مودرن دبلوماسي | الاستراتيجية الأمريكية في المحيطين الهندي – الهادئ وتداعياتها على العلاقات الصينية الإسرائيلية

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

إن توقيع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاق “أوكوس” الدفاعي الجديد، واتفاق “كواد” الرباعي مع اليابان والهند وأستراليا، له تداعيات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط وموازين القوى والنفوذ داخلها، وذلك بالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية الكبيرة لهذه المنطقة. وبحسب هذه الاتفاقيات الأمريكية الجديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ستواجه الصين تحالفا دفاعيًا قويًّا جديدًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما يؤدي لنقل هذا الصراع الصيني بأكمله إلى الشرق الأوسط والملف الإيراني، وزيادة النفوذ الصيني في المضائق والممرات البحرية في الشرق الأوسط. إن الدول الثلاث المشاركة في التحالفات الأمريكية الجديدة في المنطقة (اليابان والهند وأستراليا) توضح بشكل جلي أن مثل هذه الاتفاقيات مع الولايات المتحدة هي فرصة تاريخية لها من أجل حماية قيم مشتركة وتعزيز الأمن والرخاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. من ناحية أخرى، نجد أن هذه الاتفاقيات والتحالفات الأمريكية التي تحاصر الصين في المحيطين الهندي والهادئ، ستنعكس بصورة أو بأخرى على الشرق الأوسط، إذ ستنقل الصين الصراع والمنافسة مع واشنطن إلى المنطقة، ويشمل هذا إيران وإسرائيل، وسيكون لهذا تداعيات في المستقبل على بلدان في الشرق الأوسط والخليج.

لقد تصاعدت معادلة التنافس بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط منذ تولي إدارة بايدن السلطة، وهنا أصبح وضع الدول المحايدة في الشرق الأوسط أكثر صعوبة. وربما يكون الشرق الأوسط من بين المناطق التي ستشهد تصاعدًا في حدّة التوتر بين الجانبين.

ولفهم رؤية البلدان الإقليمية فيما يخص مصالحها مع هاتين القوتين، من الضروري النظر إلى المؤشرات الأولية الصادرة من إدارة بايدن تجاه المنطقة. لقد أصبح واضحًا أن الإدارة الامريكية ترغب في إعادة صياغة نهجها إزاء المنطقة، لكن من غير الواضح بعد ما مدى عمق هذه الخطوة الأمريكية وتأثيرها على هيكل الأمن الإقليمي برعاية الولايات المتحدة، لا سيما في منطقة الخليج العربي.

أعلن وزير الدفاع الأمريكي “ليود أوستين” مراجعة استراتيجية شاملة لوضع القوات الأمريكية حول العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط. ويبدو أن المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية يفكرون في إعادة النظر في وضع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما قد يُفهم على أنه تقليل لعدد القوات في هذه المنطقة لصالح زيادة عدد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

تركز إدارة بايدن في الوقت الراهن على إنهاء الحرب في اليمن، وإعادة إحياء مفاوضات الملف النووي الإيراني، لكنها لم تولِ اهتمامًا كبيرًا بملفات حيوية أخرى. وخلافًا للنهج الأمريكي السابق، قلل مستشار الأمن القومي الأمريكي “جايك سوليفان” من عدد خبراء شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وزاد بشكل كبير من عدد الخبراء المختصين في شؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

كما عيّن وزير الدفاع الامريكي “ليود أوستين” أيضا ثلاثة مستشارين له، جميعهم خبراء في الشأن الآسيوي، ولا يوجد من بينهم أي خبير في شؤون الشرق الأوسط، وهو ما يتناقض مع نهج جميع الإدارات الامريكية السابقة، وذلك بفضل خطر الصين، وانسجامًا مع الاستراتيجية الأمنية الحالية للولايات المتحدة.

تعكس هذه الخطوات الأمريكية تجاه الصين رؤية إدارة بايدن للعالم من منظور “نظرية صراع القوى العظمى” والتي سادت أثناء الحرب الباردة، وتراجع منطقة الشرق الأوسط عن قائمة أولويات أمريكا.

وفيما يخص العلاقات الصينية – الإسرائيلية، ستحاول بكين لعب دور متزايد في إسرائيل من أجل التقارب مع تل أبيب على حساب واشنطن؛ وهنا سنلاحظ مدى نفوذ وجديّة الشركات الصينية الساعية للحصول على عقود لتشغيل موانئ إسرائيلية رئيسية، إذ عبّرت واشنطن عن خشيتها تحديدًا إزاء فوز شركة صينية بمناقصة لإدارة ميناء في حيفا، حيث يقبع الأسطول السادس الأمريكي.

ربما تحاول الصين في المستقبل تحدّي المصالح الأمريكية في إسرائيل، وتعمل على إدارة جميع الموانئ الإسرائيلية، وبالتالي تسيطر على الممرات الملاحية في البحر المتوسط والبحر الأحمر، وهو أكثر ما تخشاه واشنطن.

بالإضافة إلى رغبة الصين في الاستثمار والتواجد في مشاريع بنى تحتية حيوية في إسرائيل، ستحاول الصين الحصول على تكنولوجيا إسرائيلية متطورة، فضلًا عن محاولتها احتكار المعلومات التي يمكنها الحصول عليها من شركات إسرائيلية عاملة في الصين والاستفادة منها في تعزيز التقدم والابتكار في الصين، ما يساعدها على تحدّي التطور التكنولوجي الأمريكي من البوابة الإسرائيلية.

إن الأمر الأخطر والأهم من وجهة نظري، هو محاولات جمهورية الصين الشعبية الحصول على أسرار تجارية إسرائيلية مرتبطة بالولايات المتحدة، وما هو أخطر من هذا في المستقبل هو تقارب جيش تحرير الشعب الصيني مع الجيش الإسرائيلي، الذي يعتمد بشدّة على أسلحة أمريكية متطورة مثل طائرات إف-35 المقاتلة.

من وجهة نظري التحليلية، فإنه في حال نجحت الصين في زيادة قدرتها على التواجد ومراقبة واختراق الجيش الإسرائيلي، فربما يساعدها هذا على الحصول على جميع الأسرار التكنولوجية العسكرية الأمريكية من إسرائيل بصورة مباشرة، وهنا تجد الولايات المتحدة خطرًا يتمثل في تحوّل إسرائيل إلى قناة يتمكن عبرها جيش تحرير الشعب الصيني من تحقيق تكافؤ أكبر مع القوات المسلحة الأمريكية. ولهذا تحاول واشنطن الضغط على تل أبيب للتصدّي للنفوذ الصيني، إذ لا يمكن للولايات المتحدة بأي طريقة السماح بسقوط التكنولوجيا العسكرية الأمريكية في أيدي خصمها الرئيسي، الصين.

الخلاصة هي أنه لا توجد أي استراتيجية أمريكية واضحة حتى الآن لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة والعالم، وربما يكون هذا استمرارًا للنهج ذاته الذي اتبعته إدارة ترامب، إذ تُبدي الولايات المتحدة اهتمامًا بوضعٍ لا يروق لها، دون طرح رؤية واضحة للحصول على النتائج المرجوّة التي تريدها من هذا الصراع.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا