أمريكا أولًا.. كيف تهدد سياسة بايدن الشراكة مع أوروبا؟

محمد النحاس

أقر بايدن، خلال اللقاء مع ماكرون، بوجود "خلل تشريعي" يجب إصلاحه، وشدد على ثقته بإمكانية حل الخلافات الموجودة بين الجانبين، الأوروبي والأمريكي.


باتت الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا، مهددةً بفعل سياسة بايدن “أمريكا أولًا” التي يرى الأوروبيون أن لها تداعياتٍ سلبية على اقتصادهم.

وترتكز هذه السياسة على دعم قطاعات تعدّها واشنطن حيوية، مثل الرقائق الإلكترونية والطاقات النظيفة، والسيارات الكهربائية، وذلك للحد من النفوذ الصيني، فكيف أثّرت هذه السياسة في العلاقات بين واشنطن وأوروبا؟

من التكامل إلى التنافس

يعتقد الزميل الأقدم بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إداورد ألدن، أن الخلافات التي بدأت تتسرب إلى العلاقات الأمريكية الأوروبية، تُهدد النظام الاقتصادي العالمي، الذي ترنو إليه واشنطن، ويرتكز على العمل مع الحلفاء حول العالم، ومحاولة الحد من نفوذ روسيا والصين.

ويرى، في تحليلٍ نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، أمس الاثنين 5 ديسمبر 2022، أن السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى أن يتحول العالم إلى مجموعة من التكتلات الاقتصادية المتنافسة، وذلك على النقيض من التصور الأمريكي لجوهر الاقتصاد العالمي المعولم.

غضب أوروبي

وفق ألدن، بدأ الخلاف بين الأوروبيين والأمريكيين يظهر على السطح، فقد أعلن مفوّض السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، تيري بريتون، الأسبوع الماضي، انسحابه من اجتماعات مجلس التجارة والتكنولجيا، وهو هيئة اقتصادية تنسيقية بين الجانبين، لافتًا إلى أن دعم واشنطن لقطاعات السيارات الكهربائية، والطاقات النظيفة يحد من القدرة التنافسية للشركات الأوروبية.

وقال الرئيس الفرنسي، إيمانول ماكرون، خلال زيارته واشنطن، إن الإعانات الأمريكية جيدة جدًّا للاقتصاد الأمريكي، غير أنه انتقد غياب التنسيق مع الأوروبيين، وفي تصريحٍ أكثر حدة، قبل زيارة ماكرون اتهم وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، واشنطن باتباع “سياسة صناعية على النمط الصيني” في إشارة منه لدعم القطاعات “ذات الأهمية الاستراتيجية”.

2022 12 01t142943z 1460256539 rc22xx9u6nhy rtrmadp 3 usa france

الإعانات الأمريكية

في وقت سابق من هذا العام أقر الكونجرس الأمريكي، مشروعي “الحد من التضخم” و”الرقائق الإلكترونية والعلوم” ويشمل الأول حزم مساعدات تصل إلى 370 مليون دولار لتبني الطاقة النظيفة، وإعفاءات ضريبية لمشتري السيارات الكهربائية التي صُنعت بأمريكا الشمالية.

ويعتقد الأستاذ الزائر بجامعة ويسترن، إداورد ألدن، أن هذا القانون يضر شركات السيارات الأوروبية، مثل “بي إم دبليو” و”فولكس فاجن”. ويقدم مشروع قانون الرقائق الإلكترونية، دعمًا بـ52 مليار دولار لدعم شركات أشباه الموصلات، لبناء مصانعها بالولايات المتحدة.

ويشير التحليل إلى اعتقاد الأوروبيين أن المشروعين يحدّان القدرة التنافسية لشركات القارة العجوز، ويدعمان الشركات الأمريكية على نحوٍ غير عادل، وقد يجبران الاتحاد على دخول منافسة محتدمة مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

خلاف مع الحلفاء

تحاول الولايات المتحدة، منذ سنوات وخلال ما يُعرف بـ”الحرب التجارية”، حدّ النفوذ الصيني، وتُعد أشباه الموصلات إحدى أبرز مساحات الصراع بين الجانبين، لذلك تضغط واشنطن على حلفائها لوقف التعامل مع بكين في هذا القطاع، خاصةً الرقائق المتطورة، ذات الأهمية الاستراتيجة للاقتصاد الصيني.

ومع ذلك لم تُفلح الولايات المتحدة في إقناع كلٍّ من هولندا واليابان، بوقف التعامل مع الصين في الرقائق، ومعدات تصنيعها، ونقل التحليل عن مجلة “فاينانشال تايمز” تشديد وزيرة الاقتصاد الهولندية، على أن العلاقات مع الصين “إيجابية للغاية”، لافتةً إلى ضرورة تبني الدول الأوروبية، “استراتيجة خاصة” في ما يتعلق بالصادرات إلى الصين.

ما سبب الخلاف؟

عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، استطاعت واشنطن والاتحاد الأوروبي، التنسيق على نحوٍ فعال وفرض عقوبات موحدة على موسكو، وعانت أوروبا نقصًا من إمدادات الغاز، وارتفاع سعره 10 أضعاف، ما أثر سلبًا على القدرة التنافسية لشركات القارة العجوز، التي أصبحت مضطرةً إلى شراء الغاز الأمريكي المُسال باهظ التكلفة، كما ينقل التحليل.

وأبدى السفير الفرنسي بواشنطن، فيلب إيتان، امتنان بلاده لأمريكا لإمداد أوروبا بالغاز، لكنه يرى أنه توجد خلافات تتعلق بالسعر، ويسعى الأمريكيون لإيجاد سلاسل إمداد بعيدةً عن الصين، وإحياء الصناعة الوطنية، ذلك أن خروج الصناعات الأمريكية لدولٍ مثل الصين، أثّر في قرارات الناخبين، وفق زميل مجلس العلاقات الخارجية، إدوارد ألدن.

تبعات السياسة الأمريكية

قالت وزيرة التجارة في إدارة بايدن، في خطابٍ ألقته الأسبوع الماضي، جينا ريموندو، إن واشنطن ستتجه إلى التصنيع، ويرى ألدن أنه ليس مستغربًا رفض الأوروبيين هذه السياسة التي قد تفقدهم الأسواق الصينية، في ظل فرض واشنطن المزيد من القيود على بكين، فضلًا عن فقدان الشركات الأوروبية ميزات تنافسية.

وحذرت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا، من تبعات هذا النهج الذي قد يضر بالقضايا العالمية العامة، مثل التغير المناخي، والديون السيادية، والأوبئة، وهي قضايا تحتم تعزيز الشراكات، وفقًا للتحليل الذي نُشر بمجلة “فورين بوليسي”.

لا بديل عن التعاون

أقر بايدن، خلال اللقاء مع ماكرون، بوجود “خلل تشريعي” يجب إصلاحه، وشدد على ثقته بإمكانية حل الخلافات الموجودة بين الجانبين، ومع ذلك يرى ألدن، أن الأمر لن يكون سهلًا، لأن الكثير من أعضاء الكونجرس يتبنون سياسة “أمريكا أولًا”، والأمر كذلك داخل إدارة الرئيس الأمريكي.

ويعتقد الساسة الأمريكيون ضرورة إحياء الصناعة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك لن يتخلوا عن هذا النهج بسهولة، ولكن القادة في أوروبا وأمريكا يدركون حتمية التحالف بينهم، خاصةً مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية عالميًّا، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، مع نمو “التهديد الصيني”.

ويرى الزميل الأقدم بمجلس العلاقات الخارجية، أن تضافر هذه العوامل يدفع أوروبا والولايات المتحدة إلى “العبور معًا”، ويتفق الرئيس الفرنسي مع ذات الرؤية، فيشدد على أن التحديات المشتركة تؤكد أنه لا بديل عن العمل معًا.

ربما يعجبك أيضا