إيران وروسيا والصين.. لماذا يواجه خصوم واشنطن اضطرابات داخلية؟

محمد النحاس

الاضطرابات التي تحدث في دول مثل الصين وروسيا وإيران تمثل للولايات المتحدة فرصة يمكن استغلالها، لكنها تمثل أيضًا خطرًا يجب الحذر منه.


تواجه الصين وإيران وروسيا اضطرابات داخلية، على نحوٍ متزامن، ما يطرح تساؤلات جادة عن دور محتمل للولايات المتحدة.

وعادةً ما يميل قادة تلك الدول لإلقاء اللوم على واشنطن في تأجيج الوضع الداخلي، وقد تناول الباحث بمعهد “الشرق الأوسط”، دوجلاس لندون، هذه المسألة في تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” أمس الأول الأربعاء 7 ديسمبر 2022.

تأجيج الغضب؟

يلقي الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل، متهمًا إياهما بتأجيج الاحتجاجات داخل إيران بعد مقتل الشابة مهسا أميني في أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق، التي اعتقلتها بدعوى عدم الالتزام بـ”الزي الإسلامي”.

وتتهم الصين “القوى ذات الدوافع الخفيّة” بإشعال التظاهرات التي انطلقت رفضًا لسياسة “صفر كوفيد“، وتضمنت هتافات تطالب برحيل الزعيم الصيني، شي جين بينج، وفق ما جاء في تحليل دوجلاس لندون الذي نشرته “فورين بوليسي”.

وبالمثل، لطالما عمد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى لوم الغرب في الاحتجاجات ضد سياسته، واتهم الولايات المتحدة، مطلع العام الحالي، بمحاولة جره إلى الحرب في أوكرانيا، حيث يتعرض أداء الجيش الروسي لانتقادات واسعة، حتى من أبرز داعمي بوتين، مثل الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، ورئيس قوات “فاجنر” يفجيني بريجوزين.

1200x 1

تقديم التنازلات

بينما يبدو أن الرئيس الصيني أحكم سيطرته على البلاد بولاية ثالثة، وفرض سيطرته على هونج كونج، ويلّوح من حين إلى آخر بـ “اجتياح تايوان”، خرجت تظاهرات بالصين ضد سياسة “صفر كوفيد” الصارمة، فاضطر النظام إلى تقديم “تنازل نادر” وتخفيف الإجراءات الوقائية، استجابةً لحراك الشارع، وفق التحليل.

وفي إيران، يبدو أن “نظام الملالي” يحاول ممارسة “ضبط النفس”، وفق دوجلاس لندون. فرغم حالة عدم اليقين بعد إعلان المدعي العام الإيراني حل شرطة الأخلاق، والشكوك الدائرة حول حقيقة القرار، عادةً لا يخرج كبار المسؤولين عن النهج العام للدولة، وقد يكون الأمر مجرد “بالون اختبار” للشارع.

Iran protest latest

تداعيات خطيرة

يعتقد دوجلاس لندون، الذي عمل ضابطًا بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أن الاضطرابات التي تحدث في دول تعد “خصومًا” للولايات المتحدة، تمثل فرصة يمكن استغلالها، غير أنها تمثل خطرًا يجب الحذر منه، فمن الممكن أن تأتي بنظام أكثر تشددًا، وقد تعزز قبضة السلطة على مجريات الأمور.

علاوةً على ذلك، يشير لندون إلى أن العمليات الاستخبارية الأمريكية لا تحظى هذه الفترة بنجاح كبير، مدللًا على ذلك بالتقارير الاستخبارية التي تحدثت عن استجابة الصين للحرب الروسية الأوكرانية، والتي لا ترجح الرأى القائل بضلوع الولايات المتحدة في الاحتجاجات الأخيرة بالصين وروسيا.

مع ذلك، يقر المحلل بأن تأجيج الاضطرابات ليس وسيلة بعيدة عن الولايات المتحدة، إلا أنها تتطلب حسابات معقدة على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد يؤدي غياب الاستقرار إلى عدم القدرة على التنبؤ، ومن الوارد كذلك أن يلجأ “الطغاة اليائسون” على حد وصفه إلى خيارات عالية المخاطر لمواجهة الاضطرابات.

مكاسب قصيرة الأجل

يشير التحليل إلى سعي الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة في أفغانستان والعراق عن طريق التدخل العسكري المباشر، وفي سوريا بدعم المتمردين، إلا أنّ النتائج لم توافق غالبًا ما تصورته واشنطن.

وفي هذا السياق، أشار لندون إلى أن انقلاب أغسطس 1953 ضد رئيس الوزراء الإيراني، محمد مصدق، قد وفّر مكاسب قصيرة الأجل للولايات المتحدة، إلا أنّ تداعياته السلبية لا تزال قائمة بعد سيطرة “نظام الملالي” على السلطة.

وكانت البيئة السياسية في إيران آنذاك أكثر ديمقراطية وانفتاحًا مما هي عليه الآن، ومع ذلك، دعمت الولايات المتحدة وبريطانيا ضباطًا داخل الجيش، ومولت رجال الدين الشيعة، ودعمت الحركة الانقلابية ضد نظام مصدق. ويعتقد لندون أن الخطط الغربية لم تكن مدروسة جيدًا، لذلك آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن.

دعم المتمردين.. الجدوى والمردود

بناء على الفترة التي عمل فيها دوجلاس لندون بوكالة الاستخبارات، يقر بوجود قنوات تواصل بين المتمردين وواشنطن، إلا أنه يشير إلى أن أكثرهم كان محدود المصداقية، وبعضهم مثّل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة. ويعتقد لندون أن دعم الجماعات “التقدمية” ذاتها قد ينتج تداعيات سلبية، وقد يؤثر في سمعتها المحلية.

وقد دعمت واشنطن في الماضي، زعيم المؤتمر الوطني العراقي، أحمد الجبلي، المعارض لنظام صدام حسين، ثم تبين لها بعد فوات الأوان الحجم الضئيل لشعبية الجبلي وتأثيره المححدود.

ويرى لندون أن خيارات الولايات المتحدة في التعامل مع المعارضين والجماعات المتمردة داخل روسيا والصين وإيران، محدودة. وقد حذّر خبراء الشأن الإيراني داخل الاستخبارات الأمريكية، الإدارات المتعاقبة، من دعم المتمردين داخل إيران.

دور واشنطن

يشير لوندون إلى احتمالية استغلال “الأنظمة الاستبدادية“ الاضطرابات الداخلية لتعزيز سطوتها، عن طريق تقديم تنازلات مرحلية محدودة، تحد من الغضب الشعبي، وبالتالي يزداد “خصوم” الولايات المتحدة قوةً.

ومع ذلك، يرى لندون أن هذه الاحتمالية ضعيفة، فبعيدًا عن الصين، لا يمتلك ثيوقراطيو إيران فرصًا للمناورة، وكذلك هي الحال في “روسيا بوتين”.

ما يقوله التاريخ

في إيران، يخبرنا التاريخ أن التنازلات التي قدمها الشاه للثوار، نهاية السبعينات، شجعت المعارضة. أما بوتين فيرى أن أي تنازل يمكن أن يخل بصورة “رجل الكرملين القوي”، لذلك تتراكم عوامل الغضب الشعبي في ظل حرب غير واضحة المعالم.

وفي الصين، ليس من الوارد أن يقدم شي جين بينج، تنازلات سياسية، غير أن التحدي الأكبر الذي يواجهه هو النهوض مجددًا بالاقتصاد، ما يتطلب تنازلات محدودة في تنفيذ سياسة “صفر كوفيد”.

دعم الجهود المحلية المعارضة

يخلص التحليل إلى أن الظروف التي تؤجج الاضطرابات الداخلية بهذه الدول ما زالت قائمة، ومع مرور الوقت تنمو “تيارات المقاومة” بهذه المجتمعات.

وختامًا، ينصح لندون الولايات المتحدة بتسليط الضوء على الممارسات السلبية لهذه الأنظمة، ودعم الجهود المحلية المعارضة علنًا، حتى لا تترك في نهاية المطاف مشكلات أكبر من التي سعت لحلها.

ربما يعجبك أيضا