بين فلسطين وإسرائيل.. إلى أي جانب تنحاز الصين؟

الصراع الحالي يشكل أصعب اختبار لاستراتيجية «الدبلوماسية المتوازنة» الصينية

آية سيد
الرئيس الصيني جي جين بينج

إذا أجبرت الضغوط الجيوسياسية الصين على الاختيار بين إسرائيل والعالم العربي.. من ستختار؟


لأكثر من عقد، كان نهج الصين الاستراتيجي تجاه الشرق الأوسط يرتكز على الموازنة والحياد تجاه كل الأطراف، إلا أن الصراع الأخير بين حماس وإسرائيل، وحالة الاستقطاب الناتجة في الشرق الأوسط والعالم، تجعل من الصعب على بكين الحفاظ على نهجها الاستراتيجي تجاه المنطقة.

وربما يتعين عليها الانحياز لطرف، وفق ما رأى أستاذ العلوم السياسية بكلية ماكاليستر الأمريكية، أندرو لاثام.

أصعب اختبار

في تحليل نشرته صحيفة آسيا تايمز، أمس السبت 4 نوفمبر 2023، قال لاثام، المختص في السياسة الخارجية الصينية، إن حرب حماس وإسرائيل تشكل أصعب اختبار لاستراتيجية الرئيس الصيني، شي جين بينج، في الشرق الأوسط، التي كانت، حتى الآن، تتمحور حول مفهوم “الدبلوماسية المتوازنة”.

بين فلسطين وإسرائيل.. إلى أي جانب تنحاز الصين؟

الرئيس الصيني شي جين بينج

ومنذ 2012، استثمرت الصين قدرًا كبيرًا من الطاقة الدبلوماسية في بناء نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. ولفت لاثام إلى أن رؤية بكين الاستراتيجية الشاملة للشرق الأوسط هي منطقة حيث يتراجع نفوذ الولايات المتحدة بشدة وتعزز الصين نفوذها.

أهداف واستراتيجيات بكين

رأى الأكاديمي الأمريكي أن هذا مجرد تجلي إقليمي لرؤية عالمية، كما يظهر في سلسلة من مبادرات السياسة الخارجية الصينية مثل مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، وغيرها.

وتهدف هذه المبادرات، جزئيًا على الأقل، إلى نيل استحسان دول الجنوب العالمي التي تشعر بغربة متزايدة عن النظام الدولي القائم على القواعد بقيادة أمريكا.

وأوضح لاثام أن هذه الرؤية تستند إلى المخاوف بأن استمرار الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط سيهدد وصول الصين إلى صادرات النفط والغاز من المنطقة. لكن هذا لا يعني أن بكين يمكنها أن تحل محل واشنطن، نظرًا لقوة الدولار والعلاقات الأمريكية الراسخة مع بعض أقوى اقتصادات المنطقة.

انحياز متعدد

وفق لاثام، تتمثل الخطة المعلنة للصين في تشجيع الانحياز المتعدد بين دول المنطقة، وهذا يعني تشجيع الدول على التعاون مع الصين في مجالات مثل البنية التحتية والتجارة. وفعل هذا يخلق علاقات بين الصين واللاعبين في المنطقة، ويُضعف أي حوافز للانضمام إلى التكتلات التي تقودها أمريكا.

بين فلسطين وإسرائيل.. إلى أي جانب تنحاز الصين؟

الرئيس الصيني، شي جين بينج، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو

وتسعى بكين لتعزيز الانحياز المتعدد عبر ما تصفه وثائق الحكومة الصينية بـ”الدبلوماسية المتوازنة” و”الموازنة الإيجابية”.

والدبلوماسية المتوازنة تستلزم عدم الانحياز لأي طرف في الصراعات، مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعدم استعداء أي طرف. في حين ترتكز الموازنة الإيجابية على تنمية تعاون أوثق مع إحدى القوى الإقليمية، على سبيل المثال إيران، اعتقادًا أن هذا سيحفز القوى الأخرى على أن تحذو الحذو نفسه.

نجاحات صينية

قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر الماضي، بدأت استراتيجية بكين تؤتي ثمارها. وفي 2016، دخلت الصين في شراكة استراتيجية شاملة مع السعودية. وفي 2020، وقعّت اتفاقية تعاون لمدة 25 عامًا مع إيران. وفي نفس الفترة الزمنية، وسعّت بكين علاقاتها الاقتصادية مع مجموعة من دول الخليج الأخرى.

وكذلك وطدت الصين علاقاتها الاقتصادية مع مصر، واستثمرت في مشروعات إعادة الإعمار في العراق وسوريا. ومطلع العام الحالي، توسطت في اتفاقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. وعقب ذلك النجاح، بدأت بكين في تصوير نفسها كوسيط سلام محتمل بين الفلسطينيين وإسرائيل.

تأثير حرب حماس وإسرائيل

أشار لاثام إلى أن حرب حماس وإسرائيل عقّدت نهج الصين تجاه الشرق الأوسط. وعكس رد الصين المبدئي استمرارًا لدبلوماسيتها المتوازنة، برفضها إدانة حماس، وحث الطرفين على الالتزام بضبط النفس وتبني حل الدولتين. لكن الموقف المحايد تعارض مع نهج واشنطن وبعض الدول الأوروبية، ما دفع بكين إلى اتخاذ موقف أكثر حزمًا.

وتحت ضغط من وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، وآخرين، أكد وزير الخارجية الصيني، وانج يي، رأي الصين بأن كل دولة لديها الحق في الدفاع عن نفسها، لكنه رهن ذلك بقوله إن إسرائيل “يجب أن تلتزم بالقانون الإنساني الدولي وتحفظ سلامة المدنيين”.

وحسب الأكاديمي الأمريكي، هذا يعكس تحولًا في لهجة بكين، التي انتقلت إلى إصدار تصريحات متعاطفة مع الفلسطينيين وناقدة لإسرائيل. وهذا التحول غير مفاجئ نظرًا لمخاوف بكين الاقتصادية وطموحاتها الجيوسياسية.

الاختيار الصعب

في حالة أجبرت الضغوط الجيوسياسية الصين على الاختيار بين إسرائيل والعالم العربي، قال لاثام إن بكين لديها حوافز اقتصادية قوية للانحياز للعالم العربي. وتمتلك الصين كذلك حافزًا قويًا للانحياز للفلسطينيين، ألا وهو الرغبة في أن تظهر كنصيرة للجنوب العالمي.

وفي كثير من الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، يُنظر لصراع الفلسطينيين ضد إسرائيل على أنه مشابه لمحاربة الاستعمار أو مقاومة الفصل العنصري. وهكذا، فإن الانحياز لإسرائيل سيضع الصين إلى جانب المستعمر الظالم.

بين فلسطين وإسرائيل.. إلى أي جانب تنحاز الصين؟

الرئيس الصيني، شي جين بينج، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس

وهذا يخاطر بتقويض العمل الدبلوماسي والاقتصادي الذي اضطلعت به بكين عبر مبادرة الحزام والطريق، وجهود تشجيع المزيد من دول الجنوب العالمي على الانضمام إلى تحالف بريكس.

لكن، لأسباب اقتصادية ومتعلقة بالسياسة الخارجية، نوّه لاثام إلى أن هذا الخيار سيمثل نهاية جهد الصين، الممتد لعقد، لوضع نفسها في مكانة “المصلح المفيد” المؤثر في المنطقة، أي القوة الخارجية التي تسعى للوساطة في اتفاقات سلام وإقامة نظام اقتصادي وأمني إقليمي شامل، ولذلك لن تفضل بكين اتخاذه.

ربما يعجبك أيضا