الاقتصاد الإيراني يقف في وجه عاصفة من الأزمات

يوسف بنده

رؤية

يعاني الاقتصاد الإيراني من حالة حرجة قد تودي إلى إنهياره في ظل العقوبات الأمريكية، وفي ظل عجز الموازنة، وارتفاع نسب البطالة والفقر والارتفاع الجنوني للأسعار في إيران.

إلى جانب أن آلية التبادل المصرفي بين إيران وأوروبا مازال معطل تفعيلها في ظل رفض المحافظين الموافقة على إتفاقفية “فاتف” (مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال)، التي تشترط أوروبا موافقة طهران عليها قبل تفعيل التبادل المصرفي بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي.

وقد طالب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أمس الأحد، مجلس تشخيص مصلحة النظام، بالموافقة على لوائح العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF)، من أجل المساعدة في تخفيف المشاكل الاقتصادية في البلاد.

دمج البنوك العسكرية
 
جاءت هذه الخطوة، بعد ضغوط من حكومة الرئيس الروحاني في سبيل دعم القطاع الخاص، وكسر هيمنة المؤسسات العسكرية على الاقتصاد؛ حيث أصدر البنك المركزي الإيراني السبت الماضي، بیانًا أعلن فیه عن دمج بنوك: أنصار، وقوامین، وحكمة إيرانیان، ومهر اقتصاد، ومؤسسة کوثر الائتمانية، في بنك سبه.

وتعود ملكية بنك أنصار، ومهر اقتصاد، إلى الحرس الثوري، وبنك قوامین إلی مؤسسة الشرطة الإيرانية، وبنك حکمة إيرانيان، إلى مؤسسة الجيش، ومؤسسة كوثر الاعتبارية، إلى وزارة الدفاع.

وقد لعبت هذه المؤسسات المالية دورًا هامًا في الهيكل الاقتصادي لإيران في العقد الأخير، حيث إنها تمتلك أكثر من 5000 فرع و24 مليون عميل.

وقد حذر بعض الخبراء الاقتصاديين، في الأسابيع الأخيرة، من ارتفاع القاعدة النقدية وآثار هذه الإجراءات على التضخم، مشيرين إلى أن الحكومة ستضطر إلى طبع العملة النقدية لتوفیر تکالیف هذا الدمج.

وتوقع المتخصص في الشأن الاقتصادي الإیراني، محمد طبيبان، أن “تتم إضافة أكثر من 100 ألف مليار تومان إلى القاعدة النقدية من خلال هذا الإجراء”، مضيفًا أنه من المتوقع “تفاقم نيران التضخم”.

جدل حول زيادة الرواتب

وقد انتقد رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، أمس الأحد، بشدة، الخطاب الذي وجهه رئيس منظمة التخطيط والميزانية، محمد باقر نوبخت، فيما يتعلق بزيادة الرواتب، قائلاً: “وهل يمكن للحكومة أن لا تطبق القانون؟ لقد أخطأوا عندما قالوا هذا”.

وقد وافق البرلمانيون، خلال جلسة إقرار ميزانية العام الشمسي المقبل، السبت الماضي، على فقرة سوف تزيد بموجبها رواتب جميع موظفي ومتقاعدي الدولة بمقدار 400 ألف تومان في العام المقبل. كما يمكن لحكومة حسن روحاني أيضًا إضافة 10 في المائة للرواتب، إذا توقرت لديها المخصصات المالية اللازمة.

وبعد تمرير هذه الفقرة، كتب رئيس منظمة التخطيط والميزانية، محمد باقر نوبخت، رسالة لرئيس البرلمان الإيراني، مفادها أن الحكومة لا يمكنها تطبيق الفقرة القانونية التي صادق عليها البرلمان حول زيادة الرواتب بمقدار 400 ألف تومان.

وتحولت مسألة الزيادة في الرواتب إلى قضية جدلية بين أجنحة السلطة. وكان إسحق جهانجيري، النائب الأول للرئيس الإيراني، قد توقع، يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن العام المقبل سيشهد “تراجعًا حادًا في القوة الشرائية لدى المواطنين”، وأن “البطالة” ستهدد البلاد.

كما توقع بعض الخبراء الاقتصاديين أيضًا، ارتفاعًا حادًا في التضخم في هذا العام.

ويسعى المسؤولون الحكوميون الإيرانيون لمواجهة تداعيات العقوبات، من خلال توزيع حزم الدعم والزيادات في الرواتب.

صناعة السيارات

وفقًا للإحصاءات التي نشرتها شركات تصنيع السيارات المحلية في إيران، فإن إنتاج السيارات انخفض من 146 ألف سيارة، في فبراير (شباط) 2018 إلى 59 ألف سيارة في فبراير (شباط) 2019، مما يشير إلى انخفاض بنسبة 60 في المائة.

ووفقًا لهذه الإحصاءات، فقد تم إنتاج 873 ألف سيارة، في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام (الشمسي)، مقارنة بإنتاج مليون و404 آلاف سيارة في الأشهر العشرة الأولى من العام الشمسي الماضي، أي إن قطاع تصنيع السيارات شهد انخفاضًا بنسبة 37 في المائة.

ويشير كثير من الخبراء إلى أن منع استيراد السيارات، هو أحد الأسباب الرئيسية في زيادة الاضطرابات في سوق السيارات والارتفاع اليومي في الأسعار.

كما أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على إيران، والتي طبقت منذ شهور، أدت إلى تقليص قدرة شركات صناعة السيارات في إيران، كما أن مشاكل مثل نقص السيولة، وعدم القدرة على استيراد قطع الغيار، كان لها انعكاس سلبي من حيث التزاماتها تجاه العملاء.

سوق الإسكان

التقرير الموسمي لمركز الإحصاء الإيراني عن أوضاع سوق العقارات في البلاد، يشير إلى أنه بعد نمو المعاملات العقارية بنسبة 16 في المائة، الصيف الماضي، مقارنة بنفس الفترة من العام (الشمسي) السابق، فقد انخفض حجم شراء وبيع الوحدات السكنية في جميع أنحاء البلاد، خريف هذا العام، بنسبة  11.3 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

يشار إلى أن تقافز أسعار العقارات هو أحد الأسباب الرئيسية في انخفاض المعاملات. ووفقًا للتقرير، فإن محافظات طهران والبرز وفارس وأصفهان وخوزستان، كانت في مقدمة المحافظات التي شهدت ارتفاعًا في أسعار السكن، خلال هذا الخريف، مقارنة بالخريف الماضي.

كوبونات إلكترونية

بعد قرار البرلمان، أمس الأحد 3 مارس (آذار) بشأن مسألة تقديم قسائم تحت الاسم الجديد “القسائم الإلكترونية” للسلع الأساسية، کان للخبراء والمحللين الاقتصاديين آراء مختلفة حول إعادة هذا النظام.

يرى عدد من الخبراء هذا الأمر على أنه عودة إلى الخلف وتكرار السياسات الاقتصادية الخاطئة في التسعينيات من القرن الماضي، والتي لا تزال تحظى بشعبية بين السياسيين وبعض الاقتصاديين. وهم يجادلون بأن السبب الرئيسي للتضخم هو الزيادة المفرطة في السيولة الناتجة عن عجز الموازنة وزيادة أسعار العملة هذا العام.

وبناءً على ذلك، فإن قمع الأسعار والسيطرة على السوق لن يؤديا إلا إلى خلق أسواق متعددة الأسعار، وفي نهاية المطاف الرشوة والفساد، التي ستعيد الحكومة إلى دورة ناقصة من الکفاح ضد ارتفاع الأسعار واحتكار السلع والمزيد من نفوذ القطاع العام في الاقتصاد. لكن بعض الخبراء، في ضوء الظروف الاقتصادية الصعبة والإشارة إلى نماذج مماثلة في الدول المتقدمة ذات الاقتصاد الحر، مثل تقديم بطاقات الائتمان (EBT) في الولايات المتحدة، والتي تقدم السلع الأساسية بسعر منخفض لطبقة المجتمع الأفقر، فإنهم لا يعتبرون هذه المسألة غير ذات صلة.

قد تكون المشكلة الرئيسية هي انخفاض القوة الشرائية وانتشار الفقر في جزء كبير من المجتمع الإيراني، والذي يجعل نسبة كبيرة من السكان بحاجة إلى السلع الأساسية الرخيصة، بينما في سائر البلدان، هذه الخدمات تخص جزءًا صغيرًا من المجتمع، والتي لأسباب مختلفة، ليس لديها القدرة على العمل وكسب المال.

ربما يعجبك أيضا