أوروبا والرهان على إقامة محاكم دولية في العراق وسوريا لمحاكمة المقاتلين الأجانب

جاسم محمد

كتب ـ جاسم محمد

الجدل ما زال قائمًا داخل أوروبا وداخل التحالف الدولي، حول قضية: عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم أو إخضاعهم لمحاكمات دولية في العراق وسوريا؟ ويبدو أن الخيار الأخير أصبح مستبعدا، بسبب الوضع السياسي المتدهور في العراق وكذلك في سوريا، وهذا ما يعقد خيار أوروبا بإيجاد محاكم دولية في العراق وسوريا.

الرفض الأوروبي لعودة المقاتلين الأجانب ما زال قائما دون تغيير، رغم حلحلة مواقف بعض الدول الأوروبية والذي يمكن أن يعد “تكتيكا”، فإن أوروبا ما زالت منقسمة على نفسها، ولم تحسم موقفها بعد.

قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، يوم أمس 15 ديسمبر 2019، في حديث مع إذاعة فرانس أنتر أن محاكمة “الجهاديين” الأجانب الذين يحتجزهم الأكراد ليست ممكنة في العراق بسبب الأوضاع في هذا البلد: “اعتقدنا أنه من الممكن إنشاء نظام قضائي محدد فيما يتعلق بالسلطات العراقية”.

وأضاف: “على المدى القصير يجب معالجة هذا الأمر في إطار التسوية السياسية الشاملة في سوريا، والتي بدأت ببطء شديد في جنيف منذ تشكيل اللجنة التنفيذية المكلفة بتعديل الدستور السوري بهدف التوصل إلى خارطة طريق للسلام في هذا البلد”. وسبق أن صرحت “سيبيث ندايي”، المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، قائلةً:  يقتضي القانون محاكمةَ مرتكبي الأعمال الإرهابية في أقرب مكانٍ من موقع ارتكابهم تلك الأعمال الإرهابية”.

وهناك مشروع بلجيكي، لمحاكمة هؤلاء الشباب على جرائمهم ثم يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، لكن تبقى الموافقة السياسية بعد إقناع الرأي العام وإيجاد الموزانة اللازمة”، مستبعدة في الوقت ذاته أن يكون هناك قرار أوروبي موحدًا ومشتركًا حول كيفية التعاطي مع هؤلاء المقاتلين، على المدى القريب.

وقال وزير الأمن البريطاني “بن والاس لوسائل “الإعلام البريطانية  نقلا عن اليورو نييوز في 17 فبراير 2019 إن “كل من يخرج للقتال أو دعم منظمات مثل داعش يجب أن يتوقع تحقيقاً، وعلى الأقل يجب أن يتوقع خضوعه للمحاكمة.”

إنشاء محكمة دولية

تتركز المقترحات الأوروبية، على إنشاء محكمة دولية مختصة بقضايا الإرهاب والمقاتلين الأجانب في العراق. وقد ناقشت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه، في مطلع يونيو 2019 مقترحاً مع عدد من الدول الأوروبية من ضمنها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا يقضي بتشكيل محكمة دولية، تختص بهذا الشأن. 

ويرى القانوني الألماني “روبرت شولتس”، أنه من الممكن إقامة مثل هذه المحكمة المستقلة على شاكلة نموذج المحكمة الجنائية الدولية في “لاهاي” بشرط أن يتم اتفاق قانوني بين العراق ودول الاتحاد الأوروبي يستبعد عقوبة الإعدام.

وقضية تعامل السجناء من عناصر داعش مع الغزو التركي، تشغل أيضا السياسة الخارجية الألمانية. وتعتبرأحد المخاطر الكبيرة يتجلى في أن ينتقل معتقلو داعش من شمال سوريا إلى العراق، هذا يمس مباشرة مصالحها الأمنية  كما يقول “رودريش كيزفيتر”، عضو لجنة الشؤون الخارجية التابعة للبرلمان الألماني في حديث مع موقع الدوتش فيللة الألماني يوم 10 أكتوبر 2019.

وتقول “كلاوديا دانتشكه”، مديرة مؤسسة برنامج  المشورة “حياة” في ألمانيا  بأن السجناء قد يستغلون الوضع للفرار من المعسكرات والقتال ضد الأكراد أو الاختفاء. وبسبب العمليات الحربية قد ينقطع الاتصال بتلك المعسكرات الموجودة في منطقة الحرب. وبالتحديد في “معسكر الهول” توجد خلايا نساء داعش اللاتي يرغبن في إحياء “دولة الخلافة الإسلامية”. وتشكك دانتشكه في قدرة الحكومة التركية على التعامل مع مقاتلي داعش.

عدد عناصر داعش وعائلاتهم في شمال سوريا

يعتبر مخيم الهول الأكبر من بين المخيمات، إذ يسكن فيه حوالي 70 ألف شخص، 94 في المئة منهم نساء وأطفال، و 11000 من الأجانب. بالإضافة إلى ذلك، تقول قوات سوريا الديمقراطية إن حوالي 12 ألفا من المشتبه في أنهم من مسلحي التنظيم محتجزون في سبعة سجون في شمال شرق سوريا، ويقدر عدد الأجانب بينهم بنحو أربعة آلاف شخص وفقا لتقرير  بي بي سي عربي في 15 أكتوبر 2019. لكن تقرير الحكومة الأمريكية  خلال شهر أوغست 2019 يشير إلى عدد أقل من المقاتلين الأجانب المحتجزين في شمال سوريا، ويقول إنهم 2000 مقاتل من 50 دولة. وحوالي 800 منهم من دول أوروبية، أما الباقون فهم من بلدان الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا أو آسيا.

تردد أوروبي باستعادة المقاتلين الأجانب

يرى خبراء أن هذا التردد ينبع من أن الكثير من الأدلة ضد المقاتلين العائدين قد لا تصمد في المحكمة أو قد تكون حتى بلا قيمة، وأحياناً قد يكون من الصعب إيجادها من الأساس. وفي حين تبدو أوروبا غير مهتمة بالقضية، هناك شيء واحد في حكم المؤكد وهو خضوع أي مقاتل يعود من تلقاء نفسه للمحاكمة.

وفي هذا السياق، انتقدت واشنطن طلب دول أوروبية بمقترحها أن يقوم العراق بمحاكمة عناصر تنظيم داعش، واعتبرت أنه “غير مسؤول” وذلك في انتقاد مبطن لرفض فرنسا استقبال مواطنيها المرحلين من مقاتلي التنظيم. وقال” نايثان سيلز “منسق مكافحة الإرهاب بالخارجية “تعتقد الولايات المتحدة أنه من غير المناسب مطالبة العراق بشكل خاص تحمل العبء الإضافي للمقاتلين الأجانب، وخصوصًا من أوروبا”.

ويقول أيضا “ريك كولسايت”، الخبير في التطرُّف بمعهد إغمونت، المؤسِّسة البحثية ببروكسل: “جميع الدول الأوروبية، لا سيَّما من لديها غالبية المقاتلين الأجانب، قد دأبت خلال عام 2018، على البحث عن وسيلةٍ للتعامل معهم دون استعادتهم. لكن الآن، تُجبَر الدول الأوروبية على دراسة إعادة توطينهم بما أن تركيا تنوي ترحيلهم إليها”.

الخلاصة

يبدو أن إعادة توطين المقاتلين ومحاكمتهم في محاكم أوروبية هو الخيار الأفضل، إن تدهور الوضع السياسي في العراق وفي شمال سوريا، صعد الحاجة إلى إعادة توطين منظَّمة لأوروبا . وفي حال تركهم بسوريا، قد يقع مزيد من المعتقَلين في أيدي القوات التركية ، ممكن استغلالهم وسيلة مساومة ضد أوروبا، إن ترك المقاتلين الأجانب في شمال سوريا، له الكثير من المخاطر على أمن دول المنطقة وعلى أمن دول أوروبا. ويبدو أن أوروبا، لا تغيير في موقفها من عودة المقاتلين الأجانب أو إيجاد حلول أمنية في شمال سوريا، لحد هذه اللحظة.

بات ضروريا أن تنهض أيضًا دول المنطقة بالدعوة إلى تحسم دول أوروبا، موقفها باستعادة مقاتليها ووضع حد إلى المخيمات ومعسكرات تنظيم داعش شمال سوريا.

ربما يعجبك أيضا