الاقتصاد العالمي في 2024.. تباطؤ حتمي وآفاق محفوفة بالمخاطر

ولاء عدلان
حركة الاقتصاد العالمي - تعبيرية

حذر صندوق النقد الدولي في يوليو الماضي من أن المخاطر المحيطة بنمو الاقتصاد العالمي لا تزال تميل إلى جانب التطورات السلبية.


تخيم على آفاق الاقتصاد العالمي توقعات قاتمة للغاية، وسط ميل البنوك المركزية الكبرى للتمسك بسياسة التشديد النقدي لفترة أطول من المتوقع.

وخفضت المؤسسات الدولية وشركات الاستشارات العالمية منذ بداية العام توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي لأكثر من مرة، وحذرت من تدهور آفاق التوقعات للعام المقبل، مع تفاقم تأثير التشديد النقدي الذي طال أمده.

آفاق قاتمة

قالت شركة الاستشارات الاقتصادية كونسينساس إيكونوميكس التي تتخذ من لندن مقرًّا لها، في مذكرة حديثة، إن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى سيؤدي إلى تباطؤ النمو هذا العام إلى 2.4% وفي العام المقبل إلى 2.1%.

وتوقعت أن يدفع ارتفاع الطلب في الاقتصادات الكبرى معدلات التضخم للبقاء مرتفعة لفترة أطول، ما يجبر البنوك المركزية على إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة حتى العام المقبل. وتتفق هذه التوقعات مع رأي صندوق النقد الدولي والذي قال في يوليو الماضي إنه يتوقع تراجع النمو العالمي إلى 3% خلال 2024 من مستوى 3.5% المسجل العام الماضي.

وأوضح الصندوق أن معدلات النمو ستظل متدنية قياسًا بالمعايير التاريخية، بفعل التأثير السلبي للفائدة المرتفعة في النشاط الاقتصادي، وسط توقعات بأن تظل معدلات التضخم العالمية مرتفعة عند 6.8% و5.2% في 2023 و2024. وخفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، في يونيو، توقعاتها للنمو العالمي في 2024 إلى 2.1% من توقعات مارس البالغة 2.4%.

اقرأ أيضًا|مخاطر الركود تحاصر الاقتصاد العالمي في 2023.. ما مداها؟

توقعات نمو الاقتصاد العالمي للعامين 2023 و2024

توقعات نمو الاقتصاد العالمي للعامين 2023 و2024

مخاطر محدقة

قال صندوق النقد إن المخاطر المحيطة بنمو الاقتصاد العالمي لا تزال تميل إلى جانب التطورات السلبية، محذرًا من احتمالات ارتفاع التضخم مرة أخرى حال وقوع المزيد من الصدمات. والأمر نفسه حذر منه البنك الدولي في يونيو الماضي، قائلًا إن ارتفاع الفائدة سيؤثر بقدر أكبر في النشاط الاقتصادي في 2024، ما دفعه لخفض توقعاته للنمو العالمي من 2.7% إلى 2.4%.

وقال كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، إنديرميت جيل، إن العام الحالي سيمثل أحد أبطأ سنوات النمو للاقتصادات المتقدمة في العقود الـ5 الماضية، ما يمثل انتكاسة للتعافي من جائحة كورونا. وحتى بحلول نهاية العام المقبل، لن يتمكن ثلث الدول النامية من تجاوز مستويات دخل الفرد المسجلة في 2019.

ركود في الأفق

حذر البنك الدولي من أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي يتباطأ إلى حافة الركود، وفي يونيو خفض توقعاته لأكبر اقتصادين في العالم خلال 2024، مرجحًا في يونيو نمو اقتصاد الولايات المتحدة العام المقبل بنحو 0.8% فقط أي أقل من توقعاته في يناير البالغة 1.6%، وخفض توقعاته للصين بنحو 0.4% لتصل 4.6%.

وقال إن أحد السيناريوهات السلبية المحتملة هو ارتفاع الضغوط المصرفية وانفجار أزمة ائتمانية حادة في الاقتصادات المتقدمة، ما يؤدي إلى خفض النمو العالمي للعام المقبل بمقدار النصف إلى 1.3%، ليسجل أبطأ وتيرة منذ 30 عامًا باستثناء الركود في عامي 2009 و2020، ولم يستبعد سيناريو الركود العالمي.

اقرأ أيضًا|بفعل أزمة القطاع العقاري.. الاقتصاد الصيني في مأزق

الاقتصادات الكبرى في ورطة

أشارت كونسينساس إيكونوميكس في مذكرتها إلى أن علامات الضعف بدأت تتمكن من غالبية الاقتصادات الكبرى، موضحة أن اقتصاد الولايات المتحدة بدأ يعطي مؤشرات على التباطؤ في سوق العمل خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن معدلات التضخم لا تزال أعلى من مستهدف مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) ما يجعل الأخير أكثر تمسكًا بأسعار الفائدة المرتفعة.

وفي أغسطس الماضي خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لأمريكا إلى “AA+” من “AAA”، بسبب توقعات بتدهور المالية العامة للبلاد على مدى السنوات الـ3 المقبلة، وقبلها بشهرين خفضت فيتش توقعاتها لنمو الاقتصاد الأمريكي في 2024 إلى 0.5% من توقعاتها السابقة عند 0.8%، مع ترجيح سقوطه في دائرة الركود في الربع الأول من 2024.

وبالنسبة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العام، فنبرة التشاؤم أعلى بكثير مع انكماش نشاط التصيع والصادرات وأزمة القطاع العقاري وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب. وعلى سبيل المثال، نما الإنتاج الصناعي الصيني في يوليو الماضي بنحو 3.7% على أساس سنوي، مقابل توقعات الأسواق لنمو بحدود 4.3% وأقل من نمو بـ4.4% في يونيو، ما يعزز المخاوف من تعثر الاقتصاد الصيني.

توقعات النمو العالمي - صندوق النقد

توقعات النمو العالمي – صندوق النقد

أصداء تعثر الصين

أصداء تعثر الاقتصاد الصيني ترددت في آسيا، فمثلًا كوريا الجنوبية، وهي رابع أكبر اقتصاد في المنطقة، انخفضت صادراتها خلال أغسطس للشهر 11 على التوالي، وانخفضت شحناتها إلى الصين، الشريك التجاري الأكبر للبلاد، بنحو 20% على أساس سنوي، بسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني، وبالمثل تعاني أيضًا اليابان وتايوان.

وفي يوليو الماضي، حذر صندوق النقد من أن النمو سيظل متواضعًا في منطقة اليورو هذا العام والعام المقبل بسبب التشديد النقدي والتضخم العنيد، وتوقع أن تنمو المنطقة بنحو 1.5% فقط خلال 2024.

ولم تصل منطقة اليورو بعد إلى ذروة التشديد النقدي، ما يجعلها أقرب إلى ضربة مزدوجة من تداعيات ارتفاع تكاليف الاقتراض، وتباطؤ اقتصاد الصين الشريك التجاري الأهم لدول الكتلة. ومثلًا، يعاني أكبر اقتصاد في أوروبا حاليًّا من ركود، فالاقتصاد الألماني سجل نموًّا صفريًّا خلال الفترة من مايو إلى يوليو، وانكمش بنحو 0.2% و0.1% على أساس سنوي في الربعين الثاني والأول على التوالي.

 

ربما يعجبك أيضا