زيارة وخطاب.. كيف كشفت الحرب الروسية الأوكرانية نقاط ضعف بايدن وبوتين؟

آية سيد
نيويورك تايمز: زيارة بايدن إلى كييف تستعرض منافسته المباشرة مع بوتين

تُعد مواجهة بايدن مع بوتين هي أكثر مواجهة مباشرة وعميقة، وربما شخصية، بين قادة القوى العظمى منذ مواجهة كينيدي وخروتشوف.


قالت صحيفة نيويورك تايمز إن زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، المفاجئة إلى أوكرانيا، مثلت تحديًا مباشرًا لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين.

ووصل بايدن إلى العاصمة الأوكرانية كييف، أمس الاثنين 20 فبراير 2023، بهدف رفع معنويات الأوكرانيين، وسط حرب الاستنزاف الطاحنة مع روسيا، وقبل ساعات من خطاب حالة الأمة، الذي ألقاه بوتين، أمام البرلمان، اليوم الثلاثاء.

زيارة مفاجئة

أعلن بايدن من القصر الرئاسي في كييف، صباح الاثنين، أن “حرب بوتين تفشل”. وحسب نيويورك تايمز، فإن ظهوره هناك، إلى جانب نظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، يرمز لفشل روسيا في الاستيلاء على العاصمة.

وأفادت الصحيفة الأمريكية بأن بايدن مكث في كييف أقل من 6 ساعات، قبل أن يخرج من المدينة في ظل حراسة مشددة من جهاز الخدمة السرية. وذكرت أن البيت الأبيض أحاط الكرملين بزيارة بايدن المرتقبة، قبل وصوله، ليس بدافع المجاملة الدبلوماسية، بل “لأغراض منع الاشتباك”، على حد تعبير مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان.

نيويورك تايمز: زيارة بايدن إلى كييف تستعرض منافسته المباشرة مع بوتين

الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي

منافسة مباشرة

رأت نيويورك تايمز أن الحرب الروسية الأوكرانية تدور حول القوة ومبدأ السيادة الإقليمية، وما إذا كان النظام العالمي الغربي سيصمد أمام التحديات الجديدة من موسكو وبكين، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنها تمثل أيضًا منافسة آخذة في التزايد بين محاربين من عصر الحرب الباردة، أحدهما يبلغ 70 عامًا والآخر 80 عامًا.

وفي لحظة نادرة، اليوم الثلاثاء، ستصبح رؤية القائدين المختلفة للعالم ظاهرة بوضوح، حسب الصحيفة، فمن المقرر أن يلقي كل زعيم منهما خطابًا، متعهدًا بالتمسك بالحرب، حتى يتراجع الآخر.

خطاب بوتين

يلقي بوتين خطابه أولًا، في إحياء للذكرى السنوية الأولى للحرب، بتجديد الاستراتيجية، التي قالت الصحيفة الأمريكية أنها أدت إلى إصابة 200 ألف روسي، حسب التقديرات البريطانية والأمريكية، ومقتل ما يصل إلى 60 ألفًا.

وتوقعت أن يجدد بوتين الحُجة بأنه لا ينقذ أوكرانيا من “النازية” وحسب، بل ينقذ روسيا نفسها من اجتياح الناتو، وأن يصور الحرب كمعركة لاستعادة الأراضي التاريخية لروسيا.

ونقل التقرير عن مسؤولي الاستخبارات الأمريكيين أنهم لديهم مؤشرات على أن الرئيس الروسي قد يعلن قريبًا عن تعبئة المزيد من المواطنين، مضيفًا مئات الآلاف إلى الـ300 ألف، جرت تعبئتهم، في وقت سابق.

خطاب بايدن

بعدها بساعات، من القلعة الملكية في العاصمة البولندية، وارسو، من المتوقع أن يلقي بايدن خطابًا يعزز فيه الحُجة، التي قدمها في كييف، وهي أنه في المعركة بين الديمقراطية والاستبدادية، ربحت الديمقراطية في العام الأول، لما ينذر بأنه صراع طويل.

ووفق نيويورك تايمز، فإن الطبيعة السرية لزيارة كييف، والرؤى العالمية المختلفة، التي يطرحها الخطابان، ستشدد على الدرجة التي تعكس بها المعركة بين الرجلين، ما قال بايدن إنه أراد تجنبه، ألا وهو تكرار أسوأ أيام الحرب الباردة.

تأثير زيارة بايدن

ليس من الواضح كيف تؤثر زيارة بايدن في خطاب بوتين، الذي من المفترض أنه كُتب قبل وقت طويل من تلك الزيارة المفاجئة. وحسب نيويورك تايمز، سيكون هذا خطاب حالة الأمة الأول لبوتين منذ 2021.

ويعتقد محللون أن الرئيس الروسي لم يلقيه، العام الماضي، لأنه افتقر للأخبار الجيدة، التي يشاركها، وسط الانتكاسات الروسية على الجبهة، لكن اقتراب الذكرى السنوية للحرب، وغياب الوضوح بشأن طبيعة أهداف بوتين في أوكرانيا، ربما أجبرته على إلقاء الخطاب.

ومن المتوقع أن يحتوي الخطاب على هجمات واسعة النطاق على الغرب، استنادًا إلى ادعاء بوتين بأن الولايات المتحدة تستخدم أوكرانيا لشن حرب بالوكالة ضد روسيا.

نيويورك تايمز: زيارة بايدن إلى كييف تستعرض منافسته المباشرة مع بوتين

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين

نقاط الضعف السياسية

لفتت نيويورك تايمز إلى أن الخطابين يعكسان الدوائر الانتخابية المختلفة، ونقاط الضعف السياسية للرئيسين. وبالنسبة إلى بايدن، تمثل الرياح السياسية المتغيرة باستمرار داخل الولايات المتحدة أكبر نقطة ضعف، لقدرته على الالتزام بنهجه في أوكرانيا. أما بوتين، فالشاغل الأكبر له يتمثل في أن النخب الموالية للكرملين قد تنشق عن الصف، إذا استمرت إخفاقات الجيش.

لكن حتى روسيا تعترف بوجود الكثير على المحك، حسب تصريحات المتحدث باسم بوتين، ديميتري بيسكوف، الذي قال: “تؤثر العملية العسكرية الخاصة في حياتنا، وحياة القارة، بطريقة أو بأخرى”، متوقعًا أن يخصص لها الرئيس الروسي قدرًا كبيرًا من الانتباه.

مواجهة شخصية

أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن مواجهة بايدن وبوتين هي أكثر مواجهة مباشرة وعميقة، وربما شخصية، بين قادة القوى العظمى، منذ مواجهة كينيدي وخروتشوف، في الحرب الباردة.

لكن، حتى في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، التي تُعد أسوأ لحظات المواجهة، كان القائدان يتبادلان الخطابات المدنية، ويبحثان عن مخرج. وفي نهاية المطاف، وجداه بالفعل.

اللقاء الوحيد

قبل عامين، عندما التقى بايدن وبوتين وجهًا لوجه، في مدينة جنيف السويسرية، كانت تلك العلاقة الحذرة تبدو ممكنة. وحينها، مدح بوتين الرئيس الأمريكي بوصفه “رجل متوازن ومهني” و”ذو خبرة كبيرة”. ولعب بايدن على كبرياء بوتين، في بداية القمة، بالإشارة إلى الولايات المتحدة وروسيا “كقوتين عظميين”.

واتفق القائدان على إقامة محادثات على مستوى الحكومتين بشأن نقطتي توتر كبيرتين، وهما الحدّ من هجمات فيروس الفدية على البنية التحتية الأمريكية، وعقد “محادثات استقرار استراتيجي” لرسم مستقبل الحدّ من التسلح. وانعقدت بعدها القليل من الاجتماعات الواعدة.

تدهور العلاقة

بعد ذلك، تحدث القائدان مرتين، عبر الفيديو. وحسب نيويورك تايمز، كانت المرة الأخيرة في 12 فبراير 2022، وشهدت تحذيرًا من بايدن بأنه إذا ضغط بوتين على الزناد وأمر قواته المحتشدة على الحدود بغزو أوكرانيا، ستكون “تكلفة باهظة وسريعة على روسيا”. ونفى بوتين حينها أنه يفكر في التحرك العسكري.

ولم يتحدث القائدان، منذئذ، وتوقفت محادثات المتابعة، التي اتفقا عليها في جنيف. وبنهاية الأسبوع الماضي، اتهمت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، روسيا بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” في مؤتمر ميونيخ للأمن. وحذر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من أن الغرب عليه الاستعداد لـ”صراع مطوّل”، وتسليح أوكرانيا وفقًا لذلك.

وحسب مساعدي بايدن، يشعر الرئيس بالقلق من أن مقاتلات إف-16 والصواريخ طويلة المدى، التي يطلبها زيلينسكي، قد تثير صراعًا مباشرًا وأوسع مع روسيا، لأنها قد تصل إلى داخل العمق الروسي. وهذا قد يدفع بوتين إلى تجديد تهديداته باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.

ربما يعجبك أيضا