التضخم المتسارع.. هل يستبق العالم العاصفة بخطوة؟

كتب – حسام عيد

رغم التوقعات الإيجابية بشأن تعافي اقتصادات العالم من جراء تداعيات الجائحة الوبائية “كوفيد-19″، والتي تتسارع مؤسسات المال والأعمال فيما بينها على نشرها؛ إلا أنه لا تزال هناك آثار سلبية للجائحة متمثلة في العرض والطلب والتي تظهر بصورة جلية في أزمة سلاسل التوريد العاصفة، والتي فعليًا تمكنت اليوم من إدخال العالم في حقبة التضخم المتسارع، لعل أبرز ما شهدناه هو تسجيل الولايات المتحدة، القوة الاقتصادية الأكبر عالميًا؛ معدل تضخم تاريخي هو الأعلى منذ 30 عامًا (1990)، عند 6.2% خلال أكتوبر 2021 على أساس سنوي.

لذلك؛ ليس من المستغرب أن تفرض أزمة جموح أسعار السلع والخدمات في العالم، نفسها بقوة على أجندة اجتماعات المؤسسات الاقتصادية الدولية كافة، وبما في ذلك اجتماعات مجموعة العشرين، وتجمع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة السبع في صندوق النقد الدولي. لكن ما هي التداعيات على المدى المتوسط؟ وهل ستنجح سياسات وخطط البنوك المركزية العالمية في احتواء وتيرة الضغوط والمخاوف؟ أم سيبقى الاقتصاد العالمي رهن قبضة التضخم لسنوات عديدة قادمة؟. هذا ما سنتعرض له بالتحليل في التقرير التالي.

ركود تضخمي وأزمة غذاء

هناك مؤشرات على أن مخاوف التضخم لن تتلاشى في العام الجاري وسط استمرار ضغوط سلسلة التوريد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والطلب القوي بعد الإغلاق، واستمرار برامج التحفيز، ونقص العمالة. وفي ضوء المعطيات السابقة، من المرجح أن يتجاوز معدل التضخم أهداف البنوك المركزية، ما دفع الأوساط الاقتصادية للتحذير من احتمالية معاناة الاقتصاد العالمي من ظاهرة “الركود التضخمي” في الأشهر المقبلة.

1x 1

وعن آفاق التضخم في الأجل القصير، تشير التوقعات الأساسية لخبراء صندوق النقد الدولي في تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر في أكتوبر الماضي، إلى أنه بالنسبة لمجموعة الاقتصادات المتقدمة، من المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم في عام 2021 نسبة 2.8%، قبل أن ينخفض إلى 2.3% في عام 2022. وبالمثل، تُظهر آفاق الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تراجع التضخم إلى 4.9% في العام المقبل، مقابل 5.5% في العام الجاري.

وكانت منظمة الأمم المتحدة قد كشفت في تقرير حديث، عن أن ارتفاع أسعار الشحن وأسعار المواد الغذائية من الحبوب إلى الخضراوات، من الممكن أن يرفع تكلفة استيراد المواد الغذائية بنسبة 14% إلى 1.75 تريليون دولار. كما حذرت المنظمة الأممية من ارتفاع الفواتير مع زيادة تكلفة المنتجات الزراعية.

وقفزت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوياتها منذ عقد، ما زاد من الضغط على ميزانيات الأسر المتضررة أصلاً بسبب الوباء وارتفاع فواتير الطاقة. ومما يثير القلق بشكل خاص هو أن تكاليف استيراد الغذاء في البلدان الفقيرة ترتفع بوتيرة أسرع من نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة، وهو ما بات يمثل مشكلة متزايدة في المناطق التي تعتمد على شحن الإمدادات.

كذلك، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، إن “أسعار المواد الغذائية سترتفع حتماً مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، وستقوم بذلك دون تأخير كبير”. ورجحت الـ”فاو” أن ترتفع فواتير الواردات الغذائية بنسبة 11% هذا العام في البلدان المتقدمة، ونحو 20% في المناطق النامية.

هل الحل في سحب التيسيرات ورفع الفائدة؟

من جانبها، ترى وكالة “بلومبيرج”، أن “كلمة الركود التضخمي قوية جداً”. ومع ذلك، لا تترك أزمات العرض التي ترفع الأسعار وتُخفِّض الإنتاج، صنَّاع السياسة النقدية أمام خيارات سهلة. ويحافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الكبرى على مساحة للاختيار في هذه الفترة التي لا يشعرون فيها بضغوط عاجلة. فإذا تحرَّكوا تحت ضغط ارتفاع عنيد في معدل التضخم، سيواجه تعافي الاقتصاد العالمي مشكلة إضافية”.

ويعني ثبات معدل التضخم عند مستوى مرتفع، أن المخاطر تُرجح اتخاذ قرار بزيادة أسعار الفائدة في وقتٍ مبكر عن التوقعات الحالية، وأن تُرفع في عام 2023.

ويمكن القول إن الأدوات النقدية للبنوك المركزية يمكن أن تضطلع بدور جوهري في التصدي الاستباقي لأزمة التضخم العالمي، وعلى نحو يعزز الحفاظ على ثقة المستثمرين والمستهلكين.

وفي هذا الصدد، بدأت العديد من البنوك المركزية مؤخرًا في سحب التحفيز الطارئ الذي قدمته لمواجهة تداعيات الجائحة في العام الماضي. فعلى ضوء تسارع التضخم، يخطط الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لإبطاء برنامجه لشراء، في حين أن أقرانه في النرويج والبرازيل والمكسيك وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا من بين أولئك الذين رفعوا بالفعل أسعار الفائدة. ويبدو أن تلك التحركات الجديدة من البنوك المركزية العالمية ستُلقي بظلالها على الأسواق المالية العالمية، حيث سيضطر المستثمرون لإعادة النظر في عوائد استثماراتهم بالأسهم في البورصات، بالإضافة إلى تسعير المخاطر المتعلقة بها.

وختامًا، التضخم المرتفع اليوم بات يمثل مشكلة عالمية، لكن لا نتوقع استجابة عالمية جماعية كما حدث في انهيار 1985 والتوصل سريعًا لاتفاق “بلازا أكورد” بنيويورك في عام 1985، والذي حقق انسجامًا بين مسارات العملات الرئيسية. فالظروف الداخلية لكل دولة ليست داعمة بما فيه الكفاية ولا تسمح بالتعاطف أو التفكير حتى في مساعدة دول أخرى.

ربما يعجبك أيضا