أزمة «نيو ستارت».. لماذا تراجعت روسيا بعد انسحابها من المعاهدة؟

شروق صبري

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعليق مشاركة موسكو في آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة مع الولايات المتحدة، ما سيكون له تأثير فوري في رؤية واشنطن للأنشطة النووية الروسية.


أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الثلاثاء 21 فبراير 2023، تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الحد من الأسلحة، المعروفة باسم (نيوستارت).

وقال بوتين، ضمن خطاب ألقاه في الذكرى السنوية للحرب الروسية الأوكرانية: “إنهم يريدون إلحاق هزيمة استراتيجية بنا، ويطالبون بتفتيش منشآتنا النووية، وبالتالي أجد نفسي مضطرًّا إلى تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية”.

سر انسحاب بوتين من المعاهدة

حسب وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، قال بوتين في خطابه إن “انسحاب روسيا من المعاهدة، بسبب دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا”. متهمًا، واشنطن وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي، الناتو، بالعمل علانية على تدمير بلاده.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد انسحبت، خلال إدارة ترامب من المعاهدة، ورفضت الدخول في مفاوضات لتمديدها، متهمة موسكو بارتكاب انتهاكات صارخة. ولكن عندما تولى الرئيس جو بايدن منصبه في عام 2021، وقّعت إدارته على تمديد لمدة خمس سنوات.

روسيا تتراجع عن الانسحاب من المعاهدة

حسب صحيفة الجارديان البريطانية، فإنه بعد ساعات من خطاب بوتين، قالت وزارة الخارجية الروسية، إن موسكو تحترم القيود المفروضة على الأسلحة النووية، على الرغم من تعليق بوتين مشاركتها في الاتفاقية.

وأوضحت الخارجية الروسية أن موسكو ستواصل أيضًا تبادل المعلومات حول تجارب إطلاق الصواريخ الباليستية، وفقًا للاتفاقيات السابقة مع الولايات المتحدة.

تعليق عمليات التفتيش النووية

قالت الخارجية الروسية إنه منذ التوقيع على معاهدة نيوستارت، سمحت روسيا والولايات المتحدة لفرق الامتثال لدى كلٍّ منهما، بإجراء 328 عملية تفتيش لمخزونهما من الأسلحة، والأهم من ذلك أن تتبادل الدولتان البيانات بشأن حالة برامجهما.

ووفق أسوشيتد برس، فإنه بعد إعلان بوتين، والتوضيح اللاحق من وزارة الخارجية، يشيران إلى أن عمليات التفتيش معلقة على نحو دائم، ولكنهما لم يوضحا مسألة مشاركة البيانات والإخطارات ومدى استمرارها من عدمه.

ما معاهدة ستارت الجديدة؟

حسب أسوشيتد برس، وقعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، على معاهدة نيو ستارت، عام 2010، بين واشنطن وموسكو، للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، ولخفض الحدود القصوى للأسلحة النووية للبلدين بنسبة 30%.

ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في فبراير 2011، وألزمت كلًّا من روسيا والولايات المتحدة، باتصالات منتظمة بشأن حالة ترساناتهما النووية، والسماح بعمليات تفتيش منتظمة على مواقع الأسلحة، والالتزام بالحدود القصوى لعدد الرؤوس الحربية المنتشرة وغير المنتشرة التي سيحتفظ بها الجانبان.

Obama and Medvedev sign Prague Treaty 2010

ماذا حدث قبل إعلان بوتين؟

في مارس 2020، أوقف الجانبان عمليات التفتيش على المواقع العسكرية، بسبب انتشار فيروس كورونا، ولكنها عادت في أكتوبر 2021، وبعدها علقت روسيا من جانب واحد، أحكام التفتيش في أغسطس 2022، احتجاجًا على دعم واشنطن لأوكرانيا.

ونقلت أسوشيتد برس عن مسؤولين أمريكيين، قولهم إنه كان من المفترض أن تُستأنف المناقشات في مصر أواخر نوفمبر 2022، ولكن روسيا ألغتها دون سبب. وفي يناير 2023، أبلغت إدارة بايدن الكونجرس، أن روسيا لا تمتثل لشروط الاتفاقية، ورفضت عمليات التفتيش على أراضيها، وأي محادثات جديدة بشأن استئناف التفتيش.

رد فعل إدارة بايدن

وفقًا للاتفاقية، تتبادل الولايات المتحدة وروسيا رسائل يومية حول الحركات والتدريبات، فضلًا عن الإخطارات المتبادلة بين الجانبين، ما ساعد في إبقاء القوتين النوويتين واضحتين بشأن أسلحتهما النووية.

وحسب أسوشيتد برس، سيكون الأمر متروكًا لإدارة بايدن لتقرر كيفية الرد، وما إذا كانت ستستمر في الامتثال للمعاهدة أم لا. ولكن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، علق على الأمر قائلًا: “سنراقب لنرى ما سوف تفعله روسيا، لحفظ أمن بلدنا وأمن حلفائنا”.

ضربة لإدارة بايدن

نقلت صحيفة الجارديان عن خبراء قولهم، إنه سيكون ضربة خطيرة لإدارة بايدن، إذا ذهب بوتين إلى أبعد من ذلك وأوقف التقارير اليومية، وتبادل البيانات حول تحركات الأسلحة النووية في روسيا.

وعليه، فإن الولايات المتحدة لم تجد أمامها سوى تتبع الأسلحة الاستراتيجية التي بحوزة روسيا، وما إذا كانوا في المكان الذي من المفترض أن يكونوا فيه أم لا، وما إذا كانوا يتصرفون بالطريقة التي من المفترض أن يتصرفوا بها أم لا.

خطوة رمزية

من ناحيته، قال كبير مديري السياسات في مركز الحد من التسلح، وعدم الانتشار الأمريكي، جون إراث، في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست إن “هذه الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الروسي رمزية، وعديمة الفائدة حتى اللحظة”.

ويرى إراث، أن بوتين علق مشاركة بلاده في المعاهدة ولم يعلن الانسحاب منها، للضغط على بايدن للتواصل مع روسيا لإنهاء الحرب، وحتى تتمكن روسيا من إملاء شروطها على بايدن.

ما انعكاسات انسحاب بوتين من معاهدة نيو ستارت 1677054047623 highres
الولايات المتحدة تتراجع

من ناحيته، قال الباحث في برنامج أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة الاستراتيجية، في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح، أندري باكليتسكي لصحيفة الجارديان إن “تعليق روسيا مشاركتها في المعاهدة، لا يساوي الانسحاب منها، ولكنه يمهد بخطوة الانسحاب في أقرب وقت”.

وأضاف باكليتسكي للجارديان، أنه “من المحتمل أن تلتزم روسيا بحدود المعاهدة، وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة التحقق من امتثالها لها”. متوقعًا أن “تعلق الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا التزاماتها بالمعاهدة”.

الاتفاقية كانت متوقفة

قال الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ورئيس وحدة التسلح بالمركز المصري للدراسات الاستراتيجية، أحمد عليبة، في تعليقه على توقف مشاركة موسكو في معاهدة نيو ستارت، بأنه كان يوجد تعطيل لأنشطة وفعاليات الاتفاقية، حتى قبل الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كانت موسكو تتذرع بتجميد الأنشطة بسبب جائحة كورونا.

وأضاف رئيس وحدة التسلح، في تصريحاته لشبكة رؤية الإخبارية، أن أكثر من 40 عملية تفتيش متبادلة بين الطرفين توقفت، وكذلك أيضًا توقفت اللجنة الثنائية المشتركة التي كانت تعقد مرتين كل عام، وآليات الاتصال والتنسيق المشترك حول تبادل المعلومات.

غير ملائمة لروسيا

أوضح عليبة، في تصريحات لشبكة رؤية الإخبارية، أن الاتفاقية بوضعها الحالي غير ملائمة لروسيا، وباتت تستخدمها “كورقة ضغط” على بايدن، في ظل اقتراب “الناتو” من الحدود الروسية، ودعم أوكرانيا بأسلحة غربية تمثل تهديدًا على موسكو.

ويرى رئيس وحدة التسلح أن رفض مشاركة موسكو في المعاهدة، يسلط الضوء على الفوضى الموجودة في مسالة التسلح النووي، حيث كانت هذه الاتفاقية هي حائط الصد الأخير في ضبط التسلح النووي.

وأوضح أن تصريحات بوتين قد تعطي الولايات المتحدة فرصة، لتحديث برنامج الانتشار النووي، فى ظل التوترات الحالية، ولكن واشنطن ترى أن عواقب انتشار الأسلحة النووية ستكون صعبة على الجميع.

ربما يعجبك أيضا