات إقليمية متخصصة ستعمل على مساعدة القوات المحلية هناك، من خلال أفرقة القوات المحلية لتصبح قادرة على مواجهة الإرهاب بنفسها.

 لكن الرغبات الفرنسية، هذه تأتي في ظل حالة اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة، لا تساعد على معالجة جذور التطرف، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون دول الساحل قادرة على استعادة السيطرة الكاملة على أراضيها وتحقيق الاستقرار السياسي. ولا شك أن هذا الهدف يمثل جوهر مشكلة التطرف والإرهاب في المنطقة، حيث تعاني الدولة في منطقة الساحل من الهشاشة والضعف العام.

لذلك يُخشى أن يؤدّي خفض عدد القوات الفرنسية إلى انتقال بعض المناطق إلى سيطرة الإرهابيين بالكامل، إذ تبدو السلطات في بعض الولايات عاجزة عن بسط سلطتها مجددا في هذه المناطق الصحراوية الشاسعة حيث ينتشر الفقر المدقع.

لكن وعلى الرغم من كل تلك المؤشرات، إلا أن البعض يرى أن سيناريو أفغانستان من الصعب تحقيقه في أفريقيا، لكن ربما الانسحاب الفرنسي سيخلق عبئاً جديداً على الدول المضطربة وسيكلفها مزيداً في حربها مع تنظيمات تسعى إلى النيل من هياكل الدول والعبث باستقرارها وأمنها.

مؤشرات تمدد الإرهاب وضعف القوات المحلية الأفريقية:

اثبت ظاهرة الجماعات المتطرفة الإسلامية أنها دائمة التجدد، فكلما تراجعت تجربة في وقت ما وفي مكان ما، تصاعدت تجربة أخرى بثوب جديد، وفي منطقة جديدة، بعدما يكون الجيل الذي سبق قد استنفد أغراضه، أو فقد قدرته على الاستمرار في مواجهة خصومه، فإذا بجيل آخر يظهر بعد إجراء تغييرات في الاستراتيجية. ولا تزال هذه الظاهرة مستمرة، ويصعب التكهن بنهاية محددة لها، لا سيما وأن عوامل بقائها من فقر وانعدام التنمية وصراعات دولية ما زالت مستمرة في مناطق مختلفة؛ لا سيما منطقة شمال أفريقيا التي أصبحت من البيئات الأكثر جاذبية.

فطبقا لتقرير مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن هناك ارتفاعًا بنسبة 43% في عمليات الجماعات الجهادية المتشددة، وزيادة حادة في أحداث العنف خلال عام 2020 الماضي، وهو ما يؤكد منحى التصعيد المتواصل خلال العقد الماضي.  وذلك بالرغم من انتشار جائحة كورنا، وزيادة الانتشار الأمني الذي كان من المفترض أن يحد من حركة تلك الجماعات، إلا أن التقرير وجد العكس، فخلال تلك الفترة لم يتم النيل من قدرات تلك الجماعات، وفشلت القوات المحلية والدولية في أفريقيا من تعطيل قدراتها، بل ازداد عدد ضحايا تكل الجماعات بمقدار الثلث بالعام السابق.

كل هذا في ظل ضعف حقيقي للقوات المحلية الأفريقية التابعة لدول الساحل الخمس، فهي ما زالت تعاني مشاكل متعددة، من بينها التدريب غير الكافي، ونقص في التمويل والتسليح، فضلا عن غياب المستوى المطلوب من التنسيق بين كتائبها المنتمية إلى البلدان الخمسة. وافتقارها إلى القوة الجوية والضعف التكنولوجي للعمليات الاستخبارية، الأمر الذي يحد من قدرتها على تحقيق الأهداف التي تشكلت من أجلها، وهي مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والإتجار بالبشر، ويجعلها عرضة للعمليات العسكرية الجهادية والإرهابية.

ففي بوركينا فاسو المجاورة لمالي، القوات الأمنية المحلية، أصبحت تقف عاجزة عن وقف تقدم الجهاديين، حتى إن بعض المجموعات الجهادية أصبحت تندمج مع بعضها وهذا يشكل خطر أكبر في المستقبل القريب. فوفقا للتقارير أنه وحتى هذه اللحظة، ما زالت تكشف الأحدث عن عدم قدرة دول “الساحل الأفريقي” على مواجهة الجماعات الإرهابية؛ فبعد انتهاء عملية “برخان” يخشى العديد من فكرة انهيار دول “الساحل”؛ ليتكرر من جديد “المشهد الأفغاني” نفسه في “منطقة الساحل”،

إعلان القاعدة نيتها استنساخ تجربة طالبان

بعد صمت طويل لزعيم تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين”، التابع للقاعدة، إياد آغ غالي في منطقة الساحل الأفريقي، هنأ طالبان في أفغانستان بانتصارها الكبير، واستعادة البلاد من الجيش الأمريكي.

وفي الخطاب أشار إلى إمكانية استنساخ التجربة نفسها في أفريقيا، لا سيما عقب قرار فرنسا من إنهاء عملياته برخان.

الذي سيتسبب بضعف القوات المحلية، مما يسهل من مشهد تكرار السيناريو، لا سيما وأنه لا يمضي يوم واحد إلا وتنقل وكالات الأنباء العالمية أخبارا عن أفعال وتصرفات وهجمات تقوم بها تنظيمات متطرفة، تدعي انتماءها وارتباطها بتنظيم القاعدة وداعش الإرهابي في إحدى الدول الأفريقية.

فهذه الجماعات لا يمكنها فقط شن هجمات معقدة فحسب، بل يمكنها أيضا احتلال الأراضي والتغلب على الجيوش، ومع تزايد عدد السكان بسرعة، والروايات التاريخية حول إحياء الدول الإسلامية قبل الاستعمار، والتحديات الناتجة عن ضعف الحوكمة، كلها عوامل يمكن أن يجدها داعش أرضًا خصبة في القارة.

وقد سيطرة داعش في الأعوام السابقة قبل محاربتها بقوة من قبل التحالف الدولي، على ما يقارب، حتى على 1٪ من الأراضي الأفريقية، فإن جميع الدول الأفريقية تقريبًا تخشى من التنظيم وتوسع هجماته وعملياته، وهذا يشمل دولًا لم تتعرض بعد لهجمات داعش مثل السنغال.

كما أن التنظيم اليوم في غرب ووسط أفريقيا من الصعب هزيمته عسكرياً، دون تشكيل تحالف دولي على غرار التحالف في سوريا والعراق، بحسب ما خلص إليه تقرير مركز السياسة.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا