عودة الجنوب العالمي.. حقيقة جيوسياسية جديدة وإعادة تشكيل للمشهد العالمي

محمد النحاس

باتت العديد من دول الجنوب العالمي أكثر ثراءًا وذكاءً مما كانت عليه في القرن العشرين، وقد تعلمت كيفية "اللعب على كلا الجانبين" والمناورة الخلاّقة لتحقيق منافعها الخاصة.


بعد تجنب عدد من الدول الانحياز لأي طرف في الصراع في أوكرانيا، ذكّر هذا الغرب أن العديد من الدول العالم لديها مواقف مستقلة.

وحسب مقال مدير برنامج الجنوب العالمي في معهد كوينسى سارانج شيدور، المنشور في مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أمس الخميس 31 أغسطس 2023، فقد بات دور القوى الوسطى أكثر تأثيرًا في المشهد الجيوسياسي العالمي.. فما أبعاد صعود الجنوب العالمي؟ وما مقدار تأثيره؟

صعود الجنوب العالمي

حسب المقال، أدت السنوات “أحادية القطب” التي أعقبت الحرب الباردة، على نحوٍ متزايد لتهميش دول “الجنوب العالمي”، وعلى الرغم من هذه البلدان تمثل الغالبية العظمى من البشرية، فقد ظلت أهدافها ورغباتها هامشية على صعيد الجغرافيا السياسية.

ويتضح من المشهد أن “دول الجنوب العالمي قد عادت، وعلى الرغم من أنها ليست كتلة واحدة تمامًا، فقد بات حقيقة جيوسياسية تلقي بظلالها على المشهد الجيوسياسي، وتؤثر في خيارات القوى العظمى أو على الأقل تزعجها، حتى تستجيب لبعض مطالبها”، حسب كاتب المقال، سارانج شيدور.

الواقعية بدلًا عن المثالية

مع تراجع هيمنة القطب الأوحد في عالم ما بعد الحرب الباردة، بدأت دول الجنوب العالمي تتآزر مجددًا، وتحاول جمع جهودها عبر أكثر من مبادرة، حسب المقال.

اقرأ أيضًا| هل يُمثل توسع بريكس انتصارًا للصين وروسيا؟

اقرأ أيضًا| شي والعالم النامي.. ماذا تريد الصين من القارة الإفريقية؟

وعلى العكس من تجربة حركة عدم الانحياز -التي كانت إحدى هذه المبادرات- مطلع الستينيات، فالمبدأ الذي تسترشد به دول الجنوب العالمي هذه المرة “الواقعية” بدلًا عن المثالية، وفي الوقت ذاته  تُعلي مصالحها الوطنية، مع اللجوء إلى سياسات القوة، وفق شيدور.

تأثير متزايد في النظام الدولي

من الاختلافات الكبيرة التي يلفت إليها المقال، سعي العديد من هذه الدول للحصول على ما يسمى بـ”الاستقلال الاستراتيجي”، وحيازة قدر أكبر من التأثير السياسي في النظام الدولي، خاصةً القوى الوسطى، كما هو الحال لدى جنوب إفريقيا، والبرازيل، وإندونيسيا.

وفي حين يرى كثير من المتابعين والمراقبين أن تبلور الجنوب العالمي، تعبر عنه مؤسسات مثل بريكس ومنظمة شنجهاي للتعاون، يرى شيدور أن تجلي صعود الجنوب العالمي، يظهر من خلال الخيارات الفردية للدول.

ويصف هذه الخيارات وما يترتب عليها من إجراءات بأنها ترتكز على المصلحة الوطنية لكل دولة، وأنها عادةً لا تكون منسقة، غير أنها “أكبر من مجموع أجزائها”، أي أن تأثيرها يتجاوز حدود فعل الدولة الواحدة، ويتعداه باعتباره توجهًا جماعيًّا.

قدرات متزايدة

ترفض معظم هذه الدول ديناميكية الحرب الباردة الجديدة التي تضع الولايات المتحدة واليابان وأوروبا في مواجهة تحالف يضم الصين وروسيا، فقد باتت العديد من دول الجنوب العالمي أكثر ثراءً وذكاءً مما كانت عليه في القرن العشرين، وقد تعلمت كيفية “اللعب على الجانبين” والمناورة الخلاّقة لتحقيق منافعها الخاصة.

ولا يعني هذا تضاؤل علاقة هذه الدول والولايات المتحدة، فقد تعقد بعض الاتفاقات معها أو مع غيرها من القوى الأخرى لتعزيز مصالحها، ويظل لهذا التعاون حدود، فكما هو الحال في العلاقة الأمنية بين نيودلهي وواشنطن، ليس من المرجح أن تنخرط الهند مباشرة في أي صراع قد يندلع في بحر الصين الجنوبي، على سبيل المثال، وفق المقال.

تقويض العقوبات الغربية

تستمد هذه الدول قوتها من مصدر آخر، فقد رفضت جميع دول الجنوب العالمي العقوبات المفروضة غربيًّا على روسيا في أعقاب حربها مع أوكرانيا. حسب المقال المنشور في المجلة الأمريكية.

بل على العكس من المساعي الغربية، فقد زاد البعض من تجارتهم مع موسكو، ما أدى إلى تقويض فاعلية العقوبات الغربية، وفي عام 2022، زادت تجارة روسيا 87% مع تركيا، وبنسبة هائلة بلغت 205% مع الهند، وقاد ذلك في نهاية المطاف إلى تقويض فاعلية العقوبات الغربية.

حقيقة جيوسياسية

يخلص مقال مدير برنامج الجنوب العالمي في معهد كوينسى سارانج شيدور، إلى أن جنوب العالمي سوف يستمر كـ”حقيقة جيوسياسية”، ما دام مستبعدًا من قلب الهياكل القوة الدولية.

وإذا ما ظلت قوى الجنوب العالمي مستبعدةً في عملية صنع القرار الدولي، وإذا ما ظلت محرومةً من تأدية دور أبرز في النظام العالمي، فمن المرجح أن تظل هذه الدول تمارس ضغوطها على القوى العظمى، وتحدي شرعيتها السياسية والحد من نطاق عملها في بعض النطاقات الحيوية، حسب المقال.

ربما يعجبك أيضا