ذا هيل | الفلبين.. جبهة لحرب باردة أخرى

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

مثلما حدث في الحرب الباردة، تحاول الولايات المتحدة احتواء نفوذ منافس قوي في جنوب شرق آسيا. ومن أجل مواجهة الصين، يستدعي نهج الولايات المتحدة تجاه علاقتها مع الفلبين إحساسًا بالرؤية المسبقة، وعلى الرغم من مرور عقود، فإن اللاعبين والاستراتيجية والنتائج يظلون كما هم.

أولًا، اللاعبون: يركز الكثير ممن درسوا العلاقات الأمريكية – الفلبينية خلال الحرب الباردة على العلاقة بين الرئيس ريجان وديكتاتور الفلبين الشهير فرديناند ماركوس، وذلك لأن ريجان كان “المحارب البارد” المثالي الذي حاولت إدارته مواجهة النفوذ الشيوعي عن طريق دعم الديكتاتوريين الموالين للولايات المتحدة حول العالم.

لكن ما يحصل على انتباه أقل هو تواطؤ الرئيس كارتر في دعم نظام ماركوس. لقد دعم كارتر، الذي يُصنّف كرئيس مهتم بحقوق الإنسان، نظام ماركوس بعد إعلان الأحكام العرفية في الفلبين في جهد للحفاظ على إمكانية الوصول الأمريكي إلى القواعد العسكرية في الأرخبيل. وفي حين أنه أمْرٌ قابل للنقاش إذا كان جو بايدن هو جيمي كارتر الجديد، فإنه رئيس ديمقراطي يدّعي أن إدارته تعطي الأولوية لحقوق الإنسان في الوقت الذي تبحث فيه علاقات مع أنظمة ذات سجلات مشبوهة في مجال حقوق الإنسان.

على الجانب الفلبيني، مقارنة الرئيس رودريجو دوتيرتي بفرديناند ماركوس واضحة: إن حرب دوتيرتي على المخدرات، وتشجيعه للقتل دون محاكمة، وإغلاق وسائل الإعلام الناقدة والسخرية من القانون الدولي تكرر انتهاكات نظام ماركوس التي لا تُعدّ ولا تُحصى. والأكثر من ذلك، سيترشح أبناء ماركوس ودوتيرتي للانتخابات الرئاسية الفلبينية القادمة.

ثانيًا، الاستراتيجية. تُعدّ الفلبين، مرة أخرى، حصنًا ضروريًّا من الناحية الجيوسياسية ضد قوة عظمى تهدد الهيمنة الأمريكية في المنطقة. ومرة أخرى، نهج الولايات المتحدة تجاه الاحتواء هو منح الأولوية للتفوق العسكري على الصين من خلال الوصول إلى القواعد في الفلبين.

وللحفاظ على إمكانية الوصول إلى هذه القواعد، تشتري الولايات المتحدة صمت حكومة الفلبين بتدفق مستمر من المساعدات الأمنية، وتغض الطرف عند ارتكاب أعمال وحشية بتلك المساعدات الأمنية، وتؤكد لحكومة الفلبين الدعم المستمر متى واجهت انتقادات دولية أو محلية. 

وكما حدث في الحرب الباردة الأولى، تُمنح حكومة الفلبين معدات للتعامل مع الأعداء الداخليين، وليس المعتدين الخارجيين. حتى بصفقة السلاح المقترحة مؤخرًا لبيع 10 مقاتلات إف-16 ومنظومة صواريخ هاربون بلوك 2 المضادة للسفن، فإن الفلبين لا تقدر على معركة شاملة مع الجيش الصيني ويجب أن تعتمد على القدرة العسكرية للولايات المتحدة لحمايتها. هذا النهج لا يعزز السيادة وتقرير المصير.. إنه يؤدي إلى الاتّكالية والتبعية.

وأخيرًا النتائج: في كلتا الحربين الباردتين، جرى التضحية بالمواطنين العاديين في مفترق طرق الصراع. خلال حكم نظام فرديناند ماركوس، يُقدّر أن 3.257 شخصًا قُتلوا و35 ألف عُذّبوا على يد الدولة الأمنية الفلبينية المدعومة أمريكيًّا. في الوقت الحالي، تضع التقديرات عدد القتلى لدوتيرتي وقواته الأمنية عند 30 ألف تقريبًا؛ هذا لا يشمل موجة القتل الأخيرة للمدافعين عن حقوق الإنسان. إلى جانب جرائم قتل دوتيرتي، فإن حملاته القمعية على وسائل الإعلام الناقدة والمعارضة السياسية تعكس نهج ماركوس تجاه المعارضة. ومثل معظم عهود الإرهاب، لن نعرف فداحة أو حجم الانتهاكات المرتكبة حتى يختفي النظام تمامًا.

كان ما حدث بعد الإطاحة بماركوس إعادة تقييم ضرورية من الشعب الفلبيني لعلاقته بالولايات المتحدة بسبب دعمها الثابت لماركوس؛ ونتيجة لذلك، صوّتت الديمقراطية التي استيقظت من جديد في 1991 على عدم التصديق على معاهدة كانت لتسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى القواعد في الفلبين. لم يكن حتى 2014، بتوقيع اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز، عندما سُمح للولايات المتحدة بوضع قواعد في الفلبين. وإذا كانت الولايات المتحدة مُصممة على اتباع نفس النهج في الحرب الباردة الجديدة فيما يخص الفلبين، من المحتم أن يحدث رد فعل مماثل.

وإذا وضعنا جانبًا الفائدة المشكوك فيها للمشاركة في حرب باردة أخرى، تدين الولايات المتحدة لشعب الفلبين بعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها في الحرب الباردة الأولى. هذا يبدأ بإبعاد أنفسنا عن منتهكي حقوق الإنسان الذين سيتسببون بضرر أكثر من النفع على المدى البعيد، واتخاذ خطوات لتوضيح أن حقوق الإنسان أولوية.

إن إحدى الطرق الأساسية لفعل هذا هي قصر المساعدات العسكرية الأمريكية على القوات المسلحة الفلبينية والشرطة الوطنية الفلبينية. عن طريق حجب المساعدات الأمنية إلى أن يُحاسَب مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان على أفعالهم، تخلق الولايات المتحدة حافزًا لحكومة الفلبين لكي تستحدث إطار عمل لمعالجة مخاوف حقوق الإنسان وتمنح الولايات المتحدة اتساقًا أخلاقيًّا عند انتقاد الدول الأخرى التي تنتهك حقوق الإنسان.

يهدف قانون حقوق الإنسان في الفلبين، الذي طرحته النائبة سوزان وايلد، إلى فعل ذلك، ولا شك أن تواجد هذا القانون والدعم المتزايد له داخل وخارج الكونجرس يُظهر أن السياسة الخارجية التي تركز على حقوق الإنسان نهج ممكن وشعبي، وفي الواقع، أفضل من تكرار الأخطاء التي يمكن أن تطاردنا لسنوات.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا