هل تصبح بريكس نسخة جديدة من حركة عدم الانحياز؟

آية سيد
صعود القوى الوسطى والعالم متعدد الأقطاب.. فرص وتحديات

منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية أبعدت دول بريكس نفسها أكثر عن الغرب ولم تشارك في العقوبات ضد موسكو.


اختتمت مجموعة بريكس قمتها 15 بإعلان ضم 6 دول جديدة، وهي مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا وإيران.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، رأى الصحفي والمحلل السياسي التركي، هارون كارتشيتش، أن دول بريكس تعيش الآن لحظتها الجيوسياسية، وقد تؤدي إلى ظهور حركة جديدة شبيهة بحركة عدم الانحياز.

أداء قوي

استند المحلل السياسي التركي في تحليله، المنشور السبت 9 سبتمبر 2023، إلى حوار أجراه مع عدد من الباحثين الأفارقة، والهنود، والصينيين، بجامعة هايدلبرج الألمانية، والذين قالوا إن العقدين الأخيرين كانا جيدين بنحو استثنائي للدول النامية ومواطنيها.

هل تصبح بريكس نسخة جديدة من حركة عدم الانحياز؟وبالمثل، ذكر خبير الاقتصاد بجامعة هارفارد الأمريكية، داني رودريك، أن اقتصادات الدول النامية توسعت بمعدلات غير مسبوقة، ما أسفر عن تراجع كبير في الفقر المدقع، وتوسع ملحوظ للطبقة المتوسطة.

وجادل الباحثون بأن الصين والهند، اللتين إلى جانب روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا تشكلان مجموعة بريكس، كانتا، ولا تزالا، تقودان هذا الأداء المتميز.

استحضار الماضي

رغم العقوبات الصارمة المفروضة على روسيا، كانت مفاجأة أن تنجح بريكس في إقامة فعالية موازية في موسكو، بعنوان “مدينة السحاب: منتدى بريكس الدولي للابتكار”، وتحدث ممثلو 30 دولة عن رؤيتهم للمدن في المستقبل وكيف يمكن دمج التكنولوجيا في تصميمات المدن الحديثة.

وضم المتحدثون بعض الحائزين على جائزة نوبل، مثل أستاذ الاقتصاد محمد يونس، ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة راي كون تشانج، إلى جانب العديد من الشخصيات البارزة الأخرى.

وأشار الصحفي التركي، المولود في يوجوسلافيا، إلى أن الفعالية تعود بالزمن إلى أيام مؤتمر باندونج، عندما وضع جوزيف تيتو، وجمال عبد الناصر، وجواهر نهرو، وسوكارنو، الأساس لحركة عدم الانحياز.

الابتعاد عن الغرب

لفت كارتشيتش إلى أن موسكو وبكين تحرصان على ضخ حياة جديدة إلى مجموعة بريكس، حتى تُظهرا للعالم أنه توجد بدائل للتحالفات والمؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة وهيمنت على الشؤون العالمية لعقود.

ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، أبعدت دول بريكس نفسها أكثر عن الغرب، ولم تشارك في العقوبات ضد روسيا، وبلغت التجارة بين الهند وروسيا، واعتماد البرازيل على الأسمدة الروسية، مستويات شبه تاريخية.

اقرأ أيضًا| قمة بريكس.. خطوة نحو عالم متعدد الأقطاب

تعددية الأقطاب

هل تصبح بريكس نسخة جديدة من حركة عدم الانحياز؟

قمة بريكس 2023

حسب أستاذ العلوم السياسية، أوليفر ستيونكل، يرى جميع أعضاء بريكس ظهور تعددية الأقطاب أمرًا حتميًّا ومنشودًا بنحو عام، ويعرّفون المجموعة على أنها وسيلة للعب دور أكثر نشاطًا في تشكيل النظام العالمي بعد نهاية الهيمنة الغربية.

وتتشارك الدول الأعضاء تشككًا عميقًا في أحادية القطب التي تقودها الولايات المتحدة، وتعتقد أن دول بريكس تزيد استقلالها الذاتي وقوتها التفاوضية عندما تصبح مستقلة عن الغرب، والولايات المتحدة تحديدًا.

ورأى كارتشيتش أن اعتبار تحالف بريكس ثقلًا موازنًا للغرب أو منتدى للفكر السيادي والمستقل يعتمد على التوجه الأيديولوجي للدول. فدول مثل إيران والأرجنتين تنضم إلى الركب لأنها تستشعر فرصة اقتصادية. وبالنسبة للبعض الآخر، تخدم بريكس كمحاولة، وإن كانت غير مكتملة، لإنشاء بديل للنظام العالمي الحالي.

فرص التعاون

أشار المحلل السياسي التركي إلى أن إمكانية التعاون بين دول بريكس هائلة. وفي صورتها الحالية، تشكل بريكس نحو 31.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، عند التعديل على أساس تعادل القوة الشرائية.

وتنتج دول مجموعة بريكس الموسعة حوالي 26% من النفط العالمي، و50% من خام الحديد، و40% من الذرة العالمية، و46% من القمح العالمي. وتُعد البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا موطنًا لـ3.2 مليار شخص، أي 42% من سكان العالم، ما يعني أنها تمتلك 42% من إحدى الموارد الأكثر قيمة في العالم، وهي البيانات الشخصية.

اقرأ أيضًا| الاتحاد الأوروبي وتحول الطاقة.. أهمية التعاون مع بريكس وإفريقيا

إمكانات اقتصادية

دول البريكس تستعد لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي

دول البريكس تستعد لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي

يساوي الناتج المحلي الإجمالي للصين أكثر من ضعف ناتج الدول الـ4 الأخرى في بريكس مجتمعة. وحسب ما كتب المحلل الاقتصادي، جوزيف سوليفان، لفورين بوليسي، حققت بريكس فائضًا تجاريًّا بقيمة 387 مليار دولار في 2022، بفضل الصين، ورأى أن الحديث عن إصدار هذه الدول لعملة موحدة ليس بعيد المنال.

ووفق كارتشيتش، من المتوقع أن تحقق بريكس مستوى من الاكتفاء الذاتي في التجارة الدولية، لأنها غير موحدة بحدود إقليمية مشتركة، وبالتالي مرجحة لإنتاج مجموعة من البضائع متنوعة أكثر من أي اتحاد نقدي قائم.

استثمارات تكنولوجية

أضاف كارتشيتش أن سكان دول بريكس موجودون على الإنترنت، ما يسهم بدرجة كبيرة في النشاط الاقتصادي المحلي والدولي. وتعمل هذه الدول لاستقبال الابتكار الرقمي والاستثمار بكثافة في قدراتها الرقمية، وصياغة أطر جديدة لحماية البيانات وإلزام شركات التكنولوجيا بتخزين بيانات الشخص في دولته.

ولفت المحلل إلى أن الصين هي صاحبة النهج الأكثر طموحًا، عبر الاستثمار في شبكات الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والصناعات فائقة التكنولوجيا، في محاولة كي تصبح قوة تكنولوجية أكبر مما هي عليه الآن.

بديل للغرب

قال المحلل التركي إن روسيا والصين تقدمان أنفسهما للدول النامية كبديل اقتصادي وعسكري للغرب، دون ربط العلاقات الدبلوماسية بمطالب متعلقة بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. وترفع روسيا والصين وتيرة تجنيد الدول النامية غير المنحازة والمحايدة.

وأشار كارتشيتش إلى أن معظم الدول الآسيوية اختارت بطريقة براجماتية أن تحافظ على علاقاتها معهما لأسباب اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية. وفي ذلك السياق، ترى روسيا منتدى بريكس الدولي للابتكار وسيلة لتعزيز العلاقات مع الحلفاء والأصدقاء في عصر يشهد تحولات جيوسياسية كبرى.

وفي حين أمل الكثيرون في الغرب أن الحرب الروسية ستحشد دول العالم النامي خلف النظام القائم على القواعد، رفض الكثيرون في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط التصوير الغربي للصراع كمعركة بين القوة والحق. وبالنسبة إليهم، عدم الانحياز في صورة بريكس مريح أكثر من تصنيفهم كجزء من الموقف الغربي، أو الشرقي.

ربما يعجبك أيضا