ازدواجية المعايير الأمريكية.. كيف تهدد النظام العالمي؟

كاتب بريطاني: موقف إدارة بايدن تجاه غزة له عواقب خطيرة على النظام العالمي

آية سيد
ازدواجية المعايير الأمريكية.. كيف تهدد النظام العالمي؟

بينما تزعم إدارة بايدن أن أوجه التشابه بين غزة وأوكرانيا ليست دقيقة، وتعزف عن تغيير مسارها، يبدو أنها تعلم أيضًا أنها تخسر الدعم الدبلوماسي تدريجيًّا.


حذرت صحيفة الجارديان البريطانية من خطورة عواقب ازدواجية معايير الغرب على النظام الدولي.

وقال الكاتب البريطاني، باتريك وينتور، إن دفاع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن ممارسات إسرائيل في غزة، على عكس موقفه تجاه روسيا في أوكرانيا، له تأثير حقيقي في العلاقات بين الشمال والجنوب العالميين، والغرب والشرق، ما يهدد بعواقب قد تستمر أصداؤها لعقود.

خسارة الدعم

بينما تزعم إدارة بايدن أن أوجه التشابه بين غزة وأوكرانيا ليست دقيقة، وتعزف عن تغيير مسارها، يبدو أنها تعلم أيضًا أنها تخسر الدعم الدبلوماسي تدريجيًا، حسب التحليل المنشور اليوم الثلاثاء 26 ديسمبر 2023.

وأشار وينتور إلى أن انضمام 8 دول فقط إلى الولايات المتحدة وإسرائيل في رفض قرار وقف إطلاق النار في غزة، بالجمعية العامة للأمم المتحدة، في ديسمبر الحالي، يعكس أن أمريكا لم تعد “الدولة التي لا غنى عنها”.

وفي المقابل، قالت المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الأمريكية، فيونا هيل، إن فلاديمير بوتين، بعد فترة من العزلة العالمية، “يشعر أن كل شيء يسير لصالحه في هذه المرحلة”، لافتةً إلى أن ربط بايدن لأوكرانيا وإسرائيل في مسعاه لإقناع الكونجرس بالموافقة على حزمة المساعدات لكييف “ليس جيدًا للسياسة العالمية”.

غزة

غزة

التشكك في النظام

أصبحت الكثير من الدول الصاعدة تنظر لـ”النظام العالمي القائم على القواعد” بعين الشك. واستشهد وينتور بتصريحات لوزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في ديسمبر الحالي، قال فيها إن “القواعد تُطبَق بناءً على احتياجات الغرب”.

وحسب الكاتب البريطاني، من المرجح أن تؤدي انتقائية أمريكا، كما تراها معظم دول الجنوب العالمي، إلى محاسبة على نطاق أوسع.

رمزية فلسطين

بعدما كانت فلسطين تُعامَل كحالة تاريخية خاصة في السياسة العالمية، أصبحت القضية الآن “في قلب أزمة متعددة الأوجه”، وفق تعبير المحلل الإسرائيلي، دانيال ليفي، الذي قال: “إن الممارسات الاحتكارية الأمريكية، في ما يتعلق بمصير غزة، لا تتماشى مع العالم الذي نعيش فيه اليوم ومع الجيوسياسة المعاصرة”.

إنفوجراف| إسرائيل تستهدف النساء والأطفال في غزة

إنفوجراف| إسرائيل تستهدف النساء والأطفال في غزة

وأضاف أنه في معظم أنحاء الجنوب العالمي وفي مدن كثيرة في الغرب، أصبحت فلسطين تحتل مساحة رمزية، وتجسد التمرد ضد النفاق الغربي، وضد هذا النظام العالمي غير المقبول، وضد نظام ما بعد الاستعمار”.

نتائج محتملة

إذا استمر الدفاع الأمريكي عن إسرائيل بهذا النحو الخاطئ، أشار وينتور إلى أن الاتجاه لتحويل التحالفات التبادلية غير الأيديولوجية سيزيد. وستصبح القاعدة هي المفاضلة حسب الدول أو التحوط الاستراتيجي.

وقد تجد أمريكا نفسها تواجه تكتلات بديلة أكبر وأكثر حزمًا، سواء كانت تحالف بريكس موسع، مثل الذي قاده بوتين هذا العام، أو تحالفات أخرى تقودها الصين.

تمرد على الغرب

رغم أن 140 دولة أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، انخفض عدد الدول الداعمة لكييف إلى 90 فقط عندما طُلب منها تقديم دعم عملي، مثل فرض عقوبات على روسيا.

وعزا وينتور ذلك إلى أن قطاع واسع من دول العالم لا تعتبر أوكرانيا صراعًا ضد عالميًا ضد الإمبريالية، وإنما مجرد صراع إقليمي داخل أوروبا.

وفي هذا السياق، لفتت هيل إلى أن بوتين استغل بمهارة الاستياء من “السلام الأمريكي” المحتضر. وقالت: “هذا تمرد ضد ما يرونه هيمنة الغرب على الخطاب الدولي وفرض مشكلاته على الجميع، مع وضع أولوياتهم جانبًا”.

صمت غربي

بوجه عام، التزم الغرب الصمت بشأن غزة عندما بدأ العدوان الإسرائيلي، باستثناء مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي قال: “أعتقد أن حرمان سكان مدنيين من الخدمات الأساسية هو شيء يبدو مخالفًا للقانون الدولي”.

وحسب الكاتب البريطاني، ترفض إدارة بايدن وجود أي تشابه قانوني أو أخلاقي بين السلوك الروسي والإسرائيلي. لكن على النقيض، صرّح بايدن، في الذكرى الأولى للحرب الروسية الأوكرانية، أن الروس ارتكبوا “جرائم ضد الإنسانية، دون خجل أو ندم”.

تناقض أمريكي

في مارس 2022، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رسميًا أنه، بناءً على المعلومات المتاحة حينها، وجدت الحكومة الأمريكية أن أفرادًا من القوات الروسية  ارتكبوا جرائم حرب في أوكرانيا. وفي مؤتمر ميونيخ للأمن، في فبراير 2023، كررت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، تلك التصريحات.

لكن الخارجية الأمريكية قالت إنها لا ترى أي حاجة إلى بدء تحقيق داخلي رسمي بشأن ما إذا كانت إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة، على الرغم من استخدامها أسلحة أمريكية، وتشير بعض الحسابات إلى أن المدنيين الذين قُتلوا في غزة خلال شهرين أكثر ممن قُتلوا في أوكرانيا خلال أكثر من عامين.

ازدواجية المعايير الأمريكية.. كيف تهدد النظام العالمي؟

مقارنة بين الضحايا في غزة وأوكرانيا

تضرر المكانة

وفق ما نقل وينتور عن الزميل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، جوليان بارنز ديسي، سيكون الضرر الذي لحق بالمكانة الأمريكية محسوسًا في الغرب أكثر من الجنوب العالمي.

وأوضح: “إن رد الغرب على ما يحدث في غزة، وعجزنا عن إدانة إسرائيل، لم يوقظ الجنوب العالمي فجأة على المعايير المزدوجة، بل أعاد تأكيد ما يعتقدونه بشأن الغرب”، مضيفًا أن هذا الصراع “يفرض درجة غير مسبوقة من المحاسبة الذاتية في أوروبا، ويُسبب انزعاجًا شديدًا للكثيرين هنا”.

ربما يعجبك أيضا